يجري حالياً عرض الفيلم البريطاني «المطلوب الأول» «A Most Wanted Man» في صالات السينما الأمريكية. وهو من بطولة سيمور فيليب هوفمان وريتشل ماك أدامز والممثل الروسي غريغوري دوبريغين وويليم دافو. وكان الفيلم قد عرض لأول مرة في مهرجان سندانس الأمريكي، حيث حضر هوفمان عرضه الأول في المهرجان في يناير الماضي، وبعدها بأسبوعين تواترت الأنباء بخبر وفاته. يدور الفيلم في عالم رجال المخابرات والجاسوسية، حيث الشغل الشاغل لهم اليوم هو العمليات الإرهابية. وبالطبع فالخوف يصبح مضاعفاً عندما يكون المكان هو هامبورغ، المدينة الألمانية التي أقام فيها قائد مجموعة الحادي عشر من سبتمبر محمد عطا، قبل العملية الانتحارية التي لازال العالم يحصد آثارها الوخيمة. لذلك نتابع منذ البداية مدير قسم محاربة الإرهاب في المخابرات الألمانية ويدعى جونتر باخمان (فيليب سيمور هوفمان) وهو في حالة عمل دائم لمعرفة ما يدور وسط الأقلية الإسلامية التي تسكن في هامبورغ. ويعرف، من خلال عميل له، عن قدوم شاب من الشيشان اسمه عيسى كاربوف (غريغوري دوبريغين) إلى هامبورغ، بطريقة غير قانونية. يبدأ باخمان في تتبع كاربوف بشكل مكثف، بعد أن يتلقى من المخابرات الروسية معلومات تفيد بأنه إرهابي خطير. يتواصل كاربوف عن طريق عائلة مسلمة مع محامية لحقوق الإنسان (ريتشيل ماك آدمز) للحصول على إرثه من أبيه الروسي والذي تركه في أحد البنوك الألمانية، وهو مبلغ كبير. تعتقد المخابرات أن كاربوف ينوي تقديم إرثه لتمويل عمليات إرهابية، وتشتبه في أن حلقة الوصل بين كاربوف والقاعدة هو داعية اسمه عبدالله (الممثل الإيراني همايون إرشادي). وقد كان هذا الداعية تحت أنظارهم منذ فترة رغم أنهم يرون أنه يحاضر عن التعايش مع الغرب ولكنهم يشكون في أن له علاقات بمنظمات إرهابية. وبالرغم من أن باخمان هو من يدير العملية ولا يساعده في ذلك إلا عدد بسيط من الأفراد وأولهم زميلته ايرنا فري (الممثلة الألمانية نينا هوس)، إلا أن هناك ضابط أمن ألماني (الممثل الألماني رينر بوك) وديبلوماسية أمريكية (روبن رايت) يتابعان الملف نفسه ورؤيتهما مختلفة عن الطريقة التي يريد بها باخمان معالجة الموقف. الفيلم يمكن النظر له من خلال ثلاثة دوائر تتقاطع مع بعضها البعض: الدائرة الأولى هي قصة اللاجئ والمحامية التي تدافع عن حقوق الإنسان، والثانية هي باخمان وملف القضية التي يعمل عليه، والدائرة الثالثة هي حرب المخابرات بين بعضها البعض. وقد يكون النص وأداء هوفمان هو أكثر ما تميز به العمل، حيث لعب هوفمان شخصية الضابط المخيف الحازم والذي لا يتوقف عن العمل ولكنه في نفس الوقت صاحب أخلاقيات معينة تتعرض للاختبار في الفيلم. الفيلم مقتبس من رواية تحمل نفس العنوان لجون لو كاريه وهو الاسم المستعار لديفيد جون مور كورنويل الروائي البريطاني المتخصص في كتابة روايات الجاسوسية. وقد عمل بين الخمسينات والستينات من القرن الماضي مع المخابرات البريطانية، ولذلك فقد بدأ يكتب روايات عن الجاسوسية باسم مستعار. وقد تم اقتباس العديد من رواياته في أفلام ناجحة أولها «The Spy Who Came in From The Cold» والذي أنتج عام (1965) ثم هناك «»The Deadly Affair (1966) ثم « The Looking Glass War» (1969) وغيرها، ثم مؤخراً فيلم «The Constant Gardner» (2005)، وفيلم «Tinker Tailor Soldier Spy» (2011). والفيلم هو من إخراج الهولندي أنطون كوربين، وهو الذي سبق أن أخرج فيلم Control»» (2007) وفيلم «الأمريكي» (2010). أما كاتب السيناريو فهو الاسترالي أندرو بوفيل. وقد اكتسب فيلم «المطلوب الأول» أهميته ليس فقط من خلال وجود فيليب سيمور هوفمان فيه في دور رئيسي أول قبيل وفاته المفاجئة والصادمة، ولكن لأن الدور قد يكون من أفضل أدواره بعد «كابوتي»، وخاصة مشاهده في العشر الدقائق الأخيرة من الفيلم. وإن كان استخدام اللغة الإنجليزية طوال الوقت رغم أن العديد من الشخصيات ألمانية مربك نوعاً ما، ويعد مأخذاً على الفيلم، فما يعتبر نقطة قوة رئيسية هو عدم نمطية الشخصيات والدراسة الجيدة لأبعادها. فهناك الإرهابي الذي تشعر بالتعاطف معه، خاصة بعد مشاهدة آثار تعذيب السلطات الروسية على جسده. وهناك المحامية المتحمسة التي تقع فريسه سهلة للمخابرات. وهناك مدير البنك الذي لا يعرف كيف يكون أخلاقيا ومهنيا في موقف كالذي وضع فيه في الفيلم، وهناك رجل مخابرات يحاول أن يحترم كلمته. هناك بشر في الفيلم يصعب تصنيفهم بمقياس الشر والخير. وهنا تكمن القيمة الحقيقية للعمل. الوداع الأخير الجاسوسية البريطاني]