قال لي طبيب القويعية لقد قامت عناصر داعش في البوكمال بمجزرة راح ضحيتها خمسون شخصاً. التفت صديقه عبدالرحمن في الجلسة قال: قياداتهم هي عراقية، أما المغفلون الذين يأتمرون بأوامرهم فيذبحون المختلفين معهم؛ فهم فصائل شتى قادمة من أطراف مختلفة من العالم العربي. الكل يشهد الشهادتين، ويتوجه للقبلة نفسها في صلاته، ويقرأ القرآن نفسه، والكل يقتل الكل. إنها المحرقة الشامية وقودها الناس والحجارة، يحترق بوقودها شباب لا ينقصهم الحماس بقدر الوعي. حالياً هناك مواجهات عجيبة بين تكفيريين في مواجهة قبوريين. أناس يرون تفسيراً معيناً للكتاب والسُنَّة، ليس ثمة تفسير آخر سواه؛ فهم الممثل الشرعي الوحيد لله. شكلهم بشري ولسانهم إلهي. هم مونولوج مهمتهم الوعظ من فوق، وعلى البقية الإصغاء لهم وتطبيق ما يريدون، وإلا أمامهم الطهارة بالقتل. وفي المقابل أناس يزعمون القتال عن قبور قوم ماتوا قبل آلاف السنوات. المشكلة أن أشكال هؤلاء تختفي ولكن أفكارهم تبقى فيحملها أناس جدد يزعمون أن الله أوحى لهم. القنص وقبض الحقيقة أمر خطير، والنجاة هو في محاولة الفهم والاقتراب من الحقيقة بقدر، ومعها إمكانيات الخطأ، ومن يصحح الخطأ هو الحوار والتجربة ورؤية النتائج بإخلاص وشفافية. ليس على طريقة الاتجاه المعاكس، بحيث يرى كل واحد في الآخر شيطاناً مريداً، وأن ليس ثمة أي قدر من الحقيقة يحملها. إذا كان ثمة فائدة في حوارات من هذا النوع فهي فتح عيوننا على مقدار القيح والخبث في ثقافاتنا. من اللافت للنظر أن ظاهرة الخوارج بدأت منذ أيام علي كرّم الله وجهه. لقد كتب فأجاد المفكر الإيراني (علي شريعتي) في تفكيك هذا المركب الخطر، أخطر من الألغام الأرضية والقنابل العنقودية، في التفصيل والفهم؟. المشكلة الخطيرة في التشدد هي حمل السلاح والاقتتال وقتل الناس وسفك الدم، وهي التهمة الأولى التي وجهتها الملائكة للجنس البشري، حين قال الرب إنه خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون؛ فقالت أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. يعلق جودت سعيد على هذه الآية التي يعدها مفتاحية، أن الملائكة تعجبت من سفك الدم ولم تتحدث عن الكفر والإيمان، والثانية أن جواب الله كان غامضاً نوعاً ما، حين قال أعلم ما لا تعلمون فما هو يا ترى نوع العلم الذي يعلمه رب العزة والجلال المخبأ في هذا الكائن الإنسان؟ يذهب (جودت سعيد) إلى مفهوم المخالفة، أي أنه مصمم في النهاية على إرساء السلام بين الأنام. إنه كلام مشجع، ولكن تاريخ الجنس البشري كان موحلاً ومازال، ولولا التطور السلامي في شمال الأرض بين الشعوب الأوروبية في التوقف عن الحروب، لقلنا إن مسرحية الإنسان هزلية جداً.