الإرهاب هو العدو الوحيد الذي يشترك الجميع في عداوته، على الرغم من اختلاف أعراقهم وجنسياتهم وأديانهم، فهو بلا شك يُعد أكبر خطر يهدِّد أمن الشعوب واستقرارها في القرن الواحد والعشرين، ولا أظن أن هناك إنساناً لا يدرك مدى خطورة تنامي ظاهرة الإرهاب على حياته وممتلكاته وطمأنينته. فالإرهاب وإن لم يتم تعريفه بشكل واضح ودقيق، خاصة من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية التي شنت حروباً طاحنة وجائرة على العراق وأفغانستان، أصبح مبرراً لإراقة الدماء بحجة أنه لا سبيل لاجتثاثه إلا بالتصدي له بالمدافع والدبابات والطائرات النفاثة وكل وسائل القتال الحديثة التي بطبيعة الحال ستكون لها ضحايا كثر من الأبرياء؛ لأن الإرهابي غالباً ما يكون متخفياً ومستتراً في البيوت والشوارع والميادين وفي كل مكان، فهو كائن محبط ويائس يتحين الفرص المناسبة ليفصح عن ذاته المثقلة بالظلم والقمع، لذا تجده دائماً على أهبة الاستعداد للتدمير والقتل متى ما تسنى له ذلك. أحياناً أجدنيَ أتعاطف مع هؤلاء المحبطين من منطلقات إنسانية بحتة باعتبارهم ضحايا لظروف اجتماعية قاسية أوصلتهم إلى مرحلة اليأس والإحباط وهي آخر مراحل صناعة الفكر الإرهابي، وفي أحيان أخرى، أشعر بأنهم شياطين بهيئة بشر، خاصة بعد كل عملية قتل يقومون بها دون رحمة وشفقة بحق إخوانهم في الدين والإنسانية! هذا الشعور المتناقض له أسبابه ودوافعه المنطقية، فالإنسان السوي لا بد أن يحمل قدراً من الإنصاف في داخله تجاه أعدائه على الأقل ليتجنب مزيداً من الخسائر المادية والمعنوية التي قد تلحق به إذا لم يحسن تقدير الأمور في مجرى صراعه مع الأعداء، فمراجعة الذات من حين لآخر بهدف تفهم ردود أفعال الآخرين تجعل المرء أكثر انصافاً وعدلاً في حكمه وتقييمه للأمور. إن أخطر الأعداء هو الذي لا يمنعه شيء من المغامرة بحياته في أي وقت وحين، فهو قنبلة موقوتة لا تحتاج لأكثر من ضغطة زر في المكان والزمان المحددين من قبل أرباب الفكر المتطرف. مشكلتنا الجوهرية الكبرى في هذا العصر، هي أننا مجتمعات إسلامية تتكئ على أرث تاريخي وحضاري عريق، لم يدع شاردة أو واردة في مجال حقوق الإنسان أو أي أمر يُعلي من شأن الإنسان إلا وكانت له الأسبقية فيه، لكن مع الأسف الشديد أن واقع الأمة اليوم يتناقض مع ذلك الإرث، بحيث أصبحت المطالبة بالتسامح والاعتدال التي أرسى قواعدهما الرسول الكريم في ثقافتنا الإسلامية، ضرباً من المثالية الزائدة! إننا نعيش في هذا العصر تراجعاً مأساوياً هائلاً والسبب أننا أفرطنا في التنظير عن الإسلام كدين مكتمل الأركان دون أن يكون لممارساتنا الفعلية نصيب من ذلك التنظير! ولكم أن تقارنوا بين الإسلام في دولة محافظة مثل المملكة ودولة منفتحة مثل ماليزيا ثم قاربوا بين مظاهر الحياة الاجتماعية في كلا البلدين لتدركوا مدى الاختلاف بين الإسلام هنا وهناك، على الرغم من أن الجوهر لا يختلف في كليهما! إلا أن ماليزيا حتى لو اختلفنا على مدى تقيدها بأحكام الشريعة الإسلامية، لم تعانِ من الإرهاب، مثلما عانت منه المملكة طوال السنوات الماضية، مع أن المملكة من أكثر الدول التزاماً وتطبيقاً للشريعة الإسلامية! إذاً لماذا ينخرط السعوديون في التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة والنصرة وداعش وغيرها، طالما أنهم ينتمون إلى البلد الذي يمنع المنكرات والموبقات بشكل رسمي؟ ما الذي يدفعهم إلى الانضمام إلى الجماعات الإرهابية زرافات ووحدانا لمجرد أنها ترفع شعارات إسلامية براقة؟ ما يميز ماليزيا بصريح العبارة هو أنها بلد متعدد في كل شيء في إثنياته ودياناته ومذاهبه في ظل قوانين تحث على التعايش والتسامح، وتُجرم أي شكل من أشكال التمييز سواءً الديني أو المذهبي أو العرقي، على الرغم من أن الديانة الرسمية للبلاد هي الإسلام بحكم أنه دين الأغلبية، وهذا ما جذَّر ثقافة الاختلاف في المجتمع الماليزي. في اعتقادي أن المؤثرات الأخرى مثل التفسيرات الخاطئة للآيات القرآنية وغياب العدالة الاجتماعية، إضافة إلى أن أغلب أئمة المساجد غير ملمين بمشكلات المجتمع ومستجدات العصر، ولهذا السبب تحديداً فقدت المنابر دورها الريادي، وهذا ناتج عن انكفائهم على ذواتهم وعدم انخراطهم بالنشاطات الاجتماعية التي تضيف إلى فكر المرء أبعاداً وآفاقاً لا يمكن إدراكها إلا بالتجربة والاطلاع. ولا شك أن تلك المؤثرات لعبت دوراً كبيراً في رواج الأفكار الضالة بين فئة من الشباب الذي يشعر بالتهميش والظلم، لأنهم يعيشون في حالة استلاب مزمنة من واقعهم الذي يحيط بهم، والسبب أن باب الاجتهاد في أمور الدين والدنيا توقف منذ عصور ازدهار الحضارة الإسلامية، حيث كانت اهتمامات العلماء في تلك القرون متنوعة ومتعددة في شتى المجالات مما ساعدهم على أن تكون اجتهاداتهم مستمدة من واقعهم، وبما لا يتعارض مع مقاصد الشريعة السمحة. وهذا ما يفتقده كثير من علماء الأمة في عصرنا الحالي، باستثناء قلة لا تجد أفكارهم واجتهاداتهم أي قبول لدى العوام بسبب جرأتها ومخالفتها للسائد والمألوف من الأفكار والمقولات التراثية. إن البرامج والخطب والكتيبات الوعظية أدوات أثبت الزمن فشلها في القضاء على الفكر المتطرف، والسبب أنها ليست متسقة مع حياتنا الاجتماعية المملوءة بالتشدد والتزمت، لذا لا حاجة لنا بالفتاوى التي تُجرم وتُحرم ما يقوم به الإرهابيون باسم الدين. ما نحتاجه بوضوح لمكافحة الأفكار الجانحة والمتطرفة، هو التعدد والتنوع في الآراء والمذاهب، كي تترسخ وتتجذر ثقافة الاختلاف والتسامح فيما بيننا تجسيداً لجوهر الدين الإسلامي، واقتداءً بسيرة رسولنا الكريم الذي توفاه الله وجاره يهودي، وفي هذا عبر وعظات لكل ذي لب سليم ليدرك أن الاختلاف بكافة أشكاله لا بد من أن يحترمه الجميع كي تتحقق المقاصد العظمى التي أتت بها الأديان السماوية. إن إنشاء مركز الحوار الوطني وأمر خادم الحرمين الشريفين الذي نص على أن تكون هيئة كبار العلماء من المذاهب السنية الأربعة هو بمنزلة تأكيد على وعي القيادة بأهمية التنوع والتعدد للقضاء على التطرف والإرهاب، فلنبدأ بتهيئة أنفسنا بقبول المختلفين من أبناء الوطن في الرأي والمذهب كي نسهل على الأجيال القادمة مهمة تجفيف منابع الغلو والتشدد التي قادت شبابنا إلى محرقة الإرهاب.