كلمة خادم الحرمين الشريفين التي وجهها للأمتين العربية والاسلامية على خلفية المصالحة الخليجية تعد اختبارا حقيقيا لقادة الرأي في المنطقة، إلى جانب كونها بيانا سياسيا عن المصالحة، فبها موقف مواطن وخوف مواطن وحرص مواطن على مصير أمة فقدت المستويات الدنيا من تماسكها.. فخادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز يريد ان يستفز غيرة الانتماء عند فكر ليس لصاحبه رسالة دالة على مصلحة او مصالحة.. فالرأي العربي السياسي اليوم اصبح يسكن في جوف بندقية او معلقاً على يافطة احتجاج تطالب بحطب ابولهب. عبدالله بن عبدالعزيز لا يتهم اهل الفكر بالعمالة او بتزييف الواقع ولم يتجاوزهم لمحطة أخرى لحماية ثقافة الناس ووعيهم، بل أراد ان يتوقف معهم وليس عندهم على حدود الامانة الفكرية والاخلاقية ويرسم فواصل قومية مخلصة من ذل التشتت والانهيارات التي نراها في سيل الكتابات والاصوات التي تغرق ولا تغرق وتزعج ولا تنزعج، وتحارب الطائفية بطائفية، والمذهبية بمذهبية. دعوة خادم الحرمين الشريفين لاهل الفكر والرأي ووسائل الاعلام للمشاركة في تكوين ثقافة سياسية محصنة من الاختراقات الخارجية التي زحفت على بعض القناعات الاعلامية واحتلت منها العبارات والكلمات التي شكلت ثقافة الاقصاء والكراهية لكل مبدأ يجمع العربي مع العربي.. فالخليج تجاوز مرحلة الانقسام والاختلاف وتوجه نحو مراد التقائه الوحدوي القائم على التاريخ والمصير المشترك وهذا ما اشار له خادم الحرمين الشريفين في خطابه.. فالتجاوز لمرحلة جديدة من التاريخ تحتاج لخطاب سياسي يمثلها ويعبر عن محتواها بامانة ووطنية، وهنا مسؤولية قادة الفكر لتحقيق ذلك المراد، مسؤولية تنصب في بناء رسالة تصالحية لحماية المكون الخليجي من بعض الاهتزازات التي تحدث نتيجة التسرع في التعبير عن الرأي المخالف او المشحون بكمية غضب غير مبرر، لذلك يكون من الاهمية ان تتحرك الجمعيات الصحفية والهيئات في الخليج لانتاج ميثاق شرف اعلامي يحاكي روح المصالحة الخليجية ويجرم النشر الذي ينزع لإحداث الانشقاق في الصف الخليجي، فعندما تمنى خادم الحرمين الشريفين على وسائل الاعلام الاطلاع بمسؤولياتها لانجاح المصالحة فهو بهذا يحث على انتاج لغة إعلامية تكون بوصلتها المرشدة المصالحة الخليجية وذلك عمل يحتاج لآليات قانونية واعلامية تشرع لخطاب المرحلة وتعبر عنه. آليات انتاج خطاب المصالحة لا تتعارض مع حرية التعبير أو حرية الصحافة، وليس بديلا عن الاجراءات المنظمة للعمل الاعلامي بكل دوله، بل هو أقرب ما يكون لتأسيس ثقافة مناخ رأي عام يجتمع حول مصير واحد، فالخطاب العاقل الذي لا يؤسس على قانون ومصلحة سوف يفقد بعض اتزانه مع أول هزة غضب تصيبه، فخادم الخرمين لم يوجه ولكنه رأى تأثير الاعلام وأراد ان يكون تأثيره داعما لأمن واستقرار المنطقة، فهل يوجه قادة الفكر والاعلام فكرهم نحو هذا الرأي العاقل، بعد ان تبين لهم خطر القطيعة وأمن التصالح ووحدة الكلمة والمصير؟ لمراسلة الكاتب: [email protected]