رحم الله الأمير نايف، وزيراً وولياً للعهد فقد اختارته الأقدار أن يشغل أهم منصب في الدولة ينبني عليه الاستقرار والتنمية ونجاح المسيرة الوطنية، فقد جعل من وزارة الداخلية بناءً استراتيجياً في الأمن ليس على المستوى المحلي، بل العالمي، فقد خطط وعمل بجهد عال ومستمر، واستطاع اختيار الكفاءات والتقنيات القصوى الحديثة، وعمل على جلب مختلف التجارب والمدارس في الأمن، ولم يكن جهازه مثل أجهزة زوار الفجر، والسجن على الظن، لكنه أخذ بحكمة أن الأمن لا مساومة عليه في أي ظرف كان، وسط محيط مضطرب حاول جر المملكة إلى المزالق السياسية وتدوير الصراعات، ولأن للحقيقة وجهاً واحداً، وللكذب ألف وجه ومعلّم وأستاذ، فقد حصّنت المملكة أمنها، وبمفهوم الاعتماد على الذات فكان صانع هذا العمل ونجاحه سمو الأمير الراحل وبكفاءة نادرة.. عوضنا بأمير آخر وضع أسس العاصمة الحديثة، وعاصر أخوته الملوك فصاغ التجربة التي مزجت بين دراية التاريخ والإدارة المتطورة والصداقات المفتوحة مع أبناء شعبه، وبالذات العلماء والكتّاب وأصحاب الرأي واستطاع سلمان بن عبدالعزيز أن يكون معلّماً في فصول ناجحة في مختلف الأعمال التي خاضها بنجاح ودراية.. مكانة المملكة جعلت أي حدث يأخذ مساراً هاماً قياساً لمحيطها وخارجه، ولم تكن هذه الصفة مكتسبة من دعاية، أو تبني مواقف لا تتفق ورسالتها، بل من وزنها المادي والروحي، فقد أسس العظيم الملك عبدالعزيز - رحمه الله - دولة بنظام فريد، وشكل معمار أول وحدة عربية في زمن الشتات العربي، ومن مرحلة التأسيس بدأت سلسلة البناء من الأبناء، فكل من جاء وضع حجر أساس جديداً في إدارة الدولة، ونحن الآن نشهد ما بعد التأسيس في طور الإنجاز والتطور واللحاق بالعالم الأول، وهو هدف التقى حوله كل من تولى مركز الريادة في وطننا.. فالملك عبدالله مثل من سبقوه جاء بإضافات كبيرة ورائدة في مختلف المسارات وسمو ولي العهد الجديد الأمير سلمان بن عبدالعزيز ركن مكمل للريادة والتطور، وهو يعلم أن المهمة كبيرة، لكنه رجل المهمات الصعبة، وليس هذا مجاملة أو رياءً بل سجله الذي يشهد له لا عليه، ومع فقداننا لشخص كبير، فإن أمانينا كبيرة في البديل الذي ظل ولا يزال قيمة معنوية وعلمية في مختلف النشاطات.. رحم الله من مات فقد بقي عمله إرثاً لنا جميعاً، فقد قدم الكثير لوطنه وأمته، وأخوه سلمان رغم الفاجعة، فهو من قدم نفسه بعمله الطويل، وله كل الأمنيات بالتوفيق في المحطة المهمة والكبيرة..