وقد توصلت دراسة للمؤرخ الأمريكي دونالد ب. ردفورد، في كتابه "مصر وكنعان وإسرائيل في التاريخ القديم" (2005) عن ال"هيكسوس"، إلى طرح تواجد العنصر السامي – الآسيوي في بلاج النيل سابق لتواجد ال"هيكسوس"، والإطاحة بمقولة مانيتون –التي نناقشها لاحقاً- في اعتبارين: - في أن الهجرات بصورة مجتمعية جماعية متمدنة سلفاً. - في أن التمكين من السلطة بسلمية المغالبة والأكثرية. واستنتج بأنه يمكن التصديق بأن "سكان شرق الدلتا الآسيويين قد تزايدوا بمرور الزمن حتى أصبحوا أكثر عدداً من السكان المصريين الأصليين" (ردفورد، 2005، 96-97)، أي أن هناك من بلاد الرافدين وصحراء سورية وغرب الجزيرة من سكنها قبل "حكام البلاد الأجنبية" بحسب مانيتون، ويمد المؤرخ فرضيته نحو أقوام أخرى فإنه كان في بلاد النيل إغريق قبل عصر البطالمة، وعرب أسماهم المؤرخ المقريزي "أعقاب سبأ" قبل القرن السابع حيث نزلوها، وانجليز قبل تل الكبير، ويرى المؤرخ الأمريكي بأن الصعود إلى الحكم السياسي لا يمكن أن يكون بغزو عسكري فقط بل يواكبه "اقتصاد القادمين الجدد" (ردفورد،2005، 97). وما يتصل بهذا البحث تسمية شعوب في الذاكرة الحضارية للجزيرة العربية ومصر: "هيكسوس" و"عماليق"، ولا بد من التنبه إلى أنهما ليستا كلمتين بل عبارة إسنادية في كل واحدة منهما. على هذا النحو (هيك/سوس) و(عم ماليق). ولا بد من توقع حالات التبادل الصوتي أو التحريف الصوتي – ربما – بين حروف متشابهة المخارج أو متقاربة (ك/ج، ه/ء، ق/ ك). قد تبدو الثانية (العماليق/العمالقة) مألوفة جداً للذاكرة العربية في موروثها الثقافي المختزن في صوره التاريخية والأسطورية حيث ذكرها الراوية اليمني عبيد بن شرية الجرهمي (679 م) في سردياته القصصية أمام الخليفة معاوية بن أبي سفيان الذي بدوره أشار إلى الكتبة تدوينها فوضعت باسم "أخبار عبيد بن شرية الجرهمي في أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها" ملحقة بكتاب "التيجان في ملوك حمير" لوهب بن منبه (728 م) بينما الأولى (هكسوس) محيرة جداً في ذاكرة المدونات المصرية عند المؤرخ المصري مانيتون (300 ق.م) كما نقله المؤرخ جوزيفوس (37-93 م) في كتابه "ضد إيبو"، وهو كتاب حجاجي للدفاع عن اليهودية في مناظرة مع كاتب من بلاد النيل. يرد مصطلح"العماليق" في مدونات المؤرخين العرب في حالة تمجيدية، وهي استراتيجية "التنسيب الحضاري"، بين "أحفاد إسماعيل" وأجدادهم الغابرين أو "العرب البائدة" (زيدان، 1908، 54) بينما يرد مصطلح "الهيكسوس" عند المؤرخ المصري مانيتون بوصفهم "من الأشقياء وأهل السلب ويحتقرونهم لكنهم يخافونهم" (زيدان، 1908، 55). إن الخوف منهم اعتراف بسلطتهم الزمانية والمكانية.. وقد أشار المؤرخ الأمريكي إلى فرضية التوهم عند المؤرخ مانيتون، لفارق عصره عن ال"هيكسوس، وانعدام ما يؤكد سرديته من الألواح الطينية وورق البردي والصور المنقوشة، فيرى أن" الغزوات المتلاحقة، الشديدة التدمير كلها من الآشوريين (671-66-663 ق.م)، والبابليين (600، 567 ق. م)، والفرس (525 – 434 ق.م) قد أدت إلى خلق إدراك ويقظة لتوقع ظهور المدمر بشكل مفاجئ من جهة الشمال على شكل جيش منتصر!" (ردفورد،2005، 69). إذا عرفنا أول محاولة لفك الإطار اللغوي للكلمتين: (هيكسوس= الملوك الرعاة) فإن مفردة (هيك) تعني بالمصرية المقدسة أو الهيروغليفية (ملك) ومفردة (سوس) تعني باليونانية الدارجة (رعاة) برغم أنه مع تقادم التاريخ صار يطلق على هؤلاء (آمو) (فليكوفسكي، 2002، 100)، والثانية (شعب/قوم ماليق) ففي مفردة (عم) تعني شعب بالعبرية ومفردة (ماليق) هي مسمى قبيلة أو شعب (زيدان، 1908، 54)، وللعبارتين انتماء حضاري مختلف ما بين الثقافة البابلية والمصرية مما يحتم تعدد التكوين اللغوي اليوناني والمصري والآرامي. لكن يشير المؤرخ جوزيفوس في كتابه "حروب اليهود" إلى أن هؤلاء شعب ال"هيكسوس" هم عرب" (زيدان، 1908،78).