كان التلفزيون في بداياته يحتاج للعنصر الأجنبي في كثير من التخصصات, وقد ساهم كثير من الأشقاء العرب في رحلة التأسيس والانطلاق في الإنتاج التلفزيوني إخراجاً وكتابة وتصويراً وكافة الجوانب التقنية, ومن هؤلاء المخرج منذر النفوري وميشيل قطريب, وكانوا عاملاً مساعداً لكوادرنا الوطنية آنذاك, وأفادوا كما استفادوا من الحراك الإعلامي الوليد. ورغم التأثير الذي تركه هؤلاء إلا أن أبناء الوطن سرعان ما تسلموا دفة القيادة -والتنفيذ والإنتاج- في التلفزيون وبنسبة كبيرة أذهلت الجميع؛ حتى بات المخرج السعودي, والمذيع السعودي, والمصور السعودي المؤثرين في التلفزيون والرقم الأول في الإنتاج. التلفزيون السعودي كان سباقاً في تأسيس وتأهيل الكوادر الوطنية وكوّن قاعدة متينة من الفنيين السعوديين في كافة مجالات الإنتاج التلفزيوني وأصبح مصدراً لتمويل القنوات الخاصة بالمواهب الشابة؛ حتى أن أهم المذيعين الموجودين الآن في أهم القنوات السعودية الخاصة هم من أبناء التلفزيون, تعلموا أساسيات الإعلام في مدرسته, ونهلوا الإبداع من نبعه, حتى أصبحوا نجوماً لامعين في الفضاء العربي, ويكفي التلفزيون أنه في الوقت الذي صنع هؤلاء, لم يتوقف عن تقديم المزيد من المواهب السعودية, حتى أصبح من أكثر القطاعات الحكومية في مجال السعودة وبنسبة وصلت إلى 100 %. رياض الصالحاني لكن مع ذلك, فقد فوجئ الجميع في الاحتفال "الوطني" لهيئة الإذاعة والتلفزيون بمرور خمسين عاماً على البث التلفزيوني؛ والذي أقيم في مسرح مجمع الملك فهد الثقافي؛ بأن التلفزيون قد تناسى روحه الوطنية في مناسبة "وطنية" مهمة كهذه لا تتكرر في القرن الواحد إلا مرتين فقط, حيث استعان بالعنصر الأجنبي في المشهد المسرحي الذي تم تقديمه في ثنايا الحفل الكبير, وكأن الهيئة بهذه ال"زلّة" و"بنيَّة طيبة" قد فقدت تركيزها وتجاهلت الكوادر الوطنية التي توالت على التلفزيون وقدمت العديد من البرامج على المسرح بقدرات فائقة, إضافة إلى المواهب المسرحية "السعودية" التي تحلم بالمشاركة في مناسبة مهمة كهذه. لقد أثار ظهور أشقائنا العرب في هذا المشهد المسرحي البسيط؛ الفنان أسامة القس ورياض الصالحاني, حالة كبيرة من الجدل في الوسط الإعلامي, وإحباطاً كبيراً للمواهب المسرحية السعودية وكذلك للمواهب الموجودة في التلفزيون السعودي ذاته, خاصة أن المناسبة وطنية ولابد من مشاركة أبناء الوطن فيها بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة. ورغم الإقرار بموهبة الزميلين؛ القس والصالحاني, إلا أن الدور المنوط بهما ليس بذلك الدور الاستثناء الذي لا يستطيع القيام به الفنان السعودي. إن من أخطأ باختيار الممثلين في المشهد المسرحي, أحرج القس والصالحاني وأدخلهما في جدل لا ذنب لهما فيه, كما تسبب في إحراج التلفزيون وفي التقليل من القيمة الوطنية للحدث. فكيف تحتفل بمرور خمسين عاماً على هذا المنجز الوطني الكبير وتتباهى بالكوادر السعودية التي صنعتها, وتنسف هذا كله بخطأ في الاختيار يتنافى مع الهدف الرئيسي للمناسبة. إن ما نعلمه جيداً أن مسؤولي الهيئة لم يكونوا على علم بتفاصيل الأسماء المشاركة في المشهد المسرحي, وأن من تولى إخراج الحفل هو المخرج القدير فطيس بقنة الذي يبدو أن حسن التقدير خانه في قرار إشراك ممثلين عرب, وبحسن نية ولا شك, لكن هذا لا يلغي أن هذا القرار كان خاطئاً وغير مقبول إطلاقاً. فلا عذر لمن استعان بالعنصر المقيم بدلاً من الكادر الوطني. ونحن نقدر جهود الهيئة الواضحة في تطوير التلفزيون والبرامج لكن هذا لا يمنع من أن نقول إنهم لم يوفقوا في اختيار من قدموا الحفل. لقد كان مسرح التلفزيون حكراً على السعوديين منذ عقود مضت, وأبدعوا فيه إنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً, وكننا ننتظر مشاركتهم في احتفال الوطن بتلفزيون الوطن, فهم الأقدر على فهم التلفزيون الوطني وثقافته الشعبية من النشأة وحتى الآن, لكن يبدو أن "عازف الحي لا يطرب" وتم تفضيل الأجنبي على من صنعوا تاريخ التلفزيون وأمجاده.