الفنان الكبير غازي علي غني عن التعريف، سواء في الداخل أو الخارج، وذلك لما قدمه من أعمال فنية غنائية وموسيقية كانت محط الأنظار لما اتسمت به من جوْدة وجدّة معا، حيث مثّلت أعماله نقلة تطورية لافتة في ساحة الفن المحلي الذي كان سائدا في الوقت الماضي. وكان غازي علي ضمن عدد صغير من الفنانين الذين أخذوا الفن بالعلم والدراسة في الخارج وعلى أسس علمية بحتة كانت غائبة عن الوسط الفني السعودي الذي كان كغيره من بلدان الخليج والعالم العربي يعتمد كثيرا على تعلم الموسيقى والغناء بالسماع والنقل من جيل لجيل في الفن الغنائي، وهذا لا يعني أن دراسة الفن والموسيقى كانت غائبة عن العالم العربي، بل كانت هناك معاهد كبرى تدرس الفن والموسيقى على أرقى المستويات وخصوصا في مصر.. وكان حظ غازي علي أنه درس هناك وتعلم الموسيقى على أسس علمية وحصل عى الشهادة العلمية في مجاله، وقد كان معه في تلك الفترة ممن دخلوا الساحة الفنية مزودين بالشهادات العلمية في الفن والموسيقى الموسيقار حامد عمر، والفنان محمد العماري، وكانت تأثيراتهم تسير ببطء نظرا لمفاجأتهم الوسط الفني التقليدي بالمستحدث الجديد، فكان العماري قد توجه بأغانيه المدروسة الموزعة اللحن إلى ملامسة المجتمع مباشرة كما في أغنية (أختي الحنونة يا أغلى هدية)، وبعض أغاني الأطفال، أما الموسيقار حامد عمر فقد ألف عددا من المقطوعات الموسيقية الجميلة وكانت من توزيع الفنان علي اسماعيل، وكان الفنان المبدع غازي علي قد قدم عددا من الألحان والأغاني، فبعد أن اشترك في دويتو (يازهرة الوادي عطرتي إنشادي) مع فيصل غزاوي (غازي وفيصل) أثرى الساحة بعدد من أغانية وألحانه المميزة الراقية مثل: (وسقوني شربة من زمزم)، و(في ربوع المدينة)، و(يارا وابي قبا) بصوته وموسيقاه، وقدم ألحانا مميزة للفنان طلال مداح (سلام لله ياهاجرنا) و(أسمر حليوة)، فهو كان ولا يزال قاسما مشتركا في مسيرة الفن السعودي، ولا يزال يعطي ويقدم بصدق في التعامل الفني حيث يقدم الدروس الخصوصية في الفن الموسيقي للراغبين، وقد تخرج على يديه العديد من الفنانين الواعدين الذين تمكنوا من إثبات جدارتهم في المواصلة والعطاء. ومع اجتهاده في العمل الخاص فإنه ابتعد عن الساحة العامة الفنية بعد أن اختلط الحابل بالنابل، والغث بالسمين (إن وجد الأخير) وآثر العمل والتكديس ومواصلة التدريس من أجل أن يستطيع مواجهة متطلبات الحياة المعيشية لكي يعيش كما البشر.. وقد صرح في لقاء مؤثر في العدد الأخير من مجلة اليمامة بأنه مهدد بترك منزله من قبل المالك للشقة التي يسكنها لعدم تمكنه من تسديد الإيجار، وكان الإنذار الأخير له قبل أيام، ويذكر بأن ما يتقاضاه من أجر الدروس الخصوصية في الموسيقى لا يكاد يسد حاجته، وهذه مأساة يتعرض لها فنان كبير يمكن الاستفادة من قدراته وعلمه في وزارة الثقافة والإعلام وجمعية الثقافة والفنون، وهي التي يجب أن تعمل من أجله الشيء المناسب الذي يحفظ له مكانته وتاريخه الفني كفنان وطني مبدع.. فمن حقه على الجهات التي تنفق وتصرف الكثير على الأعمال المندرجة في خانة الفن والإبداع أن تلتفت إلى هذه القامة العملاقة التي يعز عليها أن تشحذ أو تستجدي، وهناك أماكن كثيرة يمكنها أن تستفيد من هذا المعين الغيداق، وذلك بتوجيه الدعوة إليه في المساهمة في مسيرة الفن الوطني والمحلي وميدانها واسع يستوعب الكثير.. فلا تنسوا الفنان الصادق المبدع (في ربوع المدينة) غازي علي.