السرد التاريخي لتطور وسائل الاتصال بدءاً من موجات الراديو إلى الانترنت ومشتقاتها ليس مكانه مقالة كهذه الزاوية إذ يطول الحديث ويتشعب، لكنني رغبت التشارك مع القُرّاء في تخيل هذه القفزات المتسارعة لهذه الوسائل. ثم تصور مدى تأثيرها في التغيير الذي قد تُحدثه سواء على مستوى الفرد أو المجتمع. في عصر جهاز الراديو ومن ثم السينما والتلفزيون والجريدة لا بد من توفر الوسيلة ذاتها وبحجمها وقد تكون الجريدة هي الأسهل في التناول الفردي بعكس بقية الوسائل الأخرى أما اليوم فكل فرد يمكنه التواصل مع العالم في أي مكان كان ومعرفة ما يدور فيه في التوّ واللحظة عبر جهاز صغير لا يتجاوز حجمه حجم كف اليد الواحدة. انتقل الاتصال الذي كان يحدث في الماضي من الكلام الشفهي المباشر للخطباء مروراً بالكتابة ثم السماع والمشاهدة. ثم إلى ما هو أكثر إدهاشاً..! ماذا نُسمي اليوم ما يحدث في التويتر والواتس آب بعدما اجتمعت الأساليب كُلّها؟ أليس هذا بالفعل اختطافاً للحواس والمشاعر؟ إذاً السؤال الأهم هو عن قوة تأثير وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة في التغيير. أكثر ما كان يواجه الحكومات والمنظمات من مصاعب في الماضي أثناء محاولة إقناع مجتمعاتهم بقراراتٍ أو تنظيماتٍ أو إحلال وسائل جديدة بدلاً من أخرى قديمة كان الوصول إلى المجتمع القرويّ أو سُكّان البادية والتجمعات السكانية النائية. لهذا يأخذ التغيير وقتاً طويلاً وأيضا قد تفشل السبل المُستخدمة. إنما اليوم يجوز القول بامتلاك كل فرد في أي مجتمع وسيلة ما يستطيع من خلالها الاتصال والتواصل وبالتالي وصول الرسائل الاتصالية المطلوبة. من هنا تكمن خطورة هذه الوسائل فيما لو تركت الساحة لكل من هب ودب يفعل فيها ما يشاء ويقول ما يشاء ويُمرر ما يشاء. لهذا لا مناص من التفكير بكل تعقّل وتفهّم لكل الأبعاد في كيفية استخدام هذه الوسائل لصالح الناس وليس ضدهم. لأمنهم وليس لإثارة مخاوفهم وإرباك حياتهم. لتعزيز القيم الجميلة وتمتين الأخلاقيات وفاضل السلوك وليس لتدميرها. يُحيرني غياب أو تأخر الأجهزة التي لها علاقة بحياة الناس وصحتهم من الدخول وبقوة لهذه الوسائل من أجل إيصال رسائلهم الاتصالية. يقول "لوبون" حول فكرة فرض الرقابة على وسائل الاتصال الجمعي يستطيع القادة المعوجون أن يحولوا أمّة إلى حشد من الغوغاء لا يستطيع ممارسة السلوك العقلي والمنطقي.