إذا كان صحيحاً ما نشر عن أن "أمانة المدينةالمنورة" تستعد لإعادة نصف مليار لوزارة المالية قبل قفل حسابات السنة المالية الجديدة.. فإن هذا الأمر يتطلب تحقيقاً من نوع خاص.. وإلا فلماذا تعيد أمانة مدينة كبيرة.. كأمانة المدينةالمنورة مبلغاً كهذا في وقت نعتقد فيه أن المدينةالمنورة بحاجة إلى عشرات المشاريع الخدمية والتطويرية.. وأنه مهما رصد لها من ميزانيات فإن الحاجة إلى المزيد تظل هي المطلب الملح.. وليس العكس.. والخبر – رغم تفاصيله الكثيرة- لم يقل لنا إن كان هذا المبلغ هو مجرد فائض.. وفرته النزاهة القصوى بأمانة المدينةالمنورة.. أو كان نتيجة لضغط المصروفات غير الضرورية من البنود الأخرى عدا البند الرابع الخاص بالمشاريع.. أو هو نتيجة أيضاً لانخفاض تكاليف بعض المشاريع عن التقديرات الأولية المعتمدة لها في الميزانية.. أو كان ذلك بسبب عجز الأمانة نفسها عن تنفيذ تلك المشاريع المعتمدة.. أو من جراء عدم وفاء شركات المقاولات بالقيام بأداء التزاماتها وتعطل المشاريع الخاصة بها.. أو لأسباب أخرى غير كل هذا. ومن أجل ذلك قلت بأنه لابد من التحقيق والتحقق من الموضوع وظروفه وأسبابه.. صحيح ان اعتماد الميزانية التقديرية لا يبرر بالضرورة صرفها إذا ثبت بعد ذلك أنه لا حاجة لتلك المخصصات.. وصحيح ان الإشراف المحكم والرقابة السابقة واللاحقة على المصروفات شيء مرغوب فيه.. لكن الأكثر صحة هو.. أن أي مشروع معتمد لا يتم إلا "بعد طلوع الروح" في ظل شطارة وزارة المالية.. وبالتالي فإنني لا أعتقد أن سعي الوزارات والإدارات والبلديات الحثيث إلى اعتماد مشاريع معينة اليوم قد نكتشف بعد فترة أنها ليست في حاجة إليها.. كما أن احتمال حصول خفض في تكلفة المشاريع.. يبدو ضعيفاً لأن الأسعار في تزايد مخيف.. وغير طبيعي.. وأن المتوقع هو أن يعجز الاعتماد المخصص لمشروع عن تغطية تكلفته في النهاية.. وتضطر الأجهزة الحكومية إلى اللهاث وراء وزارة المالية لتغطية الفارق الكبير وليس العكس.. لكن ما أتوقعه هو: أن يكون هذا الفائض في اعتمادات الميزانية الموشكة على الانتهاء هو بسبب.. اختلالات أو أخطاء فنية في المواصفات.. أو في التنفيذ.. أو بسبب عجز وقصور من قبل الشركات المنفذة لعقودها تجاه الأمانة لأسباب تخصها.. وقد يكون أيضاً لعجز في الإشراف وفي آليات التنفيذ للبنود المعتمدة في الميزانية نتيجة قصور إداري.. أو فني أو تخطيطي.. لدى الأمانة نفسها.. وفي كل الأحوال.. فإن الكثير من الحديث يدور في أروقة أجهزة الدولة عن أوجه الصرف والاتفاق لبنود الميزانيات.. وكذلك عن عدم جدية الرقابة على أوجه الإنفاق.. وعدم إعطاء صلاحيات كافية للأجهزة الرقابية في محاسبة تلك الأجهزة وإيقاف الأخطاء المتراكمة فيها.. كما أن هناك أحاديث كثيرة عن غرابة الآليات المتبعة في اعتماد الميزانيات من قبل وزارة المالية.. وكثرة اعتراضها على ما تتقدم به الجهات المختصة من مشاريع وتقييمها لها.. واعتمادها للمبالغ المخصصة لها.. وذلك إما لعدم قناعة الوزارة بما تقدمه الجهات المعنية ولا توفر معه مبررات كافية لاعتماد تلك المشاريع.. أو لتكليفها أُناساً غير أكفاء لدراسة الميزانيات مع المالية.. أو لغياب الرؤية والتخطيط السليمين وتحديد الأولويات بدقة. لدى الأجهزة الحكومية المقدمة لتلك الميزانيات . وهناك من يعتقد بأن اعتماد الميزانيات تحكمه العاطفة.. كما تحكمه "الشطارة" و "الفهلوة" أيضاً. وهذه الواقعة التي نحن بصدد الحديث عنها.. لن تخرج عن هذه المشكلات.. والمحاذير.. والأخطاء بأي حال من الأحوال.. وهذا يستوجب أن تكون هناك قواعد وأسس ومعايير علمية تتحكم في إعداد الميزانيات.. وفي تحديد قيم البنود على أسس صحيحة.. وليس على قاعدة "طالب بالأكثر لتحصل على نصفه" وهي القاعدة المعتمدة حتى الآن في إعداد وإجازة مشاريع الميزانيات من قبل الأجهزة الحكومية وفي اعتمادها في النهاية من جانب وزارة المالية.. مما يؤكد الحاجة إلى تغيير جذري لهذه الطريقة بكل تأكيد.