لكي لا نقف متأرجحين بين أساسيات التعاون لدول المجلس، وبين طموحات بعيدة عن الواقع جاء بيان الرياض ليحدد المسؤوليات والأهداف، وكي نعرف حقيقة وجودنا، فبعض الدول العربية والإقليمية ترانا هياكل هشة يجمعنا الخوف، وتفرقنا الشكوك، ومن هنا كان لابد من رسم طريق واضح بحيث تبقى لكل بلد سياسته الخاصة على أن لا تتعارض مع مسار هذه الدول، ولعل زوبعة الخلاف مع قطر كشفت عن أن محاولة الخروج عن خط المجلس مهما كانت النزعات والتصورات لا يمكن أن تعمل بدون إجماع تأسس عليه أصلاً المجلس.. ثم دعونا نعدْ شريط الماضي القريب عندما تعرضت الكويت للاحتلال من قبل جيش صدام، والنوايا المعلنة من قبل إيران لزعزعة أمن البحرين، وانظروا كيف تنظر باستهجان إلى مطالب الإمارات بجزرها الثلاث، وهي تحديات لا تخص دولة بعينها أمنياً أو سياسياً، وإنما الاتجاه ظل خلق فوضى في هذا الكيان، وقطر ربما أدركت أن الحماية الأجنبية حتى بوجود قاعدة العديد الأمريكية لا تخضع لأوامر الإمارة، وأن تخطي المجلس بلعبة كبرى مع منظمات ودول إقليمية، ومحاولة التلاعب بأمن دول المجلس كان انعكاسه السلبي عليها أكبر من إيجابياته، وهنا كان لابد من إجراء رقابة للحد من تأثير تلك السياسة على أمن وتماسك دول الخليج، فجرى سحب السفراء، وكادت الأزمة تكبر لولا أن الكويت استطاعت احتواء المشكلة ومن ثم التوقيع على بيان ملزم بحضور ممثلي كل دول المجلس.. الغاية من البيان ليست الحد من حرية بلد في إدارة شؤونه الداخلية وإنما العمل في إطار المصلحة العامة التي كرسها نظام المجلس، ولعل الظرف الزمني الحساس، والقلق عربياً وإقليمياً فرضا أن تكون سياسة هذه الدول متوازنة ودقيقة إلى حد الحذر من التورط في أزمات أكبر وبالتالي لا أحد يدعي أنه منتصر وخاسر إذا كانت التسويات والفهم العميق لدور المجلس هما الغاية الأساسية.. دعونا نختلف من داخل عملنا ثم التصويت على وجهات النظر المتعارضة حتى يكون الإجماع هو سيد الموقف، أما أن تخرج أي دولة عن المبدأ العام المقر من الجميع، فإن الآثار الأخرى قد تمزق ساحة المجلس والذي بقي وحيداً أمام دعوات الوحدات والاتحادات متماسكاً رغم بطء الإنجازات المفترضة، ولكنه كأي تجمع لابد أن يتطور مع الزمن عندما تتلاقى الأهداف مع الإرادة.. الأمن الخليجي له الأولوية في التعاون، وقلنا مراراً أن ما يهددنا ليس فقط قوة إقليمية أو دولية، وإنما البنية الديموغرافية (السكانية) حيث طغى الكم الهائل من الجنسيات المختلفة على كيان بعض تلك الدول، وأن مراعاة الإغراق وشبه التوطين سوف تنسف وحدة أي بلد.. والأمر الآخر أننا لا نزال كلّ يفكر بحدود ما يراه مناسباً له، مع أنه لا فرق بين دولة كبرى أو صغرى، إذا تمازجت المصالح العليا وحددت مفاهيم المخاطر بحسب الواقع والمستقبل، ثم هناك إدارة سياسة الثروة وتوطينها، وهي مسألة لا تزال في طور النشوء ولكنها لم تفعّل كإطار عمل تكاملي.. عموماً الوقفة مع النفس إيجابية، والعودة إلى الطريق الأمثل هي اعتراف بالحقيقة لأن الجميع هم من يحددون أمنهم ورعايته..