من مرحلة التأسيس إلى البناء والتطوير، حين كانت المدينة مجموعة منازل صغيرة من اللبن، ومواطنون تسيطر عليهم الأمية، والكفاف، إلى المدن الهائلة التوسع بأحيائها وجامعاتها، ومصانعها، وآخر مستجدات الأسواق المركزية الهائلة، ومن الكتاتيب ومعلمي مراحل ما فوق الأمية، إلى جراحة فصل التوائم، والإنجازات العلمية والاقتصادية، والانفتاح على الحضارات، وتبادل المعارف مع مراكز الفكر والبحث العلمي العالمي، لم تكن المملكة طرفاً في اختراع حرب أو خلق نزاعات تتخذ منبر الإعلام، والأيدلوجيا أسلحة هجوم، وفي وقت كانت دول كثيرة أكثر غنى مالياً وثقافياً، وتقدماً، ثم أهدرت ذلك في المزايدات السياسية، والتبعية لجبهتي اليسار واليمين، كانت المملكة تستغل قيمة كل برميل نفط ليذهب للمدرسة والمستشفى، والطرق، وتأسيس مشروع المدينة، وحتى في تلك الحروب، وحالات الانفصام التي جندت وسائلها في حرب معلنة في تصنيف ساذج بين أصحاب المثل العليا في اليسار، والرجعيين من أثرياء (البترو - دولار)، كانت تنسج أقوال، واتهامات تتبعها أزمات أضاعت طريق القافلة العربية إلى متاهات الركض وراء السراب، وقد حاولت المملكة الخروج عن هذه المتاريس إلى مبدأ تأسيس التنمية بقنواتها المتعددة. الانتقال الذي جرى بين المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، وخادم الحرمين الملك عبدالله، جرت في ذلك العديد من التحليلات، وهو أمر طبيعي لبلد أعاد اختبار نفسه في هذه المرحلة الدقيقة، وكيف أن الجبهة العالمية بكل تنوعاتها واتجاهاتها، جاءت لتقدم التعازي، وتبارك الانتقال الطبيعي، وهناك من وصل في رأيه إلى الكيفية التي سيتعامل بها الملك عبدالله مع التحديات الكبيرة داخلية، بالاستمرار بالبناء وتحقيق الإصلاحات، وخارجية في الحرب على الإرهاب، وإعادة ترتيب علاقات المملكة بالعالم الخارجي، والحقيقة أن الملك عبدالله لم يكن خارج هذه الميادين منذ عدة سنوات، أو على هامشها، بل كان الفاعل الأساسي فيها، ومن يقرأ سلسلة الاجتماعات مع رؤساء دول العالم، ونشاطاته على الجبهة الفلسطينية، والسلام، ومنحنيات الظرف العراقي الراهن، وإعادة الاعتبار للعالم الإسلامي الذي لا يشكل الإرهاب وجهه الحقيقي، وحالات صعود أسعار النفط، وضرورة ضبطها حتى لا تحدث هزات اقتصادية عالمية، نجده محوراً في هذه التيارات كلها. من باب عدم التفاخر، فإن المملكة التي رهنت نفسها للهم العربي، ومحاولة إبعاده عن هبوب الرياح الساخنة، وأعاصير الشتاء السياسي القارس، واعتماد بنود معونات ومساعدات، والتكفل بتحمل تكاليف ضغط الظروف على أكثر من بلد عربي وإسلامي اقتصادياً ومالياً، فإن الذين ثمنوا هذا الموقف لدور المملكة، لم يكن ليجاملوها في مصابها أو أفراحها، لأن الحقيقة أكثر وضوحاً من التأويلات وقد ارتبط فعلها نتيجة خيار خاص، لا يرتبط بمزايدات أو مساومات، ولعلها، وهي القطب المحوري في المنطقة، لم تجعل أهدافها الخاصة فوق مصالح أمتها العربية، حتى أنها خسرت الكثير بسبب هذه المواقف، ويكفي أنها في حرب 1973، أو ما سميت بمعركة النفط، كانت بنفس الخندق الذي خاضته القوات العسكرية العربية، حتى أن تأثيرها على السوق العالمي، وإدارة الصراع بمفهوم توازن المصالح والقوى، وأنه لا يوجد قزم، وعملاق في تحديات المصير الواحد، أن سمّت بعض مراكز البحوث السياسية تلك المعركة ب «الحرب العالمية الثالثة».. المملكة جزء من حزام الأمة العربية والعالم الإسلامي، وثبات سياستها لا يقبل التشكيك أو الممالأة، وبهذا الظرف التاريخي، ليست لديها حسابات مجزأة، أو إجمالية فيما يتعلق بمبادئها، والملك عبدالله هو مَنْ خبرته هذه الأمة، أميناً على كلمته، وصادقاً في مواقفه، والتحدي الأكبر أن تكون هذه الأمة بمستوى التحديات الأعظم، في مواجهة عجزنا أن نصبح أمة متضامنة، تستطيع تفجير طاقاتها، وتضع نفسها في مواجهة الذات قبل أن تتكرس الهزيمة بشلل أبدي تموت فيه الأطراف والأدمغة.. في المشهد العام، وكيف كان العالم كله حاضراً في الرياض، نواجه بالسؤال الحقيقي، لماذا يحبوننا؟.. لأننا فقط صادقون مع أنفسنا، ومن يكون هذا هدفه يجد نفسه في موازين التكافؤ مع الآخرين في إنسانيته ومثله العليا..