للإنسان في كل مرحلة من مراحل حياته طريقة للتعبير عن ذاته، وعن موقفه من العالم المحيط به، أكان هذا التعبير واعيا متعمدا، أو غير واعٍ، ودُفع الإنسان إلى تبنيه بسبب عوامل نفسية واجتماعية مختلفة لا يدركها. هذا التعبير عن الذات يختلف كذلك حسب مستوى الثقافة، وميول الإنسان وهواياته، والطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها ..الخ . لكن لكي نتجاوز الاختلافات الفردية، ونبدأ بالحكم عن روح عصر ما، أزعم أن علينا أن ننظر إلى مجالات أخرى، بعيدا عن دراسة الأفراد وميولهم وتعبيرهم عن ذواتهم. من هذه المجالات بالتأكيد الفنون بمختلف حقولها، من الموسيقى والرسم، إلى الشعر والرواية، مرورا بالتمثيل والكوميديا، كلها تعبر عن العقل الجمعي للبشر بطريقة ما، وإن كانت نتيجة تفرد وإبداع شخص واحد، لكنها الأقرب لروح العصر. لذا نرى روح هذا العصر في متاحف الفن المعاصر، التي تعرض شتات هذا الإنسان، وخيبة أمله في هذا العالم، الذي كل ما أعتقد بأنه قبض على سره، كلما اكتشف أنه ما زال يخوض في الفراغ، فلا قعر ولا مدى. لكن هنا ما هو أبسط من الفن في التعبير عن روح العصر، لست بحاجة للذهاب إلى المتاحف أو قراءة ما يكتبه النقاد، وهي "الموضات" التي تنتشر بين المراهقين والشباب في مرحلة زمنية معينة، ويمكن أن تراها في أي تجمع شبابي هنا أو هناك. ربما كانت نظرة متطرفة أن تعمم فعل فئة واحدة عمرية، أو ثقافية، وتقول بأنها تمثل روح العالم، لكنها قد تعطي انطباعا يعزز ما لدينا من انطباعات أخرى، وقرائن توصلنا لإدراك ما يدور حولنا ولو جزئيا، فالإدراك الكامل محال، كما أن المراهقين هم فعلا نتاج روح المرحلة التي نعيشها. من هذه "الموضات" انتشار سماعات كبيرة الحجم في الولاياتالمتحدة، يحملها الشباب معهم أينما ذهبوا للاستماع إلى الموسيقى "الصاخبة غالبا". فبدل السماعات خفيفة الوزن التي بالكاد ترى عندما تقترب من الشخص، أصبحت سماعات الرأس "المحمولة" كبيرة الحجم واضحة من بعيد، وكأنها رسالة من هذا الشاب لكل من حوله " أصمتوا ..لا أريد أن أستمع إليكم" . وكأنها حالة رفض جماعية من المراهقين لمحيطهم الاجتماعي. رفض لكل ما يرونه غير مفهوم في الحياة اليومية، أو لكل ما هو مفهوم ومعتاد حد السأم، فقط ضع السماعات كبيرة الحجم على أذنك، لتستمع للموسيقى، وتعلن رفضك لما حولك!