العراق ليس طرفاً هامشياً في التاريخ العربي والإنساني، ولكنه كبقية الدول العربية التي غرقت بإنتماءات عالمية وصراعات دموية وسياسية، وجد أنه أسير ظروف تكاملت خيوطها بتحويله إلى بؤرة لكل أنواع الصدامات وتقسيم خارطته على تنوعات طائفية وقومية أعادته إلى الوطن المريض.. لنخرج من بؤرة التاريخ ونعود للحاضر، فالكل يرى أن العراق أُبعد عن عروبته ما بعد الاحتلال الأمريكي وتقوية نفوذ إيران، وحتى نقف على الواقع هل يمكن لبلد عاش رحلة العروبة والإسلام أن يمسخ هويته وأن تغريه مقولات إنه تنوع عرقي وأثني ثم طائفي وإن علاقته بذلك التاريخ ليس إلاّ حقيقة لتعاقب حضارات وأجناس وثقافات هي جذوره الأصلية، وعلى افتراض أن لذلك شيئاً من حقائق الماضي، فهل يمكن ان ينسلخ من هويته العربية وأين يذهب وما هو البديل الموضوعي، هل يكون جزءاً من دولة فارس باعتبار المذهب أقوى من الجذر التاريخي، أم يعود لصياغة اتجاه جديد يراعى الفروقات ويبني عليها (دولة القانون) ليس التي اتخذها نوري المالكي شعاراً كلف العراق أسوأ مراحل الدكتاتورية والفساد والقطيعة مع كل الجذور، وإنما دولة تبنى على استقلالها الذاتي وبسيادة خاصة؟ الرئيس العراقي «فؤاد معصوم» يريد فتح النوافذ مع محيط العراق وبكل الاتجاهات وهذا أمر مقبول في الدبلوماسية والعلاقات الاقليمية والدولية، وفي زيارته للمملكة هل نرى تطوراً حقيقياً يؤدي إلى ترميم ما خربته السنوات الماضية، وتحديداً إبعاد مكونات أساسية في النسيج العراقي ليأتي الجديد في هذه التطورات ولادة داعش من رحم هذا البلد، والتي لا يعرف من خلق وبنى هذا التنظيم ولا كيف ستتجه أهدافه، لأن البيئة التي ولد بها أعطته حق «النشوء والارتقاء» ومن ثم تنقلب القوة لصالحه بما في ذلك اجتياح المدن والقرى والوصول حتى للعاصمة بغداد؟ الزيارة لا تحتاج إلى المجاملات والدبلوماسية اللينة، وإنما القراءة الواقعية لجميع القضايا الحساسة، وبالتأكيد فإنه يحمل رسائل من حكومته لكن ليس المهم المضمون إذا لم يرق إلى الحلول الجذرية، وليس بين الطرفين المملكة والعراق من يطالب بتنازلات سياسية أو وضع عقود خاصة، وكل ما هو مفهوم لهما التفكير جدياً بمصالحهما الأمنية والاقتصادية والسياسية ودون اعتبارات لإملاءات اقليمية أو دولية، لأننا ننظر للعراق كياناً حراً يملك قراره يعزز ذلك أنه جرب القطيعة والنفور والتعالي على كل محيطه زمن الحكومة السابقة، وهذا في أبجديات العلاقات الدولية حتى بين الأعداء-الأقرباء مثل الكوريتين اللتين تجريان حوارات لا تنقطع، وما بيننا والعراق ليس قطيعة، وإنما تحريك لأدوات التوتر الطائفي بدرجة كبرى، تغذيها إيران كأساس في تخريب العلاقات وقطع شرايين أي تواصل بين البلدين، وهو ما يجب أن نتعالى عليه بدورة جديدة.. قد تكون البدايات لهذه الزيارة تفضي إلى رسم خطوط جديدة، تتطور إلى بناء الثقة أولاً ثم التحرك للآفاق الأخرى التي تربط البلدين، لكن ما جرى من زيارات سابقة لرئيس الجمهورية ثم رجالات دين ووزراء لم تعط النتائج التي رأى كل طرف أنها مواتية ولأسباب معروفة، لكن حتى نبني التفاؤل، لابد من وجود نتائج واقعية تراعي التداعيات كلها وترسم لها الحلول ونحن معاً لا نخوض معارك أو حروباً، وإنما الدبلوماسية الصريحة، وهي ليست من المعجزات إذا توفر الصدق والإرادة. لمراسلة الكاتب: [email protected]