لو أرادت الدولة تعيين وزير أو مسؤول للتدقيق ومتابعة المشاريع وجودتها وكشف مكامن الخلل والقصور فيها وبالأخص مشاريع البنية التحتية من طرق وجسور ومشاريع تصريف سيول، فلن يكون هناك أفضل من المطر. وحقيقةً، إنني هنا أفضِّل عبارة الخلل والقصور بدلاً من كلمة فساد التي يستعملها بعضنا عند نقد المشاريع سيئة التنفيذ، لأن كلمة فساد في مجتمعنا أصبحت مختزلة في السرقة، ومرتبطة في أذهان كثيرين بقضايا الذمة المالية والاختلاس والفساد الأخلاقي، مع أن الإهمال في أداء الواجبات والمهام يعتبر من أنواع الفساد. ولكن بسبب ارتباط كلمة فساد بما ذكرت، أفضِّل أن نكتفي بعبارات الخلل والقصور، وأيضاً حتى نتجنب الإحراج من التدخل في مهام ومسؤوليات هيئة مكافحة الفساد «نزاهة»، وكي لا يصبح لدينا أكثر من جهة تتعقب الفساد والمفسدين، ولا نريد أن نضع المطر منافساً لها في أعمالها. ولعل أجمل ما في موضوع المطر، وهو دائماً جميل، أن لديه قدرة عجيبة، وهي من قدرة الله سبحانه وتعالى، على كشف ضعف البنية التحتية وعيوبها الفنية في عدة مدن دفعة واحدة وخلال فترة وجيزة، وكذلك إجراء اختبارات على جودة تلك الخدمات وفي فترة قصيرة وشاملة، متجاوزاً بذلك أفضل الشركات والمهندسين والمختصين، ولديه قدرة عجيبة أيضاً على كشف المتلاعبين والمدلِّسين، فمهما كانت مهارات المقاول أو المنفذ في الغش فلن تنطلي عليه تلك الأساليب. قد يأتي من يقول إن السيول والفيضانات تستطيع تدمير أعتى المشاريع ونسفها، بقدرة الله، حتى لو كانت منفَّذة على أكمل وجه وبأفضل الطرق، وهذا كلام صحيح، في حال كانت هذه الأمطار والسيول وصلت إلى مرحلة الأعاصير والفيضانات وخرجت عن معدلاتها الطبيعية لتتحول إلى كوارث، لكن ما نشهده في أمطارنا أنها -ولله الحمد- وفق الطبيعي وأحياناً كثيرة أقل من الطبيعي ولم تصل إلى معدلات عالية تحولها إلى فيضانات وأعاصير. فإذا كان في هذا الوضع الطبيعي للأمطار لم تستطع بعض المشاريع الصمود وتسربت المياه إلى داخلها أو سبَّبت انهيارها، فكيف سيكون الحال لو -لا سمح الله- تحولت إلى فيضانات مثل الفيضانات التي تشهدها أحياناً دول الأمريكتين ودول شرق آسيا. الغريب في الموضوع أنه قبل عدة أعوام لم تكن السيول تسبب كل هذه المشكلات في المملكة، وهو ما لا أعرف له سبباً، فهل كانت مشاريع البنية التحتية في السابق أفضل منها الآن؟، أو هل انتهى العمر الافتراضي لتلك المشاريع وأصبح لا بدَّ من مشاريع جديدة؟، على الرغم من أن بعض المشاريع الجديدة لم تسلَمْ هي أيضاً من تسريبات السيول، أم أن معدلات الأمطار أصبحت أعلى منها في السابق؟. أعتقد أنه أصبح لزاماً على مسؤولي تخطيط المدن ومنفذي مشاريع الطرق والجسور ومشاريع تصريف السيول أن يضعوا في اعتباراتهم وحساباتهم، بعد الخوف من الله سبحانه وتعالى، موضوع المطر، فهو لا يعرف أن يجامل أحداً ولا يمكن أن يترك عيباً أو خللاً إلا وسيكشفه، فانتبهوا من هذا المراقب الجديد الذي على الرغم من أنه لا يحمل أية صفة رسمية أو حكومية، غير أنه يستحق أن نضيف لأسمائه المباركة الوزير «مطر» المسؤول عن وزارة المتابعة والتدقيق في المشاريع.