تقليد جديد، وجيد، اتبعته وزارة العمل مؤخراً وهو طرح مبادراتها ومسودات قراراتها للاستفتاء من قبل المجتمع، وتحديداً من قبل رجال وسيدات الأعمال، الأمر الذي يعطي لتلك القرارات مصداقية للتنفيذ. ويبدو من متابعة ردود فعل الفئة الاساسية المستهدفة على هذه الخطوة، أن هناك تفاعلاً كبيراً مع استفتاء الوزارة، وكثيراً ما شكا المعنيون من أن أصواتهم لا تُسمع، ما يتسبب في عدم تطبيق القرارات أو إساءة تطبيقها، حيث تمضي القرارات في طريق مغاير لحركة الواقع الفعلي. وتبدو قرارات السعودة والتأنيث من أهم ضحايا الفجوة التي حدثت في فترة ما بين القرار وبين الواقع. المبادرة الجديدة التي أطلقتها الوزارة عبر موقعها «معاً نحسن» ma3an.gov.sa ، التي تتولاها «إدارة التشاركية» الجديدة في الوزارة، استهدفت ترشيد القرارات التي تحكم حركة سوق العمل في المرحلة المقبلة. ودل الموقع على أن «معاً» بوابة المجتمع للمشاركة في مبادرات سوق العمل، وأنها تهدف لرصد كل المرئيات والمقترحات المرسلة من المواطنين والمقيمين بخصوص مسودات القرارات التي تعلنها وزارة العمل قبل اعتمادها رسمياً، من أجل فتح باب المشاركة المجتمعية عند صناعة أي قرار، وتوحيد الرؤى والأهداف ما بين الوزارة والمواطنين فيما يختص بسوق العمل والعمال ومنشآت الأعمال. وبيَّنت الوزارة أنها بادرة جديدة وهادفة لمواكبة المتغيرات والتحولات العالمية وإضافة مرونة فكرية متناغمة ما بين المواطنين وجهود وزارة العمل والمؤسسات الشقيقة للوصول إلى صيغة قرار مناسبة لجميع الأطراف. وشارك حتى أمس في الاستفتاء على مبادرة وزارة العمل، الذي طرحت الوزارة من خلاله 21 مسودة قرار، أكثر من 7100 مستثمر. وشملت المسودات المطروحة للاستفتاء، برنامج حوافز الاستقرار الوظيفي 2، برنامج حوافز الاستقرار الوظيفي 1، وبرنامج الإعانات المالية للمنشآت التي تحقق نمواً في أجور عامليها السعوديين، وتعديل معدلات التوطين ونسبها المئوية، والمرحلة الثالثة لتنظيم عمل المرأة في محلات بيع المستلزمات النسائية، وتعديل المادة 16 من اللائحة التنظيمية، وكيفية احتساب المبلغ عنهم في التأشيرات المكتسبة، وقرار احتساب العمالة الوافدة، تنظيم العمل عن بعد، وتنظيم استقدام حراس العمائر، وتحديد أثر أجور السعوديين ومَنْ يعامل معاملتهم على نسب التوطين، تحديد أثر أجور المتدربين السعوديين ومَنْ يعامل معاملتهم على نسب التوطين، وعدم تجديد رخص عمل العمالة الوافدة لدى الكيانات الواقعة في النطاق الأصفر، وتعديل معادلة حساب السعوديين في نسبة التوطين، وتنظيم نقل خدمات القوى العاملة الوافدة بين الكيانات التابعة لمنشآت مختلفة، وتنظيم استقدام مهن الرعاة والمزارعين وصائدي الأسماك والنحالين وساسة الخيل والهجانة للاستخدام الخاص، وقرار اشتراط البقاء في النطاقات الآمنة للحصول على الخدمات، وتنظيم طلبات تأشيرات التوسع في النشاط، تطبيق المعدل التراكمي في حساب نسبة التوطين. وأقفلت الوزارة أمس الاستفتاء على 14 مسودة من بين الإحدى والعشرين، لدراستها، بعد مضي 45 يوماً على بدء المشاركات. ويبدو أن الوزارة مشغولة بالتحديات التي تواجه تطبيق قراراتها على أرض الواقع. إذ تعد الفجوة بين أجور العمالة الوافدة والوطنية، وغياب الشعور بالأمان الوظيفي للموظف السعودي، وعدم استقرار الموظفين السعوديين في مواقعهم، تمثل أبرز التحديات التي تواجه الوزارة في سعيها للتوطين ورفع معدلات السعودة في القطاع الخاص. وبالتالي بادرت الوزارة بطرح ثلاث مبادرات لمعالجة تلك التحديات، من خلال برامج الإعانات المالية للمنشآت التي تحقق نمواً في عامليها السعوديين، وبرامج حوافز الاستقرار الوظيفي. والمتأمل لبرنامج تحفيز الموظفين المستفيدين من دعم صندوق تنمية الموارد على استقرارهم الوظيفي في المنشأة المدعومة سيجد أنه يقدم حوافز كافية لتشجيع الموظف على البقاء في مكانه، وأهمها منح الموظف المستفيد من الدعم، الذي يكمل سنة على رأس العمل في المنشأة الموظفة مكافأة راتب شهر واحد، ومنح الموظف الذي أكمل سنتين على رأس العمل في المنشأة الموظفة مكافأة راتب شهرين. ولكن هذا الاتجاه يشكل رفاهية لا طائل من ورائها، إذ يفترض أن مَنْ لديه رغبة جادة في العمل أن يستمر في وظيفته دون تحفيز، إلا في إطار اجتهاداته. أما أن تصرف تلقائياً لمجرد بقائه في العمل، فإنها تبدو رفاهية ستشجع على مزيد من البطالة المقنعة. ويكفي لصرف الحوافز التي تندرج في هذا النطاق، أن يكون الموظف من المدعومين من الصندوق، ومسجلاً على ملاك المنشأة المدعومة في نظام التأمينات الاجتماعية . وأن يكمل الموظف المدة اللازمة للحصول على الحافز (سنة / سنتين) في المنشأة المدعومة اعتباراً من تاريخ مباشرته للعمل بعد التدريب، وألا يكون قد انتقل إلى منشأة أخرى، بحيث ينال الموظف الذي أمضى سنة في وظيفته حافز 4000 ريال، وينال مَنْ يمضي سنتين حافزاً مضاعفاً بمقدار 8000 ريال، وذلك بالتنسيق مع صندوق الموارد البشرية. أما الحافز التدريبي فيصل عن السنة الأولى من التوظيف إلى 5000 ريال، ويتضاعف إلى 10000 ريال عن سنتين من التوظيف. وهي بجميع المقاييس تفوق آليات منح العلاوات والحوافز في القطاع الحكومي. أما مبادرة برنامج الإعانات المالية للمنشآت التي تحقق نمواً في أجور عامليها السعوديين، التي طرحت مسودتها للاستفتاء، فتشترط للحصول على هذا الدعم، أن يكون لدى الكيان عاملون سواءً كانوا سعوديين أو وافدين مسجلين في التأمينات الاجتماعية طوال 12 شهراً سابقة لاستحقاق الإعانة المالية، وأن يكون الكيان إما في النطاق الأخضر أو البلاتيني في تاريخ استحقاق الإعانة، كما توجب المبادرة على الكيان المستفيد أن يحقق زيادة في إجمالي مبالغ الأجور الشهرية، التي دفعت للعاملين السعوديين فيه خلال الأشهر الستة التي تسبق تاريخ استحقاق الإعانة المالية مقارنة بإجمالي مبالغ الأجور الشهرية، التي دفعت للعاملين السعوديين في ذات الكيان خلال الأشهر الستة التي تسبقها. على ألا يتجاوز المبلغ في أي مرة تمنح فيها الإعانة المالية نسبة 15%من إجمالي أجور العاملين السعوديين خلال ال 12 شهراً، التي تسبق استحقاق الإعانة المالية أو مبلغ عشرة ملايين ريال سعودي، ويعتمد في ذلك على أيهما أقل. ورغم ذلك، تبقى مسألة الأمان الوظيفي هاجساً مهماً لدى موظفي القطاع الخاص من السعوديين. ولعل هذه المشكلة يحكمها أمران: الأول، التنافسية التي تمثل محور أداء القطاع الخاص، الباحث عن الربح. والثاني، يتمثل في أن نظام الخدمة المدنية يكفل الحماية الكافية للموظف ضد الفصل التعسفي، وهو ما لا يبدو متاحاً في القطاع الخاص، بغض النظر عن أداء الموظف ومدى اجتهاده. وهي معضلة لم يتطرق لها برنامج حوافز الاستقرار الوظيفي المطروح من قبل الوزارة، الذي اعتمد فقط على التحفيز المادي، بينما أغفل الفارق الجوهري في الأمان الوظيفي بين القطاعين الحكومي والخاص. وإن كانت مسألة الأمان الوظيفي في القطاع الحكومي ليست مطلقة، إذ وردت في نظام الخدمة المدنية أسباب عديدة لإنهاء خدمة الموظف، ومنها ما نصت عليه الفقرة «ج» من المادة 30 من أن خدمة الموظف تنتهي في حالة إلغاء الوظيفة. وتشير المادة العاشرة من لائحة انتهاء الخدمة إلى أنه «يجوز للإدارة أن تنهي خدمة الموظف إذا انقطع عن عمله دون عذر مشروع مدة 15 يوماً متصلة أو ثلاثين يوماً متفرقة خلال السنة السابقة لإصدار القرار. وكذلك إذ لم يعد دون عذر مشروع بعد انتهاء إجازته أو انتهاء فترة تدريبه أو إعارته أو أية فترة غياب مسموح بها نظاماً إلى استئناف عمله خلال خمسة عشر يوماً». لكن الإشكالية الراهنة تتمثل في تحديد مدة تجديد العقد. وهي محور إشكاليات القلق الوظيفي في القطاع الخاص. ** لكن تبقى مبادرات الوزارة محاولة جادة لإشراك القوى الفاعلة في القطاع الخاص لحل الإشكاليات العملية، التي تعترض جهود التوطين. ويبقى أن تعلن النتائج بشفافية وعاجلاً حتى يدرك المجتمع حجم هذه الجهود وأثرها الإيجابي على سوق العمل.