لم أتفاجأ بالموقف الرائع والنبيل من قائد هذا الوطن الغالي الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله من الاستجابة السريعة لما نشرته في هذه الجريدة الموقرة عن الزميل عبدالكريم العودة وإصدار أمره بمعالجته على حساب الدولة في المكان الذي يرغب فيه.. ولكن الشيء الذي شدني وأسرني وأثلج صدري، بل وأثلج صدور كثير من الأدباء والمثقفين هو سرعة الاستجابة حيث قام الديوان الملكي مشكوراً بالاتصال بعبدالكريم في الصين في ذلك المساء من أجل الاطمئنان عليه وإبلاغه بتوجيه خادم الحرمين الشريفين رعاه الله.. والواقع أن مثل هذا الموقف الرائع والنبيل إنما يبعث الاطمئنان والثقة في نفوس المثقفين، والمبدعين، من أبناء الوطن واستشعارهم بأن هناك من يرعاهم ويهتم بهم، ويقف إلى جانبهم فيما يتعرضون له من مشاكل، وأزمات ومحن.. ومتى كانت القيادة واعية هذا الوعي وبالذات من رأس الهرم فإنه من المؤكد أن كل أديب، ومبدع، ومثقف، سيحتفل في داخله بمثل هذا الموقف الرائع والنبيل.. وإنك لتستطيع أن تحكم على رقي الدول من خلال اهتمامها بأصحاب الفكر والوعي فيها.. فكلما علا شأنهم وارتفع رصيدهم من الاهتمام والعناية فذلك دليل قاطع على ارتقاء الدولة ووعيها، وإدراكها لدور المثقف، والمفكر والأديب، ومدى فعاليته وتأثيره، ودوره الإنساني والبشري عامة.. وهذا ما ذهب إليه "الروائي والناقد" الفرنسي الكبير "جوليان باندا" حيث يصف المثقفين بأنهم "عصبة من النبلاء الذين يتحلون بالموهبة الاستثنائية وبالحس الأخلاقي الفذ ويشكلون ضمير البشرية" بخلاف ما ذهب إليه المفكر والفيلسوف والناقد الإيطالي "غرامشي" في رؤيته حول المثقف حيث يرى أن "كل من يعمل في حقل إنتاج معرفي فهو مثقف".. على أن المفكر العربي الإسلامي مالك بن نبي رحمه الله يفصل بين الثقافة والمعرفة.. وعلى كل حال فإن الاهتمام بالمثقف والمبدع أيا كان مجاله وعمله هو دليل على ارتقاء الأمة نحو صياغة هوية ثقافية، ومعرفية تربطها بالنسيج الإنساني الذي يتطلع دوماً إلى تحقيق الطموح البشري الخلاق.. ولقد أبهجني أيضاً ذلك التفاعل من قبل كثير من المثقفين الذين تنادوا وتسارعوا في الحديث عن حالة أخينا عبدالكريم في كثير من مواقع التواصل، ووسائل النشر.. وهذا ما يجعلني أشد حماسة لفكرة (صندوق المبدع السعودي) والذي سبق أن طرحته على بعض الأدباء والمثقفين.. غير أنني أعود لأعيد القول بأن الفضل بعد الله يعود لخادم الحرمين الشريفين الذي أغاث الرجل في محنته.. ومن ثم فإنه من واجبي باسمي وباسم عائلة عبدالكريم وباسم مثقفي هذا الوطن الكريم أن نقول جميعاً: شكراً يا أبا متعب ودمت ذخراً وفخراً لأبناء وطنك..