نعيش في إجازة طويلة تقاسم غلتها معظم موظفي الحكومة والقطاع الخاص بالإجازات الرسمية بعضهم بقى في مدينته وآخرون طاروا لمدن أخرى، ونوع آخر تنقل بين المدن في إجازته لعله يمسح هموم 11 شهرا من تعب العمل.. وتتنوع مزاجات الأسر السعودية في السفر داخليا وفق توجهات ودوافع وميول كل أسرة فبعضهم ظل مطاردا وملاحقا «كعكة» المهرجانات وما فيها من «تكرار وبؤس»… حدائق مكتظة بالعائلات بعضها تفترش الأرض وأخرى الأرصفة بحثا عن «سعة الصدر» و«راحة البال» وأطفال غارقون باكون نائحون وراء الملاهي ومدن الألعاب مقتصرين فرحهم على ما يجود به رب الأسرة من مصاريف مكبلة بتركة «ثقيلة من الالتزامات».. ونساء يصورن «الغبار» والشمس والوديان بحثا عن توثيق لإجازة قد تكون أحلى من أخرى.. وشباب تائهون وراء التطعيس والتفحيط وحتى البلاهة «أحيانا». مهرجانات مكررة ومدن تشتاط «حرا ورطوبة» تصر لجانها السياحية أن تقيم فيها مهرجانات في «الغبار الطلق» ومدن أخرى تستعد للمهرجات سنوياً ببرامج المجمعات التي تتجهز لرص مجموعة من الأطفال ليسألهم مذيع مأجور عن أنشودة للطفلة فتلقي أنشودتها الركيكة المتقطعة بكل براءة فيعلن لها جائزة «فلة» أو «تي شيرت» أو «علبة ألوان» وأمها تصفق وسط الجمهور معلنة «ظفر الصغيرة بإبداع المهرجان وروعة المكان» والكل يكرر نفسه سنويا، مهرجانات حدائق أو برامج أسر وأطفال معتمدة على المسابقات والأناشيد.. ومدن تستأجر ملاعب كرة القدم لتعلن للجماهير والباحثين عن الاحتفالات، مفاجآت احتفالات الصيف والعيد وما هي المفاجأة (سيارات مرهمة تسير على إطارين) ومجموعة محتشدة من قائدي الدراجات النارية يحولون المهرجان لفوضى وسماجة بائسة وفي النهاية تأتي ألعاب السيرك «الغريبة المريبة» التي ياما أدمت قلوبنا وراء الشاشات المتلفزة لسنوات وتطل علينا اليوم ونحن شهود عيان وقبل الختام تأتي الفرق الشعبية بالدبكة الشامية والعرضة المكررة والرقصة اليمانية والكل يكرر نفسه. المدن تكرر مهرجاناتها والناس يكررون رتابتهم السنوية في التعاطي مع هذه الفعاليات واهمين ومتوهمين أنهم قضوا إجازة يانعة بالسعادة.. وفي قرارة أنفسهم لوعة خفية ونواح يغلب أفئدتهم الموبوءة بالتكرار. ها هي مشاهد مدننا مع الفعاليات التي تتكرر ببؤس كل عام ولا عزاء للحائرين سوى الرجوع لمدنهم بلعبة طفل أو بخسارة مال بلا هدف وقصص حائرة عن الإجازة تتكرر كل عام.. يداوم الموظفون والموظفات والطلبة والطالبات فيعيدون نفس السيناريو سنوياً عن فوائد الإجازة مع زملائهم.. وما أتعس القصة عندما يطلب معلم «الإنشاء» أن يكتب الطلبة تعبيرا عن «الإجازة الفصلية» وكان مفترضا أن يكتب طالب واحد تعبيرا موحدا للجميع. مدننا تثير الكآبة بمهرجاناتها واحتفالاتها من جهة وما يثير البؤس المضاعف أن كل من زار مدينة جديدة عليه لعله يسبر أغوار ثقافتها ويعيش متعة أماكنها يتفاجأ في مداخل المدن بالمجسمات الغربية «دلال قهوة» وفناجين، أو مجسم «سلاح ناري» أو مجسم «مبخرة» أو مجسم سلة فواكه أو «علبة عسل نحل» أو مجسمات غريبة لا هدف لها وبلا عنوان المهم أن تملأ الأمانات والبلديات مداخل المدن ودواراتها بمجسمات تثير الكآبة وكأنك داخل إلى «ثكنة عسكرية» أو «مجمع لبيع القهوة والعود» وإن تناسيت بؤس المجسمات وغرابتها فما عليك سوى رفع أعينك قليلا لتتفاجأ ببرواز مدخل المدينة لم تجدد ألوانه منذ أعوام وعليه إعلان ترحيب لمناسبة مضى عليها أشهر أو عام. وإن سرت بحثا عن حديقة لتجلس فيها بحثا عن هواء نقي تتفاجأ أن الشواء ينطلق من جانبيك ورائحة الجمر تطغى على المكان فبدلا من استنشاق الأوكسجين فإنك ستكون في حرب مع أول أكسيد الكربون.. وإن ذهبت لموقع للعائلات فعليك أن ترابط فترة من الزمن كي تستعيد نفسك بحثا عن الراحة فكل شيء عشوائي ولا مكان للنظام.. الساحات مفتوحة بأمر الفوضى.. وإن بحثت عن النظام «العقابي» فلن تجده سوى في كاميرات ساهر التي باتت تستأثر بنصف «غلة» مصاريف الإجازة وتشارك الأعزب وصاحب العائلة ويلات كآبة المدن. وما تبقى من ويلات كآبة مدننا يكمن أيضا في منتجعات ومقار الإيواء التي لا تزال لدينا فقيرة بالنظام مفتقرة للخدمات إضافة لبرامج بائسة وفعاليات ومواقع راحة ونزهة كلها تقع تحت وطأة العشوائية والأدهى والأمر أن تسير وسط شوارع منتهكة بخرائط المشاريع الطويلة المقصوصة المقتصة المكتظة بالحفر والأخاديد والمعدات التي تعمل سنوات من أجل إنهاء جسر أو عبارة أو طريق صغير وسط المدينة. الكآبة صنعتها خطط قديمة من البيروقراطية والتغني بلغة التقارير المصطنعة والنتائج المصنوعة ولا يزال هنالك تجاهل وتغافل عن «ملايين يهيمون سنويا على وجههم بحثا عن السعادة والأنس في مدن تصادر الفرح وتستورد الألم». المدن لدينا بحاجة «لخبراء تجميل»لتغيير وجوهها الشاحبة وملامحها الباهتة وأجسامها المهترئة ومفاصلها المقطعة.. وتحتاج لفرق طوارئ لانتشالها من بؤس تكرار الفعاليات الموسمية وبؤس الخدمات العامة.. وتحتاج «أنظمة فاعلة» لإنقاذها من العشوائية التي تصنع الكآبة بكل تفاصيلها في أرجاء هذه المدن.