في ظل الظروف البيئية القاسية والتقسيم الجغرافي والديموجرافي الذي عاشه الإنسان على مر العصور، بجهله وقلة حيلته أصيب بذل وانكسار مجبرا لا مخيرا تحت قوانين صارمة تجبره على الخضوع والالتزام التام والابتعاد عن الخوض والنقاش فيه، فكان الحاكم هو صاحب القوة والسلطة وله الصلاحية المطلقة في إطلاق الأحكام حتى لو كانت جورا وظلما على شعبه كما يحلو له بنظرة استعباد وهيمنة، سالبا إياهم حقوقهم وغير قابل للفصل في نزاعاتهم متبعا أساس الظلم والجور وانتهاك الحريات والحقوق، وكان الفارق الطبقي يلعب دورا كبيرا فيه حيث إن العقوبة ملزمة على العبد والفقير وبعيدة عن السيد مما سهل على أصحاب الرفعة والمكانة العالية في المجتمع ارتكاب الجرم والتساهل في وقوعه مخالفا بذلك الأنظمة المتبعة. وجاءت الشريعة الإسلامية ملائمة لكل زمان ومكان لتقر بحقوق الأفراد وواجباتهم والحريات الأساسية المتعلقة بكيانهم المادي والمعنوي تنظيما لأمورهم، ولتحق الحق وتضع القواعد التشريعية منهجا للعدالة لتتناسب مع جميع أفراد المجتمع، ولتنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ملزمة بذلك أصحاب السيطرة والقوة على اتباعها والسير وراءها امتثالا لأمر الله كما ذكر في كتابه الكريم وتطبيقا لسنة نبينا عليه الصلاة والسلام فأصبحت المرجع الأساسي لهم، ومن هنا برزت القوة تطبيقاً للمبدأ القائل: الإسلام دين ودولة. وعندما تكون للشريعة السيادة في مرجعنا بحيث لا يطغى النظام الوضعي عليها ويصبح للقضاء استقلالية تامة عن الدولة مرتبطة بالدين بشكل مباشر، وحصانة مانعة لتجاوزات الأفراد، إضافة إلى تعزيز مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة، بذلك نصبح قادرين على صيانة الحقوق وكفالة الحريات للفرد داخل مجتمعه مساهمين في إرساء العدل قادرين على النظر في مظالم الناس وإنصافهم.