يدل المثل الشعبي القائل "القلب دكان، وكل له مكان" على أهمية الإقبال على توطيد العلاقات الاجتماعية وإشاعة الحب بين أفراد المجتمع، ولطالما ردد القدماء هذا المثل للتعبير عن كثرة الأحباب والمقربين في حياتهم وقدرتهم على التعاطي معهم والتعامل معهم بأسمى معاني التقدير والحب والاحترام، ومما لا شك فيه أنَّ المدنية الحديثة أثَّرت سلباً على حياة بعض أفراد المجتمع، في ظل تعدد مسؤولياتهم والتزاماتهم الاجتماعية والمادية، الأمر الذي جرَّهم بعيداً عن الاهتمام بمثل هذه العلاقات الإنسانية. علاقات اجتماعية وأشارت "سميرة الهاجري" إلى أنَّ الخلافات عادةً ما تنشب بينها وبين ابنتها نتيجة رفضها دعوة صديقة ابنتها ووالدتها لزيارتها؛ من أجل التعارف وتوطيد العلاقة بين الأمهات من جهة والأسرتين ككل من جهة أخرى، مرجعة رفضها هذه الدعوة إلى كثرة المشاغل والالتزامات العملية من جهة، وما قد يترتب على العلاقة من واجبات ومجاملات هي في غنى عنها، بل إنَّها ربَّما شكلت لها عبئاً نفسياً ومادياً. وبيَّنت أنَّها ربَّما أخلَّت بما تتطلبه هذه العلاقات الاجتماعية، مضيفةً أنَّ ابنتها تذكّرها بين الحين والآخر بحقها عليها وأن تتصرف بما يمليه عليها دورها كأم تجاه أبنائها وبناتها، مشيرةً إلى أنَّها ترى أنَّ أمر توطيد العلاقات بين أصدقاء ومعارف أفراد الأسرة يأتي في مقدمة أولويَّاتها. وتشتكي "أمل العمري" من كثرة صديقات ومعارف ابنتها، لدرجة أنَّه لا يمر أسبوع من دون وجود أصدقاء جدد في حياتها، مشيرةً إلى أنَّ ابنتها كثيرة المطالب، الأمر الذي يجعلها دوماً في صدامات معها، في ظل رفض والدها ذهابها لأيّ من صديقاتها دون أن ترافقها هي شخصياً، مبيّنةً أنَّ ذلك لا يقتصر على زيارة عابرة فحسب، وإنَّما يمتد الأمر ليشمل اصطحاب بعض الهدايا، إلى جانب ضرورة مجاملتهنّ، وكذلك أهميَّة التأنّق قبل الذهاب إليهنّ. فشل ذريع ولفتت "منى ناصر" أنَّها تتعرَّض للعديد من الضغوط النفسية والإرباك من قبل والدتها التي تصر على أن تستقبل زوارها وسط الأسبوع من دون أدنى اعتبار لظروف دراستها والتزاماتها وواجباتها المنزلية الأخرى، مضيفةً أنَّ جهودها المستمرة في إقناع والدتها بالاتفاق على مواعيد معينة مع الراغبين في الزيارة فشلت فشلاً ذريعاً، موضحةً أنَّ والدتها ترفض ذلك وترى أنَّه عيب اجتماعي، مبيّنةً أنَّ السيئ في الأمر أنَّ جميع زائرات والدتها هنَّ من الجارات والمعارف ممن يترددون عليها بصفة مستمرة خلال أيام الأسبوع من دون أن يكون هناك داعٍ لتلك الزيارات. وأضافت أنَّها تضطر لمجاملتهنّ على حساب راحتها، إذ لا يقتصر الأمر على تقديم الشاي والقهوة فقط، بل يتعداه إلى إعداد أصناف متعدِّدة من طعام الضيافة المنزلي، مشيرةً إلى أنَّ وجود فارق كبير في العمر بينها وبين والدتها كبيرة السن أحدث فجوة في العلاقات بينهما، ومع ذلك فهي لا تريد أن تتسبب في غضبها أو مضايقتها، خصوصاً أنَّها تفتخر بها أمام جاراتها وتخبرهنَّ عادةً أنَّها تعتني بها وتجيد تسيير أمور المنزل العملية. وأكدت "أمل عبدالهادي" أنَّ مقولة: "القلب دكان وكل له مكان" تنطبق على والدتها تماماً، إذ إنَّها لا تراها إلاَّ وهي إما زائرة أو مستقبلة لضيوفها، وأضافت قائلة :"في حال استضافت والدتي صديقاتها تمر الأسرة بحالة من التوتر نتيجة توترها الشديد استعداداً لاستقبال ضيوفها، في ظل إصرارها على أن يهب الجميع للاحتفاء بهنَّ واستقبالهنّ خير استقبال، بغض النظر عن مدى رغبتنا أو استعدادنا لذلك". اختلاف الاهتمامات وأوضحت "لطايف ناصر" أنَّ زوجها في بداية زواجهما كثيراً ما كان يطلب منها دعوة زوجات أصدقائه لزيارتهم بصحبة أزواجهن، مضيفةً أنَّ ذلك خفَّف من شعورها بالغربة نتيجة ابتعادها عن أسرتها والعيش في مدينة أخرى لا يتواجدون بها، بيد أنَّها بدأت مع مرور الوقت تشعر بالانزعاج نتيجة اختلاف التفكير والاهتمامات بينها وبين العديد منهنّ، خصوصاً أنَّها أكملت دراستها الجامعية في تلك الفترة، كما أنَّ مسؤولياتها الأسرية تنامت بعد الإنجاب وأصبح لديها العديد من الصديقات في الجامعة. وأضافت أنَّه على الرغم من ذلك كلّه، إلاَّ أنَّ زوجها لا يزال يرغمها على أداء بعض الواجبات والالتزامات الاجتماعية تجاه زوجات بعض أصدقائه وأسرهم المقربين منهم، مشيرةً إلى أنَّه رغم وجود هذه الضغوط، إلاَّ أنَّها تؤدي واجبها بكل أريحية، لافتةً إلى أنَّ هذا النوع من العلاقات ضروري أحياناً لتوطيد العلاقة الزوجية واكتساب خبرات حياتية جديدة، إلى جانب حصول الثواب من "الله". وأكدت "تهاني" أنَّها حديثة عهدٍ بالزواج، مضيفةً أنَّ لديها صديقة مقربة منها تتمنى أن تتوطد علاقتها بها بعد الزواج عبر توطيد العلاقة بين زوجها وزوج صديقتها، بيد أنَّ زوجها لم يُبد أيَّ استعداد لذلك ولم يظهر أيَّ محاولة للتعرف إلى زوج صديقتها، لدرجة أنَّه يحاول عدم إطالة الوقوف أمام بيت صديقتها؛ لكي لا يتقابلا ويضطر حينها للسلام عليه وتحيته. عزائم النساء مكلفة خاصة خارج المنزل فرض العلاقات وأشارت "آمال سعد" - أخصائية اجتماعية بمستشفى اليمامة - إلى أنَّ البشر يتفاوتون في التفكير والاهتمامات، وبالتالي فإنَّه من الخطأ فرض العلاقات أو إلزام طرف بعلاقة لا يرغبها الطرف الآخر، موضحةً أنَّ اهتمامات ورغبات الشباب - مثلاً - تختلف عن كبار السن، كما أنَّها لدى النساء خلاف ما هي عليه لدى الرجال، ناهيك عن أنَّ الحياة العصرية بكل تعقيداتها فرضت علينا طوقاً من القيود جعلتنا نحدد أولوياتنا في الحياة بما يُمكننا الإيفاء به تجاه أنفسنا وأسرنا بالدرجة الأولى، ومن ثم تجاه من نهتم لشأنهم من أفراد الأسرة من الأقارب والأرحام وغيرهم. وشدَّدت على أهمية وضع ذلك في الاعتبار ومحاولة تفهّم ظروف من حولنا فيما يتعلق بما يهمنا وما يهمهم، وبالتالي لا نعرضهم ولا نعرض أنفسنا للضغوط، مضيفةً أنَّ الجيل الحالي من الشباب والشابات قد يحدث تصادم بينهم وبين آبائهم أو أمهاتهم بحكم اختلاف التفكير والاهتمامات والاحتياجات، مشيرةً إلى أنَّ التقارب والالتقاء بين الطرفين يعتمد على الوعي الذي قد يتوفر لدى الأكثر تعليماً أو خبرة وتجربة في الحياة. وأضافت أنَّ من يملك الوعي هو الأكثر احتواءً للطرف الآخر وتفهماً له، بالتالي تقل المشكلات والصدامات بينهما، لافتةً إلى أنَّ الأمر يتطلَّب في كثير من الأحيان التقبل لرغبة ووجهة نظر كل طرف للآخر إذا أردنا للعلاقة أن تستمر، سواء كانت العلاقة زوجية أو أسرية.