الجيش الأمريكي: الحوثيون أطلقوا صواريخ وطائرات مسيرة    الأخضر يواصل استعداداته لمواجهتي باكستان والأردن    ولي العهد يتوج فريق الهلال بكأس خادم الحرمين الشريفين للموسم الرياضي 2023 – 2024    الإعلان عن إطلاق معرض جدة للتصميم الداخلي والأثاث    مدينة الحجاج "بحالة عمار" تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    الاتحاد الأوروبي يرحب بمقترح "واقعي" لوقف النار في غزة    الأمم المتحدة تحذر من خطر تعرض ملايين السودانيين للمجاعة    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    أسعار النفط تتراجع قبيل اجتماع "أوبك+"    200 دولة في العالم و66 قناة تلفزيونية نقلت نهائي كأس الملك    جمعية لياقة تستقبل وفد سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بعرعر    سفير المملكة لدى اليابان: العلاقات السعودية اليابانية خلال السبعين السنة القادمة ستكون أكثر أهمية    جامعة الطائف تقفز 300 مرتبة في تصنيف RUR العالمي    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يطلق خدمة (المرشد التوعوي الرقمي)    استقبال الحجاج عبر منفذ البطحاء بالمنطقة الشرقية    انجاز جديد لميتروفيتش بعد هدفه في كأس الملك    بمتابعة وإشراف أمير تبوك.. مدينة الحجاج ب«حالة عمار» تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    ركلات الترجيح تمنح الهلال لقب كأس الملك على حساب النصر    بونو يُبكّي رونالدو بْزَّاف    موعد مباراة ريال مدريد وبورسيا دورتموند اليوم في نهائي دوري أبطال أوروبا    "أرامكو" ضمن أكثر 100 شركة تأثيراً في العالم    رصد 8.9 ألف إعلان عقاري مخالف بمايو    تدريب 45 شاباً وفتاة على الحِرَف التراثية بالقطيف    الإبراهيم يبحث بإيطاليا فرص الاستثمار بالمملكة    "كروم" يتيح التصفح بطريقة صورة داخل صورة    ضبط مقيمين من الجنسية المصرية بمكة لترويجهما حملة حج وهمية بغرض النصب والاحتيال    اختتام ناجح للمعرض السعودي الدولي لمستلزمات الإعاقة والتأهيل 2024    ثانوية «ابن حزم» تحتفل بخريجيها    ترمب: محاكمتي في نيويورك «الأكثر جنوناً»    ضبط مواطنين في حائل لترويجهما مادة الحشيش المخدر وأقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوم بزيارة تفقدية    مشرف «سلمان للإغاثة»: 129 مليار دولار حجم المساعدات السعودية ل169 دولة في 28 عاماً    وكيل إمارة حائل يرأس اجتماع متابعة مكافحة سوسة النخيل الحمراء    خلافات أمريكية - صينية حول تايوان    «الجمارك»: إحباط تهريب 6.51 مليون حبة كبتاغون في منفذ البطحاء    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والنبوي    رياح مثيرة للأتربة والغبار على مكة والمدينة    5 مبتعثات يتميّزن علمياً بجامعات النخبة    وزير الداخلية يدشن مشاريع أمنية بعسير    "سامسونغ" تستعد لطرح أول خاتم ذكي    ترقية 1699 فرداً من منسوبي "الجوازات"    المملكة ضيف شرف معرض بكين للكتاب    توجيه أئمة الحرمين بتقليل التلاوة ب"الحج"    أطعمة تساعدك على تأخير شيخوخة الدماغ    الرياضة المسائية أفضل صحياً لمرضى للسمنة    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    الخريف لمبتعثي هولندا: تنمية القدرات البشرية لمواكبة وظائف المستقبل    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    «الدراسات الأدبية» من التقويم المستمر إلى الاختبار النهائي !    كيف تصبح زراعة الشوكولاتة داعمة للاستدامة ؟    5 أطعمة غنية بالكربوهيدرات    المملكة تستضيف الاجتماع السنوي ال13 لمجلس البحوث العالمي العام القادم    كيف نحقق السعادة ؟    المعنى في «بطن» الكاتب !    تشجيع المتضررين لرفع قضايا ضد الشركات العالمية    عبدالعزيز بن سعود يلتقي عدداً من المواطنين من أهالي عسير    أمير القصيم يكرم 7 فائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تقتل..!
«الرياض» تنشد وعياً مجتمعياً للتخلي عن مظاهر العنف والانتقام و«تصفية الحسابات الشخصية»
نشر في الرياض يوم 15 - 08 - 2013

يعدّ القتل من أبشع وأنكر الجرائم التي ترتكب ضد المسلم، ويكفي وعيد الله-عز وجل- مرتكبها بخمس عقوبات في قوله تعالى: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"، ومما يؤسف عليه حقاً في الآونة الأخيرة انتشار قضايا القتل -خاصة بين أوساط الشباب- لأسباب واهية وتافهة، لا ترتقي إلى استخدام القوة والسلاح، فقد يرتكب القاتل جريمة من أجل مبلغ زهيد، أو شريحة جوال، أو مجرد مشادة كلامية، أو "سباق سيارات"، ثم يستخدم السلاح وتزهق النفس البريئة. وقد شخص عددٌ من الباحثين الذين استضفناهم في هذا التحقيق على ما يحدث في مجتمعنا، وعددوا الحلول الكفيلة لاجتثاث هذه المشكلة، أو على الأقل الحد منها، كما تطرق البعض إلى التغيرات السريعة التي حدثت في مجتمعنا والثورة الإعلامية الهائلة التي انتشرت من خلال المحطات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة؛ مما آثار سلبيات يصعب تغييرها، وتكمن المسؤولية على الأسرة للعمل على توجيه أفرادها، والافادة من التقنية الإعلامية بما يفيد الفرد والمجتمع، والبعد عما يعكر صفو المجتمع، ويبث فيه سلوكاً سلبياً غير سوي.
إزهاق الأرواح ليس انتصاراً للذات وإنما «عقوبة» و«إذلال» للنفس بحثاً عن العفو ولو بملايين الريالات
أمراض اجتماعية
وإذا لم تتم معالجة الأمر وتطبيق الحلول العملية التي تهدف إلى الحد من هذه الجرائم فإنّ الوضع قد يتفاقم؛ لأنّ الواضح أنّ هناك توسعاً في الانفتاح غير المسؤول؛ نتيجة ما ترتب على عمليات التغيير وبناء المجتمع واحتياجاته العصرية، وهو ما دفع به مثلاً إلى استقطاب القوى العاملة الوافدة، والتي قد تكون أحد مسببات الجريمة؛ لأنّها تأتي محملة بتراث مجتمعاتها، وقد تنقل بعض السلوكيات الاجتماعية السلبية، وتوطنها داخل مجتمعنا، وبذلك فإنّ مجتمعنا وجد نفسه بين عمالة أجنبية، ومحطات فضائية، وزاد في ذلك ضعف الوازع الديني، وهو الأساس في كل أمر، وبدأت تتفاعل هذه العناصر، وتخرج أفعالاً غير معروفة في المجتمع، ونأمل أن لا تزيد هذه الأمور السيئة عاماً بعد آخر، لذلك لابد من صحوة فاعلة وجهود متواصلة، بدءاً من الأسرة، ثم المجتمع، ثم المدرسة، وبالتالي الجهات المسؤولة، للحد من ذلك، وإيجاد حلول لتعديل السلبيات، ولعل من أهمها النظر في المناهج الدراسية، والتوعية الإعلامية المكثفة؛ مما يساهم في تحصين المجتمع على مختلف فئاته، بدءاً من غرس الوازع الديني بشكل مكثف في الناشئة، حتى نجد جيلاً يهتم بالحفاظ على دينه، وقيمه، وعاداته الأصيلة في مجتمعنا المحافظ.
وعيد رباني شديد لمن قتل نفساً متعمداً والعبرة بالوعي وأخذ الحق ب«النظام»
جريمة بلا وعي
وذكر اللواء "مسلم الرحيلي" -نائب مدير شرطة منطقة مكة المكرمة- أنّ تزايد جرائم القتل يحتاج إلى الكثير من الدراسة المتعمقة والمتخصصة، لتحديد وضعها الحالي والنظرة المستقبلية، يجريها متخصصون في مختلف المجالات: الشريعة، الأمن، الاقتصاد، والمختصون في الرعاية الاجتماعية والنفسية، منوهاً بأنّ جريمة القتل ظهرت منذ فجر التاريخ، حينما أقدم "قابيل" على قتل أخيه بدافع الغيرة والحسد، واستمرت هذه الجريمة في المجتمعات لظروف وأسباب مختلفة، معتبراً أنّ جرائم القتل وإن تزايدت إلاّ أنّها لا تزال دون الظاهرة، موضحاً أنّها مرهونة غالباً بالضابط الذاتي، والدين، والتنظيم المجتمعي الذي يعيشه الفرد، مستدركاً: "نحن ندرك أنّ الجريمة موجودة في أي مجتمع، وبلادنا ولله الحمد تتميز بتطبيق شرع الله في كل كبيرة وصغيرة، وتعتمد النهج الإسلامي القويم، وبذلك نحن أكثر تماسكاً وأقل جريمة". وقال إن التوجيه الأسري للأبناء يعتمد على إبراز عملية التفاعل الاجتماعي مع الآخرين بالحوار وليس بالقوة، مطالباً المؤسسات التربوية التركيز على غرس السلوك القويم لدى الناشئة، والتحذير من ما يعكر أمن الوطن والمجتمع، مضيفاً: "الحاجة تدعونا إلى الوقاية والتي تبدأ من الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، وجميع نواحي الحياة، وتتناول الوقاية بشكل عام كل ما يتعلق بتطوير المجتمع، وتحسين ظروفه المعيشية، ورفع المستويات الدينية، والثقافية، والصحية، والتعليمية، والأخلاقية، والاقتصادية، وهناك وقاية للتعامل مع فئات الأشخاص المعرضين للانحراف، بمعالجة أسباب انحرافهم وسلوكهم قبل تفاقم مشكلتهم". وأضاف أنّ المجتمع يتميز بتماسك اجتماعي، ومستوى عالٍ من التدين، وتنشئة إسلامية صالحة لأفراده؛ مما يساهم في تقليل الظواهر السلبية بشكل عام إن تم الرجوع إليها، مضيفاً: "هناك عوامل كثيرة تساهم في خلق أي شيء غريب وجديد، منها: التنمية والتطور السريع، وانفتاح المجتمع على المجتمعات الأخرى عبر الوسائل ووسائط التقنية المختلفة، والثقافات الوافدة من خلال العمالة، فظهر القبول الاجتماعي لدينا بكل جديد، وانعكس عليه ضعف الصلة بالموروثات الاجتماعية المحدد للسلوك القويم، إلاّ أنّ أهم العوامل في انتشار الظواهر السلبية: ضعف الصلة بالدين، والبعد عن مفهومه الحقيقي، حيث انّ البعض بدأ في تقليد الكثير من التصرفات غير المسؤولة، ومن ذلك الإقدام على القتل، سواء كان بالانتحار، أو قتل المسلم لغيره".
أفلام «الأكشن» زادت من الجريمة و«النت» فتح باباً لمشاهدة عمليات التنفيذ..
حياة كريمة
وقال الشيخ "د.أحمد بن موسى السهلي" -رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الطائف-: "لقد كرّم الله -سبحانه وتعالى- الإنسان وخلقه بيده ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وسخر له ما في السموات والأرض جميعاً منه، واستخلفه في الأرض، وزوده بالقوى والمواهب ليسود الأرض، ويصل إلى أقصى ما قدر له من كمال مادي وارتقاء روحي، ولا يمكن أن يصل إلى هذه إلاّ إذا توفر له حق الحياة الكريمة، وقد خطب رسول الله في حجة الوداع فقال: (إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألاّ هل بلغت اللهم اشهد، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، وهذا دليل واضح على أن مِن أعظم الحرمات عند الله سبحانه وتعالى قتل المسلم بغير حق، وقد وردت النصوص الكثيرة من كتاب الله -عز وجل- منها قول الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، وللأسف الشديد فإنّ التساهل بالدماء قد زاد، رغم أنّ قتل المسلم معاناة كبيرة وأذى شديد تشتكي منه الكثير من الدول، ولكن تبقى بلاد الحرمين على ما فيها من حوادث قتل هي الأقل نسبة على مستوى العالم، وذلك بسبب تحكيم الشريعة الإسلامية، وتطبيق الحدود الشرعية في القتل؛ مما كان له الأثر الواضح في انخفاض نسبة جرائم القتل مقارنة بغيرها من الدول".
لا تحمل سلاحاً تهدد أو تستعرض تخلفك أمام الآخرين..وتنتهي إلى القصاص!
أسباب القتل
وأضاف "د.السهلي": "من أسباب انتشار جرائم القتل ضعف الإيمان بالله تعالى وقلة الوازع الديني، والتفكك الأسري، حيث انّ الأسرة هي البيئة الطبيعية التي تتعهد الطفل بالتربية، وهي أول خلية في تكوين البنيان الاجتماعي، وأساس الاستقرار في الحياة الاجتماعية، ومصدر للعادات، والتقاليد، والعرف، وكافة قواعد السلوك والآداب العامة، بالإضافة إلى رفقة السوء، وهي من أهم الأسباب التي تدفع الفرد إلى ارتكاب الأفعال الإجرامية، فالفرد يتأثر سريعاً بأصدقائه ورفاقه ويكتسب عاداتهم وسلوكياتهم، إلى جانب البحث عن الثأر، والذي يعد من أسوأ الظواهر وأخطرها؛ لأنّها إذا تفشَّت في مجتمع أوردت أهله موارد الهلاك، فهي تفتح أبواب الشر، وتحوّل حياة الناس إلى صراعات لا تنتهي، وذلك بسبب رواسب الحقد والضغائن، وحب التشفِّي والانتقام من الآخر، وتوريث ذلك للأبناء والأحفاد؛ مما يعد مخالفة صريحة لتعاليم الإسلام التي تنهي عن ذلك".
استعراض الشباب بحمل السلاح ينتهي حتماً إلى جريمة القتل
لا تغضب!
وأشار "د.السهلي" إلى أنّ الغضب من أهم أسباب القتل، ولذا حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعا إلى قطع أسبابه وبين سبل علاجه، فعن أبي هريرة: "أنّ رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أوصني، فقال: لا تغضب، فردد مراراً: لا تغضب"، وفي رواية أحمد وابن حبان: "ففكرت حين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله، إلى جانب الحسد، الذي كان السبب في قصة ابني آدم -عليه السلام-، بالإضافة إلى تعاطي المخدرات والمسكرات، التي تؤدي بصاحبها إلى ارتكاب جريمة القتل، وذلك بسبب ذهاب عقله، فهو لا يعقل، ولا يعلم، ولا يعي أفعاله، ولا يدري بتصرفاته، كما أنّ انتشار بعض الأنماط السلوكية المنحرفة عن طريق وسائل الإعلام والقنوات الفضائية ساهم في تزايد ارتكاب الجرائم.
جريمة القتل بشعة وحسابها عند الله عسير
مظاهر سيئة
وطالب "د.السهلي" العلماء والدعاة والمشايخ ببيان حرمة دم المسلم، وخطورة قتله، في كل مناسبة عموماً، وفي خطب الجمعة خصوصاً؛ لما لها من أثر في بيان حقوق الله تعالى وحقوق المسلمين بعضهم على بعضهم وحرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم والتعدي عليهم، مشدداً على أهمية صلة الأرحام، وسلامة القلوب، والتسامح، والعفو، والصفح، والتآلف، والتآخي، والمحبة، وأثر ذلك في سلامة المجتمع من آثار المظاهر السيئة، منوهاً بضرورة إجراء دراسات مسحية، وبحوث اجتماعية للأماكن التي تكثر بها جرائم القتل، بالتعاون مع جهات علمية وأكاديمية متخصصة، لمعرفة الأسباب المؤدية لانتشار القتل والتهاون بالدماء، والعمل على علاجها وتلافيها وتقليلها قدر الإمكان، إلى جانب تنظيم الفعاليات الإرشادية والتوجيهية لجميع فئات المجتمع، للتأكيد على أخوة الدين وحقوق المسلم واحترامه، ودعم الجمعيات والجهات الخيرية، وتسهيل أعمالها التوعوية والإرشادية والتوجيهية، مؤكّداً على أهمية اختيار أشخاص مناسبين لإدارة الدوائر الحكومية في المناطق التي يكثر بها القتل، ممن لديهم القدرة على استيعاب الأهالي، وتوجيههم، وحل مشاكلهم، وتقريب وجهات نظرهم.
قاتل في السجن يذل نفسه وأسرته بحثاً
وعيد شديد
وأكّد "د.عبدالله صالح الزير" -رئيس قسم الشريعة بجامعة الطائف- على أنّ من الظواهر الخطيرة التي ظهرت في أوساط كثير من الناس -خاصة فئة الشباب- تعمد القتل، حتى أصبحت تقض كيان المجتمع بأسره، بل لم تعد تقتصر تلك الحوادث على قتل الغرباء عن القاتل، بل أصبحنا نسمع عمن يقتل أباه، وأمه، وأخته، وأخاه، وابن عمه، وزوج أخته، ووالد زوجته، وغيرهم من الأقارب، معتبراً أنّ ضعف الوازع الديني من أهم الأسباب المؤدية إلى ذلك، فعندما يضعف جانب الإيمان بالله في نفس الإنسان ويهتز جانب علاقته بالله -جل وعلا- فحينئذ يسهل عليه ارتكاب هذه الجريمة؛ لأنّ المؤمن القوي الصلة بالله لا يمكن أن يفكر في الإقدام على هذه الجريمة، فضلاً عن ارتكابها وهو يتذكر الوعيد الشديد لمن قتل غيره في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فالله -جلا وعلا- يقول: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم).
التجمعات الشبابية «الدرباوية نموذجاً» زادت من ارتكاب جرائم القتل
ضبط النفس
ولفت "د.الزير" إلى أنّ كثيرا من جرائم القتل يكون الدافع لها الغضب وفقد السيطرة على النفس ساعة الخصومة والجدال مع الغير، فيخرج الإنسان من رشده وعقله بسبب الغضب، فتقع منه هذه الجريمة المنكرة، فالغضب يفضي إلى فقد السيطرة على تصرفات الشخص؛ مما يسهل عليه ارتكاب أي جريمة، منوهاً بأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بيّن بأنّ الرجل الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب ويملك مهارة ضبط النفس مهما كانت شدة الموقف، مشدداً على أهمية توعية المجتمع بخطورة الغضب، وتدريبهم على مهارة ضبط النفس، حتى نقلل من الآثار السلبية على الأفراد والمجتمع، مضيفاً: "قد يكون لبعض الأعراف والعادات أثر كبير في ارتكاب بعض أفراد المجتمع لهذه الجريمة طلباً للثأر وانتصاراً للكرامة؛ فيقتل بسبب جريمة قتل واحدة أكثر من واحد، فيؤدي ذلك إلى تفاقم المشكلة وتزايد إزهاق الأنفس وإسالة الدماء، ولاشك أنّ هناك رسالة كبيرة وعظيمة على العقلاء والمثقفين من أفراد المجتمع من جهة والعلماء من جهة أخرى في تغيير هذه الأعراف والعادات الباطلة".
جانٍ يمثل جريمته بعد أن أطلق النار من سلاح رشاش
أفلام العنف
واعتبر "د.الزير" أنّ الإدمان على مشاهدة أفلام العنف من الأسباب التي تحتل قيمة مهمة في وقوع هذه الجريمة، حيث انّها تولد في نفس المشاهد الرغبة في المحاكاة والتقليد، خاصةً لدى فئة الشباب، موضحاً أنّ كثيراً من جرائم القتل -خاصة صغار السن- يكون من أبرز دوافعها هذه المشاهدات، مطالباً بتحذير الشباب وغيرهم من مشاهدة هذه الأفلام، وحملهم على الأمور التي تعزز الجوانب الخيرة في نفوسهم، مضيفاً: "المروج للمخدرات والمتعاطي لها يضحي بكل شيء في سبيل ذلك، حتى ولو أدى إلى القتل، فالمروجون عادة ما يحملون السلاح معهم لحماية أنفسهم، والمتعاطي عندما تستنزف أمواله يبحث عن المال، وقد يدفعه ذلك إلى القتل والسرقة للحصول على المال، ومن هنا كان إلزاماً مكافحة المخدرات، التي أصبحت سبباً في ضياع الإنسان، والأموال، والأعراض، والدين".
شرع وتشريع
وشدد "عيسى القصير" -باحث وكاتب- على أنّ الإسلام حرم قتل الحيوانات والطيور أو إيذاءها، فلا يجوز قتل أكثر مما تحتاجه من الحيوانات والطيور، ولا اتخاذها هدفاً لتعليم الرماية أو لمجرد التسلية والترفيه، وقد ورد أنّ هذه الحيوانات المقتولة بغير منفعة تجادل قاتلها يوم القيامة عند رب العالمين، كما أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن اتخاذ الطيور والحيوانات غرضاً، وقد غضب عليه السلام حينما رأى طائر الحمرة مفجوعاً بفراخه، وأمر برد الفراخ إليها، وأوقف الجيش حتى ردت وسكنت، وقد غضب -صلى الله عليه وسلم- على رجل في المدينة كان يتعب جمله ويجيعه، وأمر بتقوى الله فيه، مضيفاً: "إذا كان هذا الأمر في الحيوانات والطيور، فما بالنا بحق الإنسان الذي كرمه الله على سائر المخلوقات، وكرمه بالعقل، وأنزل من الشرع والتشريع لحفظ حياته، فروح الإنسان أمرها عظيم وهي غالية وليست ملكاً، وإنما هي لله -عز وجل- فحتى الإنسان لا يجوز له أن يتصرف بروحه، فحرام أن يقتل الإنسان نفسه بالانتحار، فقال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم)".
لماذا تقتله؟
وأوضح "القصير" أنّ النفس البشرية بفطرتها تحب الحياة وتكره الموت، وتتخذ الأسباب الواقية منه، فمن قتل مسلماً مع هذه المعرفة بهذه العقوبات في الدنيا والآخرة فهو إنسان متحجر القلب، منزوع الرحمة، فاقد الإنسانية، لا يستحق البقاء على الأرض؛ لأنّه يمثل خطراً على الحياة والأحياء، وبذلك قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، مضيفاً: "أعتقد أنّ القتل لا يصدر من مسلم سوي في دينه، وعقله، ونفسيته، فمن يقتل لابد أن يكون لديه اختلال في أحد هذه الأمور، وإلاّ كيف يقدم الإنسان على قتل أخيه وهو يعلم أن الإسلام حرم غيبة المسلم أو نميمته، وحرم ترويع المسلم وإخافته، وحرم مجرد الإشارة عليه بتخويفه بتهديده بالسلاح؟، كما أنّ القتل بحق لا يملكه إلاّ ولي الأمر، فهو من له أمر القصاص، ولا يجوز لأحد أن يأخذ حقه الشرعي بنفسه؛ لما في ذلك من إفساد وإراقة الدماء، وتفشي الجريمة، وإخلال بالأمن وترويع المجتمع".
ابن معمر: الدوافع مادية وشخصية..والمخدرات الهاجس الأكبر!
قال الأستاذ «فهد بن عبدالعزيز بن معمر» -محافظ الطائف-: «نحمد الله أننا في مجتمعنا المحافظ نعتمد في كل كبيرة وصغيرة على حكم الشريعة الإسلامية السمحة، وتعاليم الدين القويم، مرتكزين على الكثير من القيم العريقة، ومبادئ الأخلاق، والتسامح، والنبل، والشهامة، المستمدة من الشرع الحنيف، ومن عاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة، وإن ظهرت جرائم القتل في الوقت الحاضر وبشكل أكثر، لكنها لم تصل إلى مستوى الظاهرة، حيث عرف الإنسان جريمة القتل منذ فجر التاريخ، فهي أول جريمة ارتكبت على الأرض، عندما قتل أحد ابني آدم -عليه السلام- أخاه، ومنذ ذلك الوقت وهذه الجريمة تتكرر بصور وأشكال ودوافع مختلفة، سواء القتل من أجل الثأر، أو من أجل السرقة وسلب الأموال، أو من أجل تحقيق مآرب أخرى، مثل: الإرهاب، وقتل الأبرياء لهدف معين».
وأضاف: «مهما تكون الأسباب فهي لا تبرر بحال من الأحوال القتل، وإن كان بعضها بأسباب أمراض نفسية، أو إشباع غريزة، أو استجابة لدوافع خاطئة، أو بدافع المخدرات، كما أن جريمة القتل أحياناً تحدث تحت وطأة الغضب الشديد؛ مما يجعل الشخص يفقد السيطرة على نفسه، والمؤسف حقاً أن تكون بعض الجرائم -خاصة في الوقت الحاضر- لأسباب واهية، أو من أجل أمور مادية رخيصة جداً، فترتكب الجريمة في حق نفس بريئة من أجل أتفه الأسباب، ولا يعي القاتل حجم جريمته حتى يجد نفسه خلف القضبان، وهناك قتل العمد وقتل الخطأ، ولا شك أنّ جميع صور وأنواع قتل العمد التي ترتكب ضد برئ غير مبررة شرعاً، وعرفاً، وممقوتة، وجزاء القاتل الخزي في الدنيا والآخرة».
وأشار إلى أنّ من الأسباب اختلاف الأنماط السلوكية المنحرفة، من خلال بعض وسائل الإعلام المتدنية، إضافةً إلى ضعف الوازع الديني؛ مما يسهم في زيادة السلوك العدواني وتفشيه، فيأتي القتل استجابة لدوافع ومثيرات قد تكون في مستوى أقل من العادي، لمن كان لديه التحصين الديني والثبات النفسي والاجتماعي، وقد تكون الأحوال المادية الصعبة من أسباب الجريمة، إلى جانب التفكك الأسري في بعض المجتمعات، الذي أدى إلى تفتيت المفاهيم والمبادئ الاجتماعية التي كانت تشكل سداً منيعاً ضد كثير من الأفعال التي ترتكب ضد أحد عناصر الأسرة؛ مما ساهم في ظهور جرائم قتل ضد الأقارب، معتبراً أنّ لتعاطي المخدرات دورا هاما في تفشي جريمة القتل لدى مجتمع المتعاطين والمروجين وأفراد المجتمع.
وقال إنّ من أبرز الحلول غرس الوازع الديني في النشء وتربيته التربية الإسلامية السليمة، وإعادة دور الأسرة، والمسجد، والحي، والجيران، والمدرسة، التي تعدّ أيضاً عاملاً مهماً لبناء النشء وتوجيهه بشكل سليم، وغرس مبادئ التسامح، والعفو، والصلح، والبعد عن الانفعالات الشيطانية، وإعادة التربية الاجتماعية والسلوكية؛ مما يسهم في إعادة التوازن دينياً، وثقافياً، ومعرفياً، لجميع أفراد المجتمع بشكل عام، ويمنعهم من الوقوع في هاوية الجريمة، مستدركاً: «نحمد الله في ظل حكومتنا الرشيدة التي تطبق حد القتل ضد كل من سولت نفسه قتل مسلم بريء، وهذا بلا شك سيجعل بلادنا -بإذن الله- أقل في نسبة الجريمة، مهما تعددت أسبابها ودوافعها ومؤثراتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.