تلتصق الشعوب بأرضها وتقف ذكراهم على أطلال ماضيهم وحنينهم لبقايا تاريخ وحضارة صنعوها بأيديهم، حيث يقترن المكان بعبق الماضي وحكاياته الجميلة بعد أن يجتمع أهالي الأرياف الغربية بمدينة بريدة المريدسية والجنوبية الصباخ وهوطان ليلتقي كبار السن مع صغارهم في المساجد في ليالي رمضان بروحانياتها التعبديّة البعيدة عن صخب المدينة، وتتجسد مساجد بريدة الطينية برائحة الطين والجص وخشب الأثل، والبساطة في تأثيث المسجد التي امتدّت سواعد الآباء والأجداد بتشكيلها لتبني مساجد وبيوتاً شامخة بقيت طيلة أكثر من مائة عام شاهدة على جيل كسر الصخر واختلطت يداه بالطين ليشكّل حضارة سابقة لتمتد وتتشكّل بصورة أجمل في وطن الازدهار والنمو. مسجد المبارك في اللمسات الأخيرة من الترميم منذ أن دخل الشهر الكريم أخذت المساجد الطينية تشهد زيادة ملحوظة في عدد المصلين من أجل أن يلتقط المصلّون أنفاسهم الإيمانية ويختارون الأرياف ومساجدها الطينية بلمساتها الأصيلة وصوت القارئ النقي بدون مكبرات الصوت، مدينة بريدة ذات الألف مأذنة أو تزيد يتوسطها الجامع الكبير (جامع خادم الحرمين الشريفين) والذي لا يعرف تاريخ تأسيسه على وجه التحديد ولكن ورد إعادة بنائه مرتين الأولى في سنة 1313ه والثانية في سنة 1359ه على يد الشيخ محمد بن عبد الله السليم وعدد من أهالي بريدة، وتورد المصادر أنه تأسس عام 1153ه، ولم يقم المسجد الثاني إلا في 1408ه، ولم يكن في بريدة سوى ستة مساجد فقط حينها وجميع مواد بنائها من الطين والحصى والجص. مسجد الضبيعي يكتظ بالمصلين وفي ليالي رمضان كبار السن يقصدون المساجد الطينية ليعودوا للماضي الجميل وليعيشوا من خلالها صفو شبابهم وبدايات حياتهم ويتخلصوا من مشاهد الحضارة التي لاتستهويهم بتقنياتها وسرعتها، ليبقى الحنين للماضي أقوى والعشق القديم أكثر جاذبية. "الرياض" التقت بعدد من مرتادي المساجد الطينية بعد صلاة التراويح حيث أكد علي بن محمد العرفج أن ارتياده لهذه المساجد بالتحديد ما هو إلا حنين للماضي الجميل والأجواء الروحانية التي أجدها هنا بعيداً عن أصوات السيارات وأزيز الإطارات، ويتحدث عن قطعه لمسافة 5كلم من شمال بريدة إلى جنوبها حيث المسجد وسط أشجار النخيل ونسيم الطبيعة الخضراء، وحيث لاصوت يعلو المكان غير آيات الله تتلى في عمق المزارع. مسجد الضبيعي والذي يقع في قلب مزارع النخيل الكثيفة جنوب بريدة "الصباخ" حيث تأسس عام 1276ه وأعيد بناؤه عام 1338ه على نفقة الشيخ محمد بن عبدالعزيز المديفر, مرّ المسجد بفترة هجر السكان المكان وانتقلوا إلى وسط المدينة وأهمل المسجد من عام 1400 إلى 1423 ه حيث تم إعادة تهيأته على نفقة المحسنين. صلاة التراويح بمسجد الضبيعي جنوب بريدة عبدالله الهبّيش أحد الشباب أكد على مداومته على صلاة التراويح في مسجد الضبيعي خلال ثلاث سنوات حيث أوضح أنه يسكن في شرق بريدة ويأتي يومياً في ليالي رمضان للصلاة والخشوع في العبادة لاكتساب المكان الهدوء التام وفي أجواء طبيعية هادئة, يتحدث الهبّيش عن ازدياد فئة الشباب من المصلّين والذي يؤكد أن العودة للأصل والبيئة الأصيلة هي مطلب الجميع مهما بلغت الحضارة من قوة في ثورتها. ناصر بن علي العضيبي إمام المسجد أكد أن ترميم المسجد مازال قائماً حيث تبقّى استكمال الخلوة والفرش والأبواب، مشيراً إلى ضعف الاستجابة من قبل أوقاف القصيم لفرش أو المساهمة في تهيئة المسجد لأنه يمثل تأريخ للمساجد الطينية ببريدة, إضافة إلى أن الهيئة العامة للسياحة والآثار تجلب الزوار لهذا المسجد رغم عدم استجابتها لطلبات الترميم وإعادة تهيأة المسجد ليكون تحفة معمارية متميزة أكثر. مسجد المبارك والذي يقع كذلك في وسط مزارع النخيل القديمة تم تأسيسه قبل 100 عام تقريباً يقع بالقرب من مسجد الضبيعي بحي الصباخ جنوب بريدة تمت إعادة تهيئة المسجد من قبل أسرة المبارك حتى يبقى شامخاً وأعيد ترميمه مرة أخرى وأصبح جاهزاً تقريباً، ويجري استكمال الفرش وبدأت الصلاة فيه خلال شهر رمضان المبارك. عبدالله بن علي الفضل شاب يرتاد المسجد أوضح ان البساطة في التصميم والتأثيث والهدوء التام ترفع من معدّل الجذب لهذه المساجد والتي أضافت للمكان الهادي روحاً إيمانية بعيدة عن المدينة وأصواتها وحتى إنارتها. وأكد الفضل بأن كثافة أشجار النخيل المحيطة بالمسجد وكثافة سيارات المصلّين وعدم وجود مواقف مخصصة أو ساحات، أوجدت مشكلة وهو الازدحام لأن الطرق الضيّقة بين المزارع لا تساعد على انسياب الحركة، داعياً الجهات المختصّة لتنظيف بعض الأماكن المحيطة لتكون متنفساً حول المسجد.