عدتُ من سفر طويل لأجد الواقع الذي يغادره المرء أو المرأة ولا يغادرنا، وتجده متجدداً في أشكالٍ أكثر فجاجة ومفاجأة رغم أننا لم نعد نستطيع المغادرة الكاملة وتلاحقنا الواتسآبات والصور والتغريدات بدون رحمة، ولكن الأمر مختلف عندما تكون بعيداً مكانياً، فالوقع أكبر كلما اشتركت مع هواء وسماء ذلك الواقع. لا أدري من الذي يعيش خارج الزمن؟ كلما رغبت في أن أخط كلمات حول قوم يعيشون في قارة أخرى ويحيون حياة أخرى أشعر أني أتناول موضوعاً من مجرة أخرى. ففي أسبوع واحد اجتمعت القصص التالية: اعتداء أربعة من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مقيم بريطاني وزوجته السعودية اشتبهوا في علاقتهما وهما يتسوقان في مدينة الرياض يوم 29 أغسطس، للأسف كعادة كثير من رجال الهيئة، واشتهار القفزة البهلوانية الأولمبية، وفق وصف الأستاذ عبدالله العلمي، أو الطرزانية، وفقاً لوصفي، لرئيس تلك المجموعة عند سوق الدانوب، من فوق سيارة الهيئة ليهبط على الزوجين فناله من الزوجة كفٌ أخذ شهرة كبيرة على صفحات التويتر، وينتهي الأمر بخفارتهما بسيارة مصفحة تابعة للسفارة البريطانية وكأننا في أحد أفلام الحرب الباردة. ثم اعتذار الهيئة ممثلة في الرئيس العام للهيئات معالي الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في شكل بيان إدانة لأعضائها الأربعة الذين اعتدوا على المقيم البريطاني وزوجته السعودية، مقرة بكافة المخالفات التي قام بها منسوبوها بالإضافة إلى الكذب والتضليل، وأصدرت في حقهم نقلاً إلى مدنٍ خارج مدينة الرياض وتحويلهم إلى أعمال إدارية، كما اعتذرت إلى المواطنة وزوجها البريطاني عما بدر تجاههما من المذكورين كونهم من منسوبي الجهاز. وتعتبر هذه الإدانة والتحقيق من أول وأسرع الإدانات والتحقيقات في تاريخ الهيئة التي تشكر عليها والتي أثارت عاصفة من ردود الأفعال حول ارتباط هذه السرعة بالدولة الأوروبية وبطئها السلحفائي عندما يتعلق بالمواطنين، وحول الاعتراف بمخالفة رجال الهيئة غير المسبوق، وحول كيفية التعامل مع إدانة الأربعة بالكذب والتضليل وتبعاتها على شهادتهم وعلى عدالتهم أو أسلوب عقابهم. وحول ضعف العقاب الذي يقتصر على الإبعاد إلى مدينة نائية حيث يخلو لهم أمر تكرار التجاوز في غياب التصوير والسفارات والتويتر، وبالمقابل حول اعتراض الأربعة على الهيئة قرار نقلهم وطلبهم الشرع تظلماً، ومنهم من يسقطون قضية مقتل المبتعثة السعودية ناهد المانع في بريطانيا دون وضوح الرابط، وآخرون يسردون في قوائم طويلة القضايا المختلفة التي دان فيها المجتمع الهيئة وبرأها القضاء مثل قضايا المطاردات القاتلة في اليوم الوطني، بلجرشي، المدينة، تبوك، الرياض (أم فيصل) وغيرها، مطعون عيون حائل، مقتل الحريصي-الرياض وغيرها. داعش تذبح بهمجية ووحشية عالم مريض جندياً لبنانياً ثانياً وصحفياً أمريكياً ثانياً باسم الإسلام والخلافة الإسلامية. الذبح الخارجي (نسبة إلى الخوارج) ما زال يُنسب إلى الإسلام وأمته وما زال شبابنا يسقطون ضحية لتغرير بعض الأئمة. ويأتي إعلان القبض على ثمانية أشخاص، أربعة منهم أئمة مساجد، في تمير، الواقعة على بعد 120 كيلا شمال الرياض، ذات الخمسة عشر ألف نسمة فقط، لتحريضهم أبناء القرية على الالتحاق بداعش ونجاحهم في إرسال 37 شاباً بين 20-25 عاماً وفق الحياة (27/8/2014) لتفتح الباب على مصراعيه عن طبيعة ما يجري ليس في المدن فحسب بل وفي الأطراف، ويفتح الباب للأسئلة الملحة والمواجهة الصعبة أمام سياساتنا التربوية والدعوية والإعلامية والثقافية، التي إن لم تسقط، فهي تعاني الأمرين في ظل تجاذبات مراكز القوى. ثم تقع حالة اعتداء مستنكرة على ممرضة سعودية في مكة تذكرنا بتراثنا العنصري الذي تفجر مواقف نابذة للممارسات التي تفضح فشل التربية الدينية لدينا. هاشتاغ #كلنا_جميعة_العتيبي نال شعبية ومتابعة كبيرة تناول خطاب العنصرية خلال الأسبوع الماضي ودق ناقوس الخطر المحيق بهذه الفئة من فتياتنا بثلاث حالات اعتداء على ممرضات خلال 6 أشهر. وتكلل الأسبوع بانتهاء شهر من معرض إثراء المعرفة الذي أثرى بيئة الرياض ونهل أطفالها وكبارها من معينه شهراً يستحق أن يُثمن ويُثنى عليه كثيراً مضموناً وشكلاً، شكّل استثناء في صحراء الرياض الجافة. وعادت الطالبات والطلاب، المعلمات والمعلمون إلى الدراسة، ومعها عادت حوادث المعلمات وحافلاتهن وتفقد معلمتان حياتيهما الغاليتين في أول يوم. ومرة أخرى، تبقى أسماؤهن مجهولة والمسؤولين مذكورة، رحمهما الله.