أذكر أنني طرحت هذا السؤال على مدرس الفقه في المرحلة الإعدادية فتوقف عنده طويلًا؟ كان سؤالًا غير متوقع من طالب صغير ولكنه قدم جواباً ذكياً حين قال: مصادر العبودية في الإسلام معروفة وليس من بينها بيع الإنسان لنفسه.. اجلس أصلح الله نيتك..!! ولكن الحقيقة هي أن بيع الانسان لنفسه - أو لأحد أبنائه - كان ومازال من مصادر العبودية في معظم المجتمعات الإنسانية.. فالفقر والحاجة دفعت الناس في الماضي والحاضر لبيع أنفسهم بمعنى الكلمة.. كانت العائلات تضطر لبيع احدى بناتها - أو الرجل لبيع زوجته كما في انجلترا العصور الوسطى - لتسديد الديون أو توفير لقمة العيش لبقية أفراد العائلة.. وحتى أيامنا هذه لايزال الآباء في المناطق الفقيرة في غرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا يضطرون لبيع بناتهم لسماسرة الرقيق الأبيض بحجة العمل في المدن الكبرى أو الدول الأخرى!! أضف لهذا يمكن لظروف الفقر والحاجة - في المجتمعات القديمة على وجه الخصوص - تحويل الحر الى عبد ضد رغبته.. ففي المجتمع الإغريقي مثلا كان من يعجز عن الدين يصبح تلقائياً عبداً للمدين.. وكان من يعمل في أرض السيد يصبح ملكاً له في مصر القديمة.. وكان العرب يعتبرون الغزو - ومايتضمنه من سبي - حقا مشروعاً للمنتصر.. وكان الرومان يأخذون من يعجز عن أداء الضريبة - من الشعوب المحتلة - كعبد الى روما. ويخطىء من يظن ان هذه الممارسات انتهت بنهاية العصور القديمة.. فضخامة الأرباح ودوام الغريزة يضمنان دوام الدعارة وتجارة الرقيق الأبيض.. الفرق الوحيد؛ ان تجارة الرقيق تتلون في كل عصر بما يناسب القيود الاجتماعية والأنماط الثقافية؛ فبدل بيع البنات مثلاً تعاني معظم المجتمعات الفقيرة من ظاهرة "زواج القاصرات".. وفي حين حرم الإسلام الزواج بأكثر من أربع نساء فاضت قصور الحريم بما "ملكت أيمانكم" من الجواري والأسيرات. وفي حين يعيب علينا الغرب هذه العادة نظم هو تجارة الرقيق في الماضي - ومنحها في الحاضر اسماء مخادعة مثل خدمات مرافقة ومسابقات جمال ومزادات فتنة (حيث يزايد الأثرياء في الحفلات الخيرية على أجمل النساء في الحفل).. وفي حين اختفت أسواق النخاسة بشكلها القديم ظهرت اليوم بثوب عالمي جديد عبر الانترنت والمواقع الإلكترونية المتخفية تحت مسمى تعارف وصداقة وزواج سياحي (.. هل يوحي لك الاسم الأخير بشيء؟!) حتى السؤال الذي بدأنا به المقال ظهر صريحاً هذه الأيام من خلال موقع QXL الذي سمح لمن يريد ببيع نفسه والمزايدة عليها.. وأول حالة بيع من هذا النوع كان عام 2002 لشابة بريطانية تدعى كاي هاموند (24 سنة من بيرمنجهام) عرضت نفسها للبيع بحجة عدم وجود وقت تتعارف فيه على الجنس الآخر.. والغريب أن 38 ألف رجل دخلوا المزاد الذي انتهى بشرائها بمبلغ 251 ألف جنية استرليني غير قابلة للاسترجاع في حال قرر الرجل فصل العلاقة (حسب موقع BBC في 29 يناير2002)!! كل هذا يثبت أن العبودية - أقدم تجارة في التاريخ - قد تكون انتهت رسمياً وقانونياً، ولكنها مستمرة فعلياً وواقعياً بأشكال كثيرة مستعارة. ليس أقلها استعداد البعض لبيع روحه وجسده للشيطان!!