لم يتوقع الدكتور هاشم عبده هاشم أن يكافئه الأديب الأستاذ أحمد السباعي بمبلغ مالي مقداره ريال واحد مقابل كل مقالة كتبها ونشرها في مجلة «قريش» التي كان يرأس تحريرها قبل أكثر من نصف قرن، وتأخذ المكافأة تفسيرين أولاً: الاعتراف بمقدرة هذا الشاب القادم من جازان ليزاحم كبار الكتّاب في الحجاز آنذاك أمثال الأستاذ حسن عبدالحي قزاز وحسن عبدالله القرشي وعبدالفتاح أبو مدين وعبدالله عريف وغيرهم، فضلاً عن إنصافه رغم بعده الجغرافي وعدم مطالبته، ووجد الدكتور هاشم أهميتها المعنوية تفوق جانبها المادي، وبالفعل حفزّته ليستمر في دفق مقالاته لتوصله نجاحاته ذات يوم لأن يكون رئيساً لتحرير صحيفة عكاظ ويبقى عقوداً من الزمن يدير دفة الصحيفة بكل اقتدار ونجاح، وكان الدكتور هاشم يسرد هذا الموقف في أسبوعية الدكتور عبدالمحسن القحطاني الأسبوع المنصرم بكثير من الرضا مؤكداً أن الطموح لا يتوقف عند حد معين وأن الشاب متى ما حدّد أهدافه وأتبع ذلك بالعمل الجاد سوف يصل متخطياً الصعوبات أيّا كانت، إذن نحن أمام أحد أبرز أعمدة الصحافة السعودية في وطننا الغالي، عرفناه صحافياً ماهراً، وكاتباً متألقاً، وقائداً صحفياً متميزاً، والشواهد لا تخطئه العين وما «إشراقة» عنوان مقالته اليومية إلا دليل على عمق ثقافته، وحسن درايته، فكثيراً ما يتلمس في مضامينها أوجاع وهموم المجتمع إذ يغلب على أسلوبه الجانب الإنساني من خلال طرح واع ورؤية وثابة وحوار هادئ، وحين سرد محاضر تلك الأمسية مراحل تطور الصحافة السعودية من مرحلة البدايات إلى مرحلة التشكل المؤسسي، لتصل حالياً إلى مرحلة الاستثمار معطياً شواهد لأسماء الصحف والمجلات القديمة كالمنهل والرائد وقريش والأضواء والبلاد وأم القرى وغيرها مبيناً أنها كانت تُكرس اهتمامها بالنواحي الأدبية حيث تنشر القصيدة والمقالة والقصة والخاطرة ليتنامى ويتطور مفهوم الصحافة لتنتقل إلى مرحلة إعطاء الرأي والخبر أهميته مستفيدة من الصحافة العربية و العالمية، ويعترف بقوة الصحافة الرقمية في المشهد الحالي لكونها تتناغم والمرحلة التي يعيشها الإنسان بتوفر التقنيات الحديثة، إلا أن الورقية ما زالت متماسكة لتمكنها من جذب المادة الإعلانية، وهذا يُحسب للورقية أكثر من الرقمية، مما يساعد على نبضها واستمرار سخونة أوراقها لتبقى أمام عيون القارئ، وألمح إلى ضرورة تسلم الشباب دفة الصحافة مشيداً بعدد من الكفاءات القادرة على تحمل زمام المهمة المعطاة لهم فيما لو تسلموا تلك المهام، ورغم أن الرسالة النصية التي أطلقها صاحب الصالون الأدبي لحضور هذه المحاضرة في كون فارس الأمسية سيتحدث عن جانبين في حياته وهما الصحافة والشورى إلا أن المحاضر اكتفى بالحديث عن الصحافة تاركاً الجانب الأهم والذي يتوق الحاضرون سماع شيء عنه سيما وأن الصحافة تحدث عنها الكثيرون وهي ليست بخافية عنهم، أما ما يدور تحت قبة مجلس الشورى فيحتاج إلى معرفة أكثر، من منطلق الشفافية والصراحة والوضوح خصوصاً أن الدكتور هاشم لديه القدرة الفائقة في الرصد والتحليل والاستنتاج وبالتالي سيعطي للمحاضرة أهميتها الثقافية وقيمتها المعرفية، ويتطلع المواطن في أي مكان من وطننا الكبير إلى أن يعرف أكثر عن قرارات مجلس الشورى وكيف تتشكل والنقاشات وإلى أي درجة تلامس هموم وشجون المواطن؟ لأن التاريخ لا يرحم سيما وأنه لاح في الأفق انسحاب المجلس لمناقشة مواضيع ثانوية إن لم تكن هامشية كأسباب فقس بيض الحبارى، مما أثار جدلاً في الأوساط الاجتماعية في كون المجلس لم يعد يلتفت للقضايا الساخنة التي تلامس طموحات المواطن، هذا الذي كان يتطلع إليه الذين جاءوا للمشاركة في الاستماع لمحاضرة الدكتور هاشم عبده والمشاركة في النقاش، ولا أدري حين قال إن الصحافة لم تعد تخش الوزراء بانتقادها أعمالهم الخاطئة وأساليبهم المرتخية، في ظني لو وقفت الصحافة عند هذا الحد لا يمكن أن يُطلق عليها «السلطة الرابعة»، الصحافة من أوجب واجباتها أن تكون صريحة وشفافة وجريئة مع الجميع أيا كان.. بحق أسبوعية الدكتور القحطاني تتنامى وتتوسع وأصبحت رافداً ثقافياً مهماً وحيوياً في مدينة جدة لتشكل مع إثنينية عبدالمقصود خوجة وأدبي جدة نهراً أدبياً ومعرفياً تُسهم في إثراء المشهد الثقافي. ومضة: غير متساويين في نظرك بين من يحرص على توفير الفرصة أمامك لتتطور، وبين من يسعى لحجب تلك الفرصة بأساليب مكشوفة ومفضوحة رغم امتلاكك أدواتها.. الأخلاق والنبل هما سيد الموقف..