ما بين ولادته بين رمال محافظة الدرب جنوب السعودية عام 1949م، التي لامس فلها وريحانها، وويلات اليتم المبكر كانت سيرة «فنان العرب» الأولى وبداياته، مرورا بتحديات السفر وإرهاصات البيئة. بعد أن انتقل محمد عبده إلى جدة مع والدته عاش في رباط خيري، مازح والدته ذات ليلة رطبة، وهو يطل من على شرفة قديمة، أنه سيبني لهم في يوم ما فيلا كبيرة فضحكت وقالت له «نام». ولأنه مسكون بحب والده اتجه للبحر كي يبوح له بهمومه ويغوص في عوالمه، بحارا.. يختصر مسافات «الرزق « بعيدا عن تفصيلات الأمنيات طويلة المدى، فالتحق بالمعهد الصناعي وتخصص في صناعة السفن في مطلع الستينيات، ضمن فئة قليلة من أقرانه، وتخرج بعدها وكان مقررا أن يبتعث لإيطاليا لاستكمال دراسته ولكن بوصلته اتجهت إلى بيروت حيث اكتشف موهبته وصوته، عباس غزاوي وطاهر زمخشري فولج إلى عالم الطرب ب «خاصمت عيني من سنين» ثم «سكة التائهين» ثم وصدح ب «الرمش الطويل « التي كانت بداية حقيقة ل» أبو نورة» حيث بيع منها 30 ألف نسخة من الألبوم الذي ضم الأغنية. ثم ذاعت سيرته حتى أصبحت أغنياته تتغلغل في وجدان العرب الذين، بل وكانت أغنيته «لنا الله» علامة فارقة لامس بها قلوب محبي الطرب والصوت الأداء واللحن، حتى أصبحت أغنية عربية بامتياز حتى لقبه الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة ب»فنان العرب». ولأنه عاشق للحن والذي يعده سرا من أسرار نجاح الأغنية بدأ يلحن بنفسه كلمات أغنياته باحترافية، ودخل موروث «السامري» والعدني والصنعاني فأسس بذلك منهجا خاص في اللحن فتفوق على كثير من الملحنين. وكان من أسرار تفوقه تعاونه مع شعراء منحوه كلمات رسمت لأغنياته مسارا خاصا اختلطت بالذوق المحلي والعربي، وحتى العالمي حيث باتت ألبوماته تباع في أوروبا، وتسابقت مسارح تونس والقاهرة والخليج ودولا عربية أخرى لإقامة حفلاته. ملحنون عمالقة كانوا شهداء على النجاح الفني لمحمد عبده ومنهم محمد شفيق وطارق عبدالحكيم وناصر الصالح وسامي إحسان وعبدالرب إدريس ومحمد شفيق وعمر كدرس وبليغ حمدي وأنور عبدالله ويوسف المهنا ومحمد الموجي وغيرهم، كلهم أقروا بروعه ألحانه وموسيقاه والتي مازالت صامدة. أما الشعراء عبدالله وخالد الفيصل ومحمد السديري وبدر بن عبدالمحسن ونواف بن فيصل وعبدالرحمن بن مساعد ومحمد بن راشد آل مكتوم وإبراهيم خفاجي وطاهر زمخشري و ناصر بن جريد وطلال الرشيد وفائق عبدالجليل ومنصور الشادي فقلت ظلت كلماتهم تخرج من حنجرته أنغاما شجية لعقود، لم ترتهن لزمان أو مكان. محمد عبده فنان لم يركن للغناء العاطفي فقط بل حمل الهم الوطني بين جوانحه فصدح ب «الله أحد» و»فوق هام السحب» و»يا السعودي البطل» و»أجل نحن الحجاز ونحن نجد وأوقد النار». ظل فنان العرب رغم شهرته إنسانا بسيطا رقيقا كألحانه يملك «كاريزما» تجعله يتغلغل في النفوس كنسمة رقيقة في عز الصيف.