استشاري ل«عكاظ»: 4 عوامل ستعزز الفوز في «الكلاسيكو»    ليفربول يتوقع بقاء صلاح    الهلال أكمل تحضيراته    الإطاحة بوافد وثلاثة مواطنين في جريمة تستر وغسيل أموال ب200 مليون ريال    القبض على عصابة سلب وسرقة    6 نقاط تفصل بنو قادس عن دوري روشن    بيان الاجتماع الوزاري للشراكة الإستراتيجية بين مجلس التعاون والولايات المتحدة    رئيس دولة فلسطين يغادر الرياض        ترقيم الماشية شرط الرعي    مذكرة تفاهم سعودية-موريتانية حول قطاعات الكهرباء والطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف    توقيع مذكرتي تفاهم لتعزيز استدامة إدارة النفايات    السعودية للكهرباء تتلقى اعتماد العائد التنظيمي الموزون لتكلفة رأس المال على قاعدة الأصول المنظمة ب 6.65%    محافظ العارضة يستقبل مفوض الإفتاء فضيلة الشيخ محمد شامي شيبة    إسرائيل تناهض تحركات المحكمة الجنائية    %97 رضا المستفيدين من الخدمات العدلية    فيصل بن بندر يستقبل مدير 911 بالرياض.. ويعتمد ترقية منتسبي الإمارة    أمير المدينة يدشن مهرجان الثقافات والشعوب    الهيئة الملكية للجبيل وينبع    اليوم.. آخر يوم لتسجيل المتطوعين لخدمات الحجيج الصحية    حارس النصر "أوسبينا" أفضل الحراس في شهر أبريل    مواهب سعودية وخبرات عالمية تقود الأوبرا الأكبر عربياً "زرقاء اليمامة"    السنيد يتوج أبطال الماسية    جدة: القبض على مقيمين لترويجهما مادة الحشيش وأقراصا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    اختتام أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض    7 دول طلبت من المحكمة الجنائية الدولية وقف اعتقال مسؤولين إسرائيليين    إنقاذ معتمرة عراقية توقف قلبها عن النبض    الاحتلال اعتقل 8505 فلسطينيين في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر    «سلمان العالمي» يُطلق أوَّلَ مركز ذكاء اصطناعي لمعالجة اللغة العربية    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة    الكلية التقنية للبنات بجدة تطلق هاكاثون تكنلوجيا الأزياء.    أمير المدينة يستقبل سفير إندونيسيا لدى المملكة    زلزال بقوة 5 درجات يضرب شرق تايوان    "جائزة الأميرة صيتة" تُعلن أسماء الفائزين بجائزة المواطنة المسؤولة    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    سياسيان ل«عكاظ»: السعودية تطوع علاقاتها السياسية لخدمة القضية الفلسطينية    أمطار مصحوبة بعدد من الظواهر الجوية على جميع مناطق المملكة    76 فيلماً ب"أفلام السعودية" في دورته العاشرة    «مطار الملك خالد»: انحراف طائرة قادمة من الدوحة عن المدرج الرئيسي أثناء هبوطها    أمير الرياض: المملكة تدعو لدعم «الإسلامي للتنمية» تلبية لتطلعات الشعوب    وزيرا الإعلام والعمل الأرميني يبحثان التعاون المشترك    نائب أمير مكة يطلع على تمويلات التنمية الاجتماعية    الأهلي بطلاً لكأس بطولة الغطس للأندية    رابطة العالم الإسلامي تُعرِب عن بالغ قلقها جرّاء تصاعد التوترات العسكرية في شمال دارفور    منصور يحتفل بزواجه في الدمام    ديوانية الراجحي الثقافيه تستعرض التراث العريق للمملكة    لقاء مفتوح ل"فنون الطهي"    إطلاق المرحلة الثانية من مبادرة القراءة المتجولة    فيصل بن بندر يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر ويستقبل مجلس جمعية كبار السن    دولة ملهمة    فئران ذكية مثل البشر    إستشاري يدعو للتفاعل مع حملة «التطعيم التنفسي»    المصاعد تقصر العمر والسلالم بديلا أفضل    سعود بن بندر يستقبل أعضاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية    ذكاء اصطناعي يتنبأ بخصائص النبات    تطبيق علمي لعبارة أنا وأنت واحد    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علوي الهاشمي.. عاشق بيروت الذي راقص المطر بيد واحدة
امرأة عرّضتني لأقسى هزة في حياتي.. ولم أسقط
نشر في الرياض يوم 02 - 11 - 2013

تجاه النور مرر أصابعه الصغيرة ليعرف "ماذا يعني الانتصار". هناك بقي يتلمس نظارته الطبية، يتأمل استدارتها التي صنعت خصيصا ليبصر الأشياء بشكلها الواضح بعد ضعف عينيه، خلف الزجاج ذاك الدائري قرر أن يخترق ضعفه، مد يده إلى السماء وتسلق الغيم ليصل إلى هنا. لا ليس إلى هنا.. في المكشوف.. بل إلى هناك حيث الانكشاف والكشف على الحلم الذي رافقه إلى قصص ملونة بروح أفضت إليه بكل الأسرار، فركل كل تلك الأوهام وسار نحو الطريق ليلتقي بالحقيقة أكثر. وليكبر بعد أن يتحول إلى رجل تشبهه المدن جميعا ولكنه لايشبه سوى "علوي" ذاك الصغير الذي مازال يفرك زجاج نظارته كلما سقط مطر عليها وبللها.. ليبصر الطريق بوضوح.. ثم يرتدي نظارته ويتأمل الطقس من خلف زجاج البيت الذي كان يبوح له بسر النجوم التي ستزوره يوما لتنجب "المارد" الذي سيلتقيه عند عتبة الرصيف المفخخ بالمفاجآت.
هنا الشاعر "علوي الهاشمي "يأتي عبر "المكشوف" ليقول لي "في الشعر سأقف دائما لأحلم وأرقص".. ولكنه يستدرك ذلك ليبوح بأشياء مرت في حياته أو ربما مر هو فيها ليكبر بكل ذلك القدر من الألم والحب.. يعترف بأن الغياب الأبدي لم يرحم قلبه، وبأن المدن تلوح له من بعيد بروائح مازال يشتهي أن يلتقي بها لأنها تذكره بعلوي الحقيقي، في السفر أشتاق كثيرا لحبيبته وفي الوطن أكتشف بأنه خسرها للأبد، وبرغم ذلك الوجع كله والحرمان لم يسقط أبدا ففي غدر من أحب ذاكرة تدر ظهرها لكل تلك الخديعة ثم يهمس "سأتركه لضميره ".. هنا "علوي الهاشمي. يرى في المنطقة الوسطى نهاية سلام، وفي العزلة عواطف يغلق عليها خوفا، ثم يقول لي.. مع علوي أختلف كثيرا.. إنه صراع الروح والمنطق.
علوي الهاشمي عبر المكشوف.. يبوح، يبكي، يشتاق، ويبصر النور.. يفعل ذلك كله في لحظات..ثم يستدرك..ليقول "إذا لم يفهمني القارئ بعد كل ذلك فليست مسؤوليتي!!
في مكتبة المنزل
النور
* من يرفع عنا كل ماوقع وانكسر. حينما نحتفظ بكل شيء جاء إلينا بمقاس أحلام وبخديعة "كذبة" وبعد أن لمسناه تهشمت مواسمه بداخلنا.. تلك عثراتنا، بها نهرم وعنها نهرب.. بماذا تعثرت في الطريق الذي جئت منه؟ هل تعرف مقاس أحلامك؟ وكم كذبة احتفظت بها وأنت تعلم مدى وهمها؟
- منذ طفولتي المبكرة كانت تتنازعني قوتان غامضتان: قوة تشدني إلى غوامض وجودي ونقاط الضعف في بعض نواحي تكويني الشخصي أو فيما يحيط بي. وقوة تدفعني دفعاً نحو تخطي حدود النقص وعوامل الضعف والقفز على أسوارها العالية، قوة تندفع من داخلي كأنها مارد عظيم رغم صغري وصغر المارد الذي كان من قوته قوة أتحدى بها كل عوامل السلب في حياتي. كان ضعف البصر، إلى حد ما، يمثل لدي أكثر من عثرة في طريقي، كان العقدة التي كادت تحبس في قفصها الضيق طائر النور المهيأ لمساعدتي على اكتشاف الحياة. لم استسلم. عكفت على نهم القراءة منذ وقت مبكر جداً، كأنني كنت بالقراءة المكثفة أحرص على صبِّ كل ما يمكنني من زيت ليتغذى به وعليه قنديل الضوء الضعيف المتراقص في شرفات عيوني مضيئاً مساحات من بصري الذابل. في دائرة الضوء تلك صرت أتحسس بواكير أحلامي.
كان هذا مقاس حلمي الذي سرعان ما اكتشفت بعد تجاوز سنوات الطفولة والصبا أنه كان إلى الوهم أقرب،رغم عذوبته وجماليته أو بسببهما، حتى صارت قصائدي أشبه بمصائدي. لا تكاد القصيدة تسحبني إلى إغراءاتها الأولى التي لا تقاوم حتى أجد نفسي قد أضعت الباب الذي يمكن أن أخرج منه. وإذا بي أدور سعيداً في رحاب المصيدة. هكذا كان الشاعر عندي يدخل من باب الوهم الشعري المتخيل يجد نفسه أمام واقع مرعب لا يحتمل التحديق في تفاصيله أو التقلب على نار براكينه المتفجرة حيث تتفلت به الخطى ويترامى حوله صدى صوت يلاحق خطواته الصغيرة.
مع محمود درويش
هل يحتمل شاعر حمل هذه الصفة لمدة خمسين سنة أن يحدق في وجهه ليرى أنه كان (أو صار) كذبته الكبرى التي احتفظ بها طول هذه السنين وهو يعلم مدى وهمها؟! فمنها صداقات وعلاقات وزمالات ومواقف وقضايا وكلمات ليست كالكلمات، ونساء عزفن على أوتار القلب ورحلن أو بقين في شرفات الروح أو شغف الذاكرة أو في مصيدة القصيدة.
الخسائر الأبدية
* كتبت أحلام مستغانمي (الفاجعة أن تتخلى الأشياء عنك لأنك لم تمتلك شجاعة التخلي عنها، عليك ألا تتفادى خساراتك، فأنت لاتغتني بأشياء مالم تفقد أخرى، إنه فن تقدير الخسائر التي لابد منها) ماهو حجم فاجعة خساراتك؟ أتحسن تقدير الخسائر أم أنك تكتفي بتعزية نفسك بتجاوزها للأبد؟
- الخسائر الحقيقية عندي هي البذور التي إن زرعت في تربة الروح لم تثمر قط كأنها الحجارة الأبدية، أو إن هي (أثمرت) كان ثمرها مراً وقطافها شوكاً دامياً وجمراً كاوياً حيث لا ينبت بين العين والعين إلا شجر الزقوم. وما عدا ذلك كلها خسائر قابلة للتعويض. وجانب الخسائر المعنوية أكثر ضراوة ومرارة وإيلاماً من جانبها المادي.
أما أنا فخسائري المادية هي الأكثر، لذلك لا تمثل عندي فواجع كبيرة، إلا إذا اعتبرت الصمت عن الشعر خسارة مادية فهي فاجعتي الكبرى، هل أحسنت تقدير خسارتي الكبرى لتكون معياراً لتقدير خسائري الأخرى؟ أم أني اكتفيت بتعزية نفسي بتجاوز كل الخسائر للأبد كما ينص السؤال؟ لا أدري.
مع فاضل العزاوي الشاعر والروائي العراقي
خلف الزجاج
* نشتاق للمطر. لأنه يأتي وبين يديه بالونات حنين. يغيرنا هذا المخلوق ! ليجعل منا نغم عشب، وضحكات صغارا، وقلبا يسمع صوت خطوات الفرح ثم بذلك القدر من النشوى يحزننا، يبقينا وحيدين محفوفين بالحرمان.. ماذا يفعل بك المطر حينما يزورك؟ أتراقصه بيد واحدة؟ أم أنك تبقيه في جيوب معطفك عاصفا ومشتعلا؟
- يتقاطع تساقط المطر عندي مع مشكلة الرؤية منذ وقت الطفولة المبكر. فقد وضعت نظارات تقوية البصر الطبية وعمري لم يتجاوز الثانية عشرة. وكان انهمار المطر ولو خفيفاً يتسبب في مضايقتي وتنغيص الاستمتاع به والنظر إليه إلا من وراء حاجز زجاجي صاف كعدستي نظارتي الكثيفتين. لذلك كنت أعوض البصر المباشر بالبصيرة المتخيلة الحالمة، مما جعل مفردة المطر وصوره المبتكرة يفترشان قماشة شعري وتدخل خيوطهما في نسيج سجادة الكتابة الإبداعية عندي. هذا ما يفعله المطر بي عندما يزورني في سماء القصيدة أراقصه بيد واحدة تمسك بأصابعها دفة الكتابة، وباليد الأخرى أخبئ من لآلئه ما استطعت في جيوب القصيدة أو أتركه يتحول من سيولته المائية إلى عواصف مشتعلة تحت رماد الكلمات أو يصير دماً راكضاً في ثنايا الصور ومفاصل الإيقاع. لذلك لم يكن المطر في شعري ماء قط.
مع الناقد عبلة الرويني زوجة الشاعر الراحل امل دنقل
وجوه المرايا
* السفر.. أن تذهب وأنت تصر بأن لاتعود فتنام في غير سريرك، وتلبس ثيابا تحمل رائحة غيرك. ثم تشعر بأنك إلى هناك تحن، فترجع ولكنك لاتعود !.. كم مرة سافرت فيها ولكنك بعد أن عدت وجدت بأنك لم تعد؟ أتشبهك المدن التي تسافر إليها؟ ماالذي تتركه في شوارعها؟
- كل المدن التي سافرت إليها تركت فيها ظلاً من ذاكرتي وجدولاً أو نهراً قد يتسع أو يضيق من الحنين إلى ذلك المكان. لذلك أشعر بأن في المكان الذي نزوره أو نكون فيه، روحاً تنادينا، الأماكن الحبيبة إلى قلوبنا مثل المرايا الصافية التي نرى فيها أكثر من وجوهنا، فهي تعكس أرواحنا التي لا نراها إلا هناك. أتذكر حين زرت بيروت بعد غياب سنوات الحرب الأهلية الطويلة سكنت في شارع الحمراء كعادتي.
وكان نزار قباني أول من زرته بمكتبه في بناية العزرية الواقعة في بيروت القديمة. وكان نزار يعرف مدى حبي لبيروت وتعلقي بها حيث كنت أُتردَّدُ عليه بالزيارة خلال سنوات الدراسة وطبع مجموعتي الشعرية الأولى هناك. ولحظة عودتي إلى الفندق من مكتبه قال لي نزار: لا تأخذ السرفيس (التاكسي) الذي يمر بك عن طريق البحر. وحين ركبت السيارة كان في يدي مجلة أقلب فيها فنسيت وصية نزار. ولما رفعت عيني من المجلة وصفعني وحش الدمار الذي ضرب كل شيء في بيروت: فنادقها الفخمة وبيوتها الجميلة وأسواقها ومتاجرها الفاخرة، لم أتمالك من النحيب بصوت عالٍ كادت معه تخرج روحي. أحسست أني أموت مع بيروت لو ماتت. نعم كم كانت بيروت تشبهني وتحرك روحي بالحنين إلى من فيها ومن رحلوا عنها مؤقتاً أو إلى الأبد، مثلما تشبهني القاهرة وتونس والمنامة، فجميع هذه البلاد أنا.
الغائبون
* كتبت (كل الأشياء تمر كلمح البرق. كلمح النار بنافذتي وعيوني غارقة في نهر الضوء. الحلم الدافق ملء دمي عبقا وهاجا). أي الأشياء التي أخذت معها أحلامك ومرت من عند قلبك ثم غادرت سريعا؟ بم تشعر حينما تغادرك الأشياء الدافئة؟ كيف هو شكل الفراغ الذي تسمعه في مكانها؟
- كل الأشياء الدافئة التي تمر بي تترك أثراً لها في قلبي، خاصة الأشياء ذات البعد الإنساني المرتبطة بالأشخاص. إنني أزرع لكل شخص وذكراه حديقة في ذاكرتي الحية بوابة الدخول إليها روحي. وحين يجئ الغياب، تزدحم الذاكرة ويكون السفر نحو الداخل لأجد الغائبين يملؤون الفراغ فلا يكون بل يكونون هم. أما شكل الفراغ الوحيد الذي يبسط ظله الثقيل على النفس فلا يريم رغم تزاحم الراحلين والغائبين في مساحاته المتوحشة فهو الغياب الأبدي، أو الموت، ذلك الفراغ الفاجع الذي لا قلب له ولا ذاكرة، ووحده يهزم الروح ويقهر الحياة.
مع إسماعيل فهد إسماعيل
الغدر
* لم يعد هنا ! قذف كل شيء بالحجارة وذهب، الأشياء التي التصقت بنا، تلك الأيام الدافئة، الذاكرة المصحوبة برغيف الأحلام.. حينما يغادرك "صديق" بعد أن يكسر أجمل الذكريات، ويدوس على كل شيء ويرحل دون وداع.. كيف ترمق ذلك المشهد في اللحظات الأخيرة؟ أيمكن للصديق أن يتحول إلى عدو حاقد بعد كل ذلك؟
- العدو يمكن أن ينقلب صديقاً بدلالة قوله تعالى "وإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" على الرغم مما في أداة التشبيه (كأنه) من حاجز ضمني مستتر يمنع صورة العلاقة الحميمة من التكامل والتمام في مسألة العمق والصدق.
أما الصداقة الحقيقية فلا يمكن أن تنقلب على نفسها لأنها تتأسس على قانون البناء وقاعدتها الحب والصدق والوفاء. أما إذا تحول الصديق إلى عدو حاقد فهذا يعني أن قابلية هذا الصديق وإمكانية العداوة كانت موجودة فيه ولكن كامنة، ومع التجربة والظروف ومرور الزمن تحولت من قوتها الكامنة إلى فعلها المتحقق.
إنني أرمق ذلك المشهد المؤسف والمؤلم في اللحظات الأخيرة بنظرة عتب على النفس وحسرة على ضياع قسط من عمرها في الخداع أو سوء الفهم، ثم أشيح بوجهي وذاكرتي عن ذلك الصديق اللدود، وأتركه لضميره.
لحظة السلام
* ما أتعس الحلول التي تبقيك في المنطقة الوسطى، تظل معها باهتاً ليس هناك وجود يشبهك وليس هناك فقد يمثلك.. أتحب الحلول الوسطى التي تبقيك كالأرجوحة المتأرجحة؟ كيف تختار بين أمرين أخفهما أكثر وجعا من الآخر؟
- بين أن نحتار ونختار نقطة زائغة قد تختصر مسافة التعاسة والتوتر المتأزم بين طرفي القوس المشدود قبل إطلاق سهم القرار السديد. هذا يجعل المرور بالمنطقة الوسطى حيث نقطة التقاطع المأزومة بين أمل الألم وألم الأمل ضرورة أكيدة في مسارات التجربة البشرية. ولا يمكن أن تصل هذه المنطقة المأزومة إلى لحظة سلام إلا جراء الاستفادة العميقة من طرفي القوس المشدود والتجربة التي لا تمر بحالة التأرجح بين كفتي الميزان لا يتأتّى لها أن يتمتع صاحبها بحال التوازن والحكمة في مراحل السلام النهائية.
مع الشاعر اللبناني جودت فخر الدين في منزله
القوة والرقة
* كلما ازداد هذا الألم. أفتح دفتر الروح. أمحو سطرا جديدا فتتكاثر توائم القلب، تقفز هوامش الصفحة لتذكرني بأن أشعل الصمت، أطبق على أوجاعي، أسكت لأن في السكوت حشمة لكل هذا العذاب.. أتحب أن تكسو خذلانك وعذاباتك حشمة الصمت؟ أم أنك تغريها حتى تتعرى لترتدي معها الكلام؟
- حين يكون الصمت مزهراً يصبح خيراً من الكلام الشائك المر. ولكل مقام مقال، ومن ذلك المقال الصمت الناطق الذي قد يكون أبلغ من كلام.فإذا كانت المعاناة عميقة وجليلة فلا يتناسب معها في التعبير عنها إلا جلال الصمت المهيب الذي يزيدها حشمة ووقاراً، وذلك يحتاج إلى كثير من القوة الداخلية لاحتماله والصبر والمقدرة عليه وهو من علامات الشخصية القوية والرقيقة في آن حيث يجتمع فيها قوة الرقة ورقة القوة. ومحظوظ من يكتسي بهذه الصفات والسجايا فيغدو كلامه حكمة ويحمل صمته من الحكمة ما هو أبلغ من الكلام.
في طريقه للذهاب للجامعة في لندن عام 1965
امرأة الحب
* كتبت فتحية عجلان (تخيل لو خلت هالديره من عينيك وش أشوف.. ينبت عليها الحزن وأصير أنا في غيبتك كالعود. شوف الألم مابرح. في مهجتي والعين) أخلت الديرة - يوما - بداخلك لأن عشقا بحجم الدنيا قد فارقك؟ أيمكن أن ينسى الحب بعد طول سنوات؟ وما الذي يجعله في عداد الأموات؟
- المرأة عندي حالة مختزلة لحب كل شيء وكل شخص قريب إلى القلب في الوطن، إلى الحد الذي يرفعها إلى درجة الرمز بعد تجريدها. لذلك يغدو الوطن (أو الديرة) أكبر وأعمق في علاقتنا به من امرأة واحدة، حتى ولو قال شاعر كبير مثل نزار قباني: قد تغدو امرأة واحدة يهواها القلب.. هي الدنيا.
لذلك أيضاً حين تنكسر علاقتنا العاطفية بامرأة ما نلوذ بحب الوطن لكي نجبر الكسر، رغم أن فقد بعض النساء مثل الأم خاصة، وكذلك الحبيبة عند الشاعر الرومانسي خاصة، يترك أثراً لا ينسى وجرحاً غائراً في تجربة الشاعر.
وقد مررت شخصياً بهذه التجربة في مقتبل حياتي، خاصة بعد ابتعادي عن الوطن والحبيبة معاً، ثم عودتي إلى الوطن بعد انقضاء الدراسة الجامعية الأولى في الخارج. ولكن يوم عانقت الوطن الذي عصف بي الحنين إليه طوال أربع سنوات، افتقدت الحبيبة. وقد هزتني تجربة الفقد هذه هزاً عنيفاً في العمق إلا أنني لم أسقط على الأرض أو أذهب إلى الهاوية من امحاء العاطفة الخاصة، فقد تعلقت بحب الوطن وتمسكت بنخلته الفارعة المزروعة في قلبي مع الحبيبة.
وصحيح أن أي حب في حياتنا لا ينسى ولكن يصبح ذكرى أو جزءاً من حياتنا غير فاعل أو مؤثر فيها إلى حد أن يكون معرقلاً لاستمرارها الطبيعي. وللوعي هنا دوره في عملية العلاج. ولا حاجة للذكرى الجميلة، مهما كانت نهايتها دراماتيكية، أن تكون في عداد الأموات، إلا إذا كانت درجة الألم في تلك النهاية أكبر من احتمالها، أو احتمال تذكرها.
مع د. الهادي الطرابلسي من تونس والشاعر العراقي علي جعفر العلاق
اشتعالات الروح
* كتب قاسم حداد (لن تراني مثلما أراك، فليست الرؤية في العين، الرؤية في القاف، ولن تشهدني مثلما أشهدك فليست الشهادة في النجاة، الشهادة في التهلكة، ولن تضعني على الجرح مثلما أضعك، فليس البلسم في التعديل، البلسم في الجرح).. ألديك جرح ترى فيه مالا يراه الآخرون؟ أتخشى على نفسك من اشتعالات الروح حينما تضعف؟ ما الذي أشعل روحك حتى بكيت؟
- تعودت أن أداوي جروحي بنفسي بعمليات التعليل والتحليل، أي أعالج انكسار العاطفة بصحوة العقل وأضمد جروحي أو جراحي بضماد التفكير، كما أحد من وطأة ثقل الألم بتحفيز طاقة الأمل، خاصة حين يقع الجرح على حافة اشتعالات الروح وتراوح درجة التحمل بين طرفين حرجين،أما اشتعالات الروح عند الضعف فأمر طبيعي للدفاع عن عدم سقوطها النهائي. ولم أتعرض إلى هذه التجربة على نحو واضح وفاضح إلا مرتين حسبما أتذكر: مرة حين رحلت أمي إلى عالم الأبدية. ومرة حين افتقدت أبي، أي حين صرت يتيماً لأول وهلة، ولم أجد غير البكاء يشعل روحي الضعيفة المنطفئة بحالة الفقد القاسية.
في كرمة ابن هاني مع تمثال أحمد شوقي
الصراع
* بين ال "نعم" وبين "اللا".. مسافة صغيرة، وبعدٌ قد يغير من مسارات حياة.. متى اضطررت أن تقول "نعم"؟ ومتى تصر على أن تقول "لا"؟
- بين (نعم) و(لا)، أي في هذه المسافة المضغوطة بين القبول والرفض، تدور آلة الحياة لتنتج نسيجها القائم على الصراع الذي يدفع خطى البشرية على طريق التطور، انطلاقاً من أصغر نقطة فيها متمثلة في حياة الفرد وانتهاء بالتجربة الاجتماعية الكبرى ونظرة الإنسان فيها إلى الكون، لذلك يمثل انتقالي بين الرفض والقبول انتقالاً سهلاً من الناحية العملية التي تخضع عندي إلى التفكير المنطقي عبر آلية الحوار أو الأخذ والعطاء وهذا ما يجعل النعم واللاء وجهين لعملة واحدة تقلبها عملية الحوار المنطقي دون تعصب لواحد من الوجهين أما متى أضطر لقول (نعم) فحين تقتضي المصلحة الخاصة أو العامة. وأصر على قول نقيضها حين ينتج عنها ضرر فادح لأحد.
مخاوف
* كتبت (دمي أيقونة جمدها الخوف، على تاج من الأسمنت صعب أن أرى، صعب دمي فوق المرآيا).. حينما تمنح المرايا ملامح وجهك.. أي خوف تلمحه فيه؟ أتلتقي بمخاوفك في عزلتك؟ أم أنك تغلق النوافذ عليها وتصمت؟
- عادة لا أتوغل في المرآة عميقاً إلا أثناء الكتابة الإبداعية لذلك لا أحدق في وجهي طويلاً في المرآة إلا لأغراض عملية عارضة لا أغراض نفسية فاحصة ومتفحصة. وفي عزلتي مع هذه المرآة الإبداعية التقي بكل عواطفي ومخاوفي حيث أغلق عليها نوافذ العزلة الواقعية وأجعلها تطل بملامحها من خلال نوافذ القصيدة. لذلك كانت الصعوبة القاسية التي منعتني من التحديق في المرآة لكي أرى وجهي حين كانت المرايا أمامي ملطخة بدمي: صعب أن أرى.. صعب: دمي فوق المرايا.
الصراع
* أتحب أن تتكلم مع "علوي الهاشمي"؟ أيسمعك بقلبه أم بعقله؟ كيف شكل الصراعات بينكما؟ وعلى ماذا تختلفان؟
- هناك مستويان من الحوار الداخلي الذي يجري بيني وبيني. الأول يكون بصوت مرتفع أكاد أسمعه وأنطق به، وقد أفعل ذلك أحياناً.وذلك عندي هو الحوار الذي يساعدني على مراجعة خارطتي الفكرية والثقافية. والثاني يكون بصوت هامس أو يدور في غياهب الصمت المطبق حيث يتحول الصمت إلى صراخ داخلي يصم آذان القلب ويفزع طائر الروح، وغالباً ما يعبر عن نفسه في قصيدة. وذلك عندي هو الحوار النفسي العميق الذي يعيد تشكيل خارطتي العاطفية.
أما شكل الصراعات عندي فيتمثل في مساحات التصادم بين خط الفكر وخط العاطفة. فقد يمنعني الخوف مثلاً من اتخاذ موقف أراه صائباً. وقد اندفع بتهور إلى اتخاذ موقف أو تبني قضية أشعر في أعماقي أنهما خاسران. وقد أقع في حب شر أو أتمنع عن فعل خير ظننته شراً. وهنا تقع أكثر مناطق الخلاف والاختلاف غالباً، بيني وبيني: قلبي وعقلي.
رسائل خائفة
* نكتب رسائل نأتي بها من أعماقنا.. نكتبها لمن كان مكانه بالروح. نكتب فيها كل شيء، ماحدث ومالم يحدث.. ثم في آخر اللحظات وقبل أن نودعها صندوق البريد. نمزقها.. أكتبت - يوما - رسائل حملت كل روائح أعماقك ثم في آخر لحظة مزقتها؟ لماذا هناك رسائل تكتب ولا ترسل؟
- الكلمة التي أكتبها، خاصة إذا تخللتها روح من الإبداع لا أمزقها على الإطلاق فهي جزء مني مثل أي عضو من أعضاء جسمي، لذلك لم أجرؤ على تمزيق أية رسالة كتبتها مهما كانت الظروف التي تستدعي ذلك. على فكرة: كثير من قصائدي هي في الأصل مجرد رسائل حميمة وكتبتها لأناس أعزاء على قلبي. وهذا هو المستوى الوحيد الذي أتعامل به مع قصائدي/أعني رسائلي: تتصاعد عندي كالغيم لتهطل علي بمطرها الشعري المعجون بروحي ودمي، فكيف أمزق روحي ودمي؟!
إن جميع الرسائل التي كتبتها قبل الزواج مثلاً، وهي رسائل طويلة جداً تصل كل رسالة منها إلى تغطية دفتر رسائل كامل، ما زالت في الحفظ والصون وبعلم الزوجة التي تحرص عليها أكثر مني. فقد ترى هذه الرسائل بصيصاً من النور ذات يوم. من يدري؟ أما الرسائل التي تكتب فلا ترى النور فهي الرسائل الخائفة أو الميتة التي لا تستحق هذه الصفة.
وضوح
* ماهو السر الذي لم تقله يوما لأحد؟
- لا أعرف في حياتي سراً من هذا النوع إلا ما لا يفهمه الآخرون أو يدركونه عني أو عن شعري، فذلك ما لا أشرحه أو أكرر قوله مرتين، فقد يتوارى ويبقى سراً في نظر هذا البعض من الناس. ولست عن ذلك بمسؤول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.