يقال دائما بأن الشعر يموت عندما يعجز عن القيام بثورته ، وثورة الشعر تتشكّل من خلال قدرته على أن يثور على أنماطه وقوانينه ورؤيته وموسيقاه مع احتفاظه بمبدأ الشعرية في داخله ، وترتبط هذه الثورة بكثير من الحالات والتجارب التي يمكن للشاعر أن يخوضها ليخرج نفسه من قالب الآخرين ومن أطر التجارب التي تسبقه ؛ فهو يستطيع أن يحمل لقبه ولكنه لن يكون قادراً على عمل صفة الإبداع ما لم يكن قادراً على جعل رؤيته للشعر وممارسته له تخرجه من حمّى هذه التبعية التي يكاد يكون فيها الشعراء أكثر الكائنات تقبلاً للتناسخ المعنوي والشكلي . ويكون الشعر في ثورته هذه حقيقاً عندما يتلبّس هذه الحالة أو تتلبسه في كل جوانبه الجمالية واعتباراته الاجتماعية والتاريخية والفنية ، بحيث يجعل من لغته وأدواته سبيلاً للتواصل مع الحياة بكل تجلياتها وما تتطلبه من خوض في أكثر من فن وتلمّس أكثر من طريق ؛ فعلى سبيل المثال استطاعت التجارب الشعرية في العقود الماضية أن تدخل الشعر إلى حالات جديدة من الكتابة ؛ فاستطاع أن يتواصل مع التطلعات الفكرية والحضارية السائدة ويكون فضاء مهماً ومناسباً لها ، وكان توثبه لهذا التجريب في إدخال الأفكار الجديدة نابعاً من طبيعته وصميم وجوده . وانطلاقاً من هذا، هل يمكن القول إن لدى الشعر القدرة على التعاطي مع كافة أشكال التجريب الفني في حياتنا، لنرى إمكانية إنتاج الشعر برؤية وثائقية أو تنبع من رؤية وأسلوب العمل التوثيقي ، فيكون توظيف عناصر الحياة وسرد تفاصيلها وتصوير إبعادها المختلفة والذي كان يتم بطريقة تلقائية، أمراً مقصودًا في العمل الشعري ، ونحصل على تجارب شعرية تقوم فيها القصيدة أو الديوان بدور المخرج للفيلم الوثائقي ، وتكون اللغة الشعرية والصور والرؤيا أدوات فاعلة في نقل حدث أو التعبير عن مشهد أو قضية بنفس الطريقة التي يقوم بها العمل الوثائقي ، ليحقق أهدافا ويصل لنتائج لم تكن متوقعة ، وهذا مجرد مثال على حالات نقل الشعر من إطاره التعبيري الجمالي إلى فضاء تفاعله الواعي والإبداعي مع حالات تطور الفكر البشري وممارساته الفنية.