في عهد الملك عبدالله أقفلت ملفات كثيرة كانت من أكثر ما يؤرق المواطن ويشغل باله، أتذكر جيداً قبل سنوات حين كان القبول في الجامعات محدوداً جداً، كان همُّ كل أب أن يجد مقعداً لابنه أو ابنته في الجامعة ويستجدي المسؤولين بشتى الطرق وتكرار المحاولات، وبعض الطلبة يذهب للدراسة في الدول المجاورة، وقد حلّ الابتعاث وكثرة الجامعات هذا الملف الشائك. المملكة هي المهيأة لمحاربة الإرهاب بفضل ما حباها الله من عوامل قوة روحية واقتصادية وقيادة واعية، بشرط أن تقوم بمراجعة الكثير من المسلّمات وإصلاح نظامها التعليمي العام والجامعي على أسس علمية مستفيدة من تجارب دول سبقتنا ومعتمدة على استراتيجية بعيدة المدى أساسها دراسات معمقة من مراكز أبحاث علمية وعلماء تربية واجتماع مختصين. الملف الثاني كانت الديون المتراكمة على الدولة والتي تحولت بفضل الله وزيادة أسعار البترول وحسن استثمارها إلى فوائض تقدر بقرابة الثلاثة تريليونات ريال، إضافة إلى التعامل مع ملفات كثيرة في مجالات مختلفة ومنها ملفات لا تزال في طور المعالجة كالصحة والإسكان والتعليم والبطالة والفساد، والهدر الكبير في الطاقة وخصوصاً في الماء والكهرباء، وتنويع مصادر الدخل لمنع حصول هزات اقتصادية تؤثر في أسعار البترول الذي يشكل 90% من إيرادات الدولة. لكن أخطر الملفات وأكثرها إزعاجاً وتهديداً للعالم فهو الإرهاب، أصبحت المنظمات الإرهابية تعيث في الأرض فساداً وتتخذ من الدين والتراث قناعاً ودليلاً لتنفيذ مخططاتها، مستفيدة من انفلات الأمن في بعض الدول، لكن بذرة التطرف موغلة في القدم وصاحبت الإنسان منذ وجوده وخصوصاً بين بعض أتباع الأديان والمذاهب. لذا علينا أن نبحث عن حلول علمية لمرض الغلو الذي هو أهم مسببات الإرهاب، ولأنه لا يوجد حلول سريعة أو طرق مختصرة لذا أسوق المقترحات الآتية: أولا: المملكة بحاجة إلى مراكز أبحاث علمية ودراسات تبحث عن الأسباب الحقيقية لكل ظاهرة تهدد أمن المجتمع وصحته ورخائه كالإرهاب والجريمة والمخدرات، فمن السهولة أن نضع اللوم على جهات خارجية أو على دولة بعينها، لكن ذلك لا يحل المشكلة ولا يجيب عن كل الأسئلة ولا يقدم الحقائق العلمية التي على ضوئها تتخذ القرارات الصائبة، تحتاج المملكة إلى مراكز أبحاث يقوم عليها علماء اجتماع وعلماء تربية وعلماء نفس وضباط أمن، وتستعين مراكز الأبحاث بمختلف الجهات التي تتعامل مع تحديات المجتمع كوزارة الداخلية بكل ما فيها من إدارات تتعامل مع الإرهاب والمخدرات والجريمة وغيرها، ومن هذه المراكز يتم وضع استراتيجيات بعيدة المدى لمحاربة هذه الآفات القاتلة، وقد أدرك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أهمية مثل هذه المراكز ودعا إلى إنشاء مركز عالمي لمحاربة الإرهاب. ثانياً: التربية والتعليم هي المسؤول الأول عن التحولات الكثيرة التي طرأت على المجتمع منذ خمسين عاما، لقد كانت هي المبرمج لعقول الشباب والحاضن للصحوة، ومن فصوله تخرّج الآباء والأمهات والمعلمون والمعلمات وكل المؤثرين في المجتمع، التعليم هو أهم الجبهات لمحاربة كل ما يهدد المجتمع وصحته واقتصاده وتطوره، وكل طالب يمضي اثنيعشر عاماً داخل فصول التعليم ويتشبع بما في مناهجه من حب وتسامح واحترام لحرّية الإنسان وكرامته أو غلو وإقصاء واستبداد واحتقار لكل مختلف. التعليم ليس تلقينا وحفظ معلومات موجودة في الكتب وفي الشبكة العنكبوتية وغيرها، فهذه يمكن الحصول عليها بكل سهولة، التربية والتعليم هي زرع القيم العظيمة في عقول الناشئة، وهو الذي يرسخ العادات الجميلة بالتطبيق والممارسة داخل المدارس، وليس عبارات يحفظها الطالب دون اهتمام بتطبيقها. التعليم بحاجة إلى مواكبة الأحداث بتنقيح المناهج من كل ما قد يستخدمه الإرهابيون للقتل والتفجير سواء في سوء تفسير الجهاد الذي أصبح مسؤولية الدولة بكل قطاعاتها العسكرية، أو بسوء فهم الولاء والبراء الذي جعلته داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية دليلاً لطرد المخالف وفرض الجزية عليه أو قتله. من سبقونا اجتهدوا وفسّروا وأفتوا لكنهم بشر يخضعون في اجتهاداتهم لعوامل كثيرة منها المجتمع الذي عاشوا فيه وخلفيتهم العلمية وقدرتهم على التجديد والاستنباط، واليوم نعيش في قرية كونية عصبها الاتصالات التي تنقل كل جميل أو قبيح إلى كل بقاع العالم، التعليم هو أهم الجبهات وأخطرها. ثالثا: الجامعات هي الجبهة الأهم بعد التعليم العام وهي المزود له بالمعلمين والمعلمات وبالدراسات العلمية الموثوقة، لا يمكن أن تبني الجامعة أسوارا عالية تعزلها عن المجتمع وما به من تحديات ومتطلبات، مدير الجامعة هو المسؤول الأول عن مخرجات الجامعة وخصوصاً مخرجات كليات التربية وما بها من أعضاء هيئة تدريس وطلبة، ذلك أنهم يشكلون أهم مقومات التعليم، أستاذ الجامعة المؤدلج يخرّج معلمين وأطباء ومهندسين مؤدلجين يوظفون لخدمة منظمات يقودها حركيون من داخل البلاد وخارجها، مهمة وزارة التعليم العالي أن تحسن اختيار مديري الجامعات الذين هم أساس نجاح الجامعة أو فشلها ومدى نشاطها في خدمة المجتمع أو بقائها في بيات شتوي طويل، مشاركة مدير الجامعة لأنشطة الطلبة الثقافية والعلمية والرياضية والفنية ومعرفة ما يدور في الجامعة من حراك أهم من عقد اجتماعات ومعاملات تستغرق ساعات يمكن تفويضها للغير. أمام المملكة والعالم العربي والإسلامي معركة طويلة وشرسة مع المنظمات الإرهابية ذلك أن كل مغالطات في الفكر سواء أكان سلفيا أم حركيا تقود إلى مغالطات كثيرة وطويلة من الحروب وإراقة الدماء. المملكة هي المهيأة لمحاربة الإرهاب بفضل ما حباها الله من عوامل قوة روحية واقتصادية وقيادة واعية، بشرط أن تقوم بمراجعة الكثير من المسلّمات وإصلاح نظامها التعليمي العام والجامعي على أسس علمية مستفيدة من تجارب دول سبقتنا ومعتمدة على استراتيجية بعيدة المدى أساسها دراسات معمقة من مراكز أبحاث علمية وعلماء تربية واجتماع مختصين.