«عكاظ» ترصد.. 205 ملايين ريال أرباح البنوك يومياً في 2024    المجرشي يودع حياة العزوبية    القضية المركزية    وزير الدفاع يبحث مع نظيره البوركيني التطورات    توجيه بسحب الأوسمة ممن يفصل من الخدمة    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة تعرضت لحادث مروري    وصول التوءم السيامي الفلبيني إلى الرياض    فيصل بن نواف: جهود الجهات الأمنيّة محل تقدير الجميع    السعودية وأميركا.. صفحة علاقات مختلفة ولكنها جديدة    الهلال يتطلع للحسم أمام الأهلي    القادسية لحسم الصعود أمام أحد.. الجبلين يواجه العين    هدف لميسي وثلاثية لسواريس مع ميامي    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على بدر بن عبدالمحسن    صندوق البيئة يطلق برنامج الحوافز والمنح    هيئة الشورى تقر إحالة عدد من التقارير والموضوعات    تقويم لائحة الوظائف والنظر في المسارات والفصول الثلاثة.. ماذا تم..؟    ثلاثة آلاف ساعة تطوعية بجمعية الصم بالشرقية    أمير الرياض يحضر افتتاح مؤتمر «المروية العربية»    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    وزير الموارد البشرية يفتتح المؤتمر الدولي للسلامة والصحة المهنية    الذكاء الصناعي ركيزة في الرؤية    فيصل بن مشعل: يشيد بالمنجزات الطبية في القصيم    شاركني مشاكلك وسنبحث معاً عن الحلول    القيادة تهنئ ملك هولندا    "جاياردو" على رادار 3 أندية أوروبية    القيادة تهنئ ملك هولندا بذكرى يوم التحرير لبلاده    إبعاد "حكام نخبة أوروبا" عن روشن؟.. القاسم يردّ    (800) منتج وفرص استثمار.. الرياض تستضيف أكبر معرض لصناعة الدواجن    مهرجان الحريد    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    "سلمان للإغاثة" يُدشِّن البرنامج الطبي التطوعي لجراحة القلب المفتوح والقسطرة بالجمهورية اليمنية    البحث عن حمار هارب يشغل مواقع التواصل    أمراء ومسؤولون وقيادات عسكرية يعزون آل العنقاوي في الفريق طلال    فلكية جدة : شمس منتصف الليل ظاهرة طبيعية    باسم يحتفل بعقد قرانه    تأملاّيه سياسية في الحالة العربية    60 طالباً وطالبة يوثقون موسم «الجاكرندا» في «شارع الفن» بأبها    أبها تستضيف أول ملتقى تدريبي للطلاب المشاركين في برنامج الفورمولا 1 في المدارس    الدور الحضاري    رحيل «البدر» الفاجع.. «ما بقى لي قلب»    المعمر، وحمدان، وأبو السمح، والخياط !    ورحل البدر اللهم وسع مدخله وأكرم نزله    عزل المجلس المؤقت    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    انطلاق تمرين "الموج الأحمر 7" بالأسطول الغربي    محافظ الطائف يناقش إطلاق الملتقى العالمي الأول للورد والنباتات العطرية    حتى لا نفقد درراً !    إستشارية: الساعة البيولوجية تتعطَّل بعد الولادة    وصول التوأم السيامي الفلبيني "أكيزا وعائشة" إلى الرياض    على واقع المظاهرات الطلابية.. أمريكا تعلق شحنة أسلحة لإسرائيل    آل معمر يشكرون خادم الحرمين الشريفين وولي العهد    رونالدو يسجل أرقام قياسية بعد الهاتريك    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شخصية الملك فيصل.. دروس للتاريخ و«الأجيال» أمام المتغيرات و«الثورات»!
«الرياض» تستضيف الأمير تركي الفيصل للحديث عن حكمة «زعيم التضامن» وإنسانيته
نشر في الرياض يوم 07 - 06 - 2011

الملك فيصل -رحمه الله -.. الرجل المشهود له بنزاهته، وزهده، وتواضعه، وصدقه، ودقة مواعيده، وسعة إطلاعه، وشعبيته، وصلاته الاجتماعية الوثيقة، وسجله الحافل بكل ما يشرُف في مجالات العمل الوطني، والإنساني، والخيري..
الزعيم الذي نسترجع بطولاته، ومواقفه، وقراراته، وحكمته -بعد 37 عاماً من وفاته-؛ لنستلهم منها دروساً في كل "منعطف تاريخي"، و"أزمة وعي"، و"تحوّل حضاري" نمر به إلى اليوم..
إن الذين عاشوا فترته وعاصروا الأحداث التي مرت بها المملكة يدركون أنه رجل فريد تماماً، حيث لم تتعرض المملكة لخصومات، ولا عداوات، ومحاصرة من كل الحدود، وشعارات قومية واشتراكية وشيوعية بمثل ما كانت عليه في تلك الفترة، كما لم تشهد البلاد تحولات حضارية سواء في التلفزيون أو الاذاعة أو التعليم بمثل ماكان حاضراً في توجيهها وحمايتها..
سيرة الملك فيصل التي لم تأخذ حقها تاريخياً وإعلامياً بشمولية الحقائق التي كانت عليها؛ نوجزها في هذه الندوة مع أقرب المقربين إليه ابنه الأمير تركي الفيصل؛ لنستعرض التاريخ أمام الجيل الحالي، حتى يدركوا قيمة رموزهم التي تعاقبت على تسنّم قيادة هذا الوطن، وأكملوا مسيرته، وحافظوا على وحدته، وتنمية مقدراته، وندرك الفارق مع كل جيل.. كيف كنّا وكيف نحن الآن.. من أمن وأمان، ورفاهية اقتصاد، وزمالات دولية نتبادل معها المصالح ومجالات التعاون.
أهل الرياض يضبطون ساعاتهم على تحركاته.. ويحب قراءة التاريخ وتذوق «الكلمة الجميلة» والإنصات إلى الآخرين
أهمية الوقت..والبرنامج اليومي
في البداية تناول الأمير تركي السمات الشخصية للملك فيصل، وقال:"إن الذي فرق جلالته -رحمه الله- عن الآخرين في جيله أو حتى ما قبله وبعده كان اهتمامه بالوقت، حيث يخصص أكثر ساعات وقته في العمل، ووقت آخر لأسرته"، مشيراً إلى أن الساعات كانت على "التوقيت العربي"، حيث كان اليوم يبدأ في المغرب وينتهي بالمغرب (24) ساعة، وعلى الشمس وليس على التوقيت الزوالي، فكل يوم كانت الشمس تتقدم أو تتأخر حسب فصل السنة، ولابد للناس أن يضبطوا ساعاتهم على غروب الشمس.
وأضاف: كان أهل الرياض وأهل المملكة عموماً، بالاضافة إلى "توقيت الشمس" يضبطون ساعاتهم على تحركات الملك فيصل -رحمه الله-، وما يعمله في يومه؛ من خروجه من البيت حوالي الساعة (8 -8.30) صباحاً، ووصوله إلى المكتب، وعودته من المكتب إلى وقت الغداء في البيت، ثم خروجه من البيت بعد الغداء والعودة إلى المكتب، ثم خروجه بعد العصر إلى "البر" القريب من المدينة لصلاة المغرب هناك، ثم من صلاة المغرب يعود إلى البيت؛ ليستقبل المواطنين، وبعد تناول العَشاء يذهب لصلاة العِشاء في البيت، وبعد الصلاة يترك البيت ويعود إلى العمل في "الديوان" إلى الساعة (11.30)، وأحياناً إلى الساعة (12.00 ليلاً) حسب ضغط العمل، وهذا كان هو "البرنامج الرسمي".
إغراء بعض المواطنين بشعارات القومية والاشتراكية والشيوعية كان هدفاً سياسياً من الخارج
وأشار إلى أنه يقضي بعد الغداء -بين أوقات الفراغ في البرنامج الرسمي- وقتاً مع الأقرباء..والوالدة -رحمها الله- والأبناء، وبين حين وآخر كان يكون غداؤه مع المواطنين، فلا نجد فرصة لكي نراه إلاّ بعد الغداء، وكان حريصاً على "القيلولة" بعد الغداء ولو لنصف ساعة، وأحياناً حسب الوقت إن كان صيفاً أو شتاء، إما قبل صلاة العصر أو بعدها، -وربما نلمس هذه التجربة في وقتنا الحاضر مع الأمير سلمان-، وبعد عودته من صلاة العشاء كان لديه وقت خاص يستقبل فيه النساء من صلاة العشاء إلى ما يوازي الآن الساعة التاسعة مساءً، والنظر لحاجياتهن من العائلة ومن خارج العائلة أيضاً، وكان يتوجه إلى "الديوان" لإكمال أعمال اليوم، ويعود إلى البيت الساعة 11 - الساعة 11.30، وأحياناً الساعة 12.00 مساءً، ونحن كأفراد عائلته نكون متواجدين عندئذ لاستقباله.
أُلقي القبض على «المتآمرين» ولكن لم يُظلم أحد أو يعدم
وقال:إن الأمير سلطان -حفظه الله- كان مداوماً يومياً -تقريباً- في مثل هذه الجلسات، بالإضافة إلى بعض المستشارين القريبين منه جداً، والذين كانوا أصدقاء أكثر من كونهم موظفين حكوميين، مثل "د.رشاد فرعون" -رحمه الله-، وبعض الأعمام، وبعض الشخصيات القريبة منه في ذلك الوقت في جلسة عائلية يدور فيها حديث خارج عن الرسميات بالكامل، وليس خارجاً عن الأحداث، على الرغم من أنه كان قليل الكلام -رحمه الله-، إلاّ أنه في المجلس مثلاً كان "الأمير سلطان" أو "د.رشاد فرعون"، أو أي أحد من الموجودين يثير موضوعاً ويتطرق إلى أن كان حادثاً في ذلك اليوم، أو عودة بالذاكرة إلى مواضيع سبقت، أو التطلع لمستقبل يخص البلاد أو العالم، هذا كان برنامجه بصفة روتينية تقريباً.
وأضاف: هناك حادثة شهيرة حدثت في إحدى المناسبات، وتحديداً عند نشر قوات الحرس الملكي حول قصر الناصرية في الصباح، وما كان أحد يعرف ماذا سيحدث اثناء خروج الملك فيصل -رحمه الله- من المعذر، ولكن عند الساعة الثالثة صباحاً بالضبط وقت خروجه من المعذر، وكان الناس ينتظرون في الشارع ماذا سيحدث؟، لكنه خرج وذهب إلى مكتبه وأدى عمله، فهذا كان مثالاً بسيطاً لمدى التزامه بالوقت، مشيراً إلى أن الكل كان يضبط ساعته على الساعة 12.00 التي كانت وقت المغرب، وهو كان لا يغيّر ساعته أبداً، حيث كان يعمل الحساب في ذهنه على المواعيد في المكتب وغير المكتب، مؤكداً على أن الذين كانوا يعملون معه يتعبون من دقة التزامه بالمواعيد.
«الصمت السياسي» أفضل من مواجهة «قصف الطيران»..
القراءة وسعة الاطلاع
وكشف الأمير تركي تفاصيل أخرى في حياة الملك فيصل الشخصية، وقال:"الأمر الآخر الذي كنا نحسه في معيته؛ هو سعة اطلاعه على كافة أمور الدنيا المعاصرة في ذلك الحين، وحبه للقراءة، وتحديداً كتب التاريخ، والاستشهاد بالأحداث التاريخية، والشعر، والأدب، وتذوقه للكلمة الجميلة شعراً كان أو نثراً أو قولاً، والانصات إلى الآخرين في مجلسه دون مقاطعه، كما كانت الصحف، والمجلات، والكتب متواجدة دائماً إلى جواره، سواء في مجلسه أو كان ذلك في الطائرة اثناء رحلاته"، مستشهداً حين كان مرافقاً له في طائرة من جدة إلى الطائف، وكانت الرحلة 40 دقيقة، ومعه كتاب يقرأه، وهو كتاب تاريخي عن "جواهر لآل نهرو".
الأمير تركي متحدثاً في الندوة وبجانبه الزميل تركي السديري، ويوسف الكويليت
الأحداث السياسية
وتناول الأمير تركي الأحداث السياسية بالمنطقة في عهد الملك فيصل، وقال: إن عصر الثورات -أو ما يعرف الآن بتسونامي- كان في أوجّه، خاصة بعد قيام أول ثورة في المنطقة بعد الحرب العالمية في سوريا عام 69 هجري- 49 ميلادي، حيث توالت بعدها الثورات في مصر، والعراق وسوريا - تكررت فيها الثورات-، كما أن الأنظمة التي اعتبرت نفسها ثورية بعد استقلالها من الاستعمار، مثل: الجزائر والسودان وليبيا، أصيبت بثورات مختلفة يضاف إليها اليمن، مشيراً إلى أن القوميين العرب أو غيرهم من البعثيين والشيوعيين والثوريين في المنطقة نظروا إلى المملكة كهدف استراتيجي، بسبب ما كانت تتمتع بها من مكانة وريادة تبعت عصر الملك عبدالعزيز - رحمه الله-، وخلفية التميز الذي ظهر بها الملك عبدالعزيز في سياسته وتعامله مع الآخرين، حيث إن كل هذه الدول تكالبت على المملكة، وكانت هناك محاولة لإغراء المواطنين السعوديين بشعارات؛ إن كانت قومية أو اشتراكية أو شيوعية أو غيرها من الشعارات التي كانت تطلق في ذلك الحين.
أدار السياسة الخارجية للمملكة في أصعب المراحل.. «عبدالناصر» في مصر و«قاسم» في العراق والثوار في اليمن!
وأضاف: أن أكثر من نشط في ذلك كان الرئيس عبدالناصر -رحمه الله-، ومنطلقه واضح في ثوريته، فهو لم يخبئ رغبته في استهداف المملكة من عهد الملك سعود -رحمه الله- إلى أن أتى الملك فيصل -رحمه الله-، وعلى الرغم من ذلك فإن عبدالناصر كوّن علاقة مع كل من الملك سعود والملك فيصل -رحمهما الله-، وكانت علاقات صداقة بين حين وآخر، وفيها نوع من الحميمية والود، ولكن المنظور كان واضحاً؛ أنه لابد أن يتغيّر النظام في المملكة؛ ليكون مطابقاً لما في مصر أو في المنطقة والدول الثورية، مشيراً إلى أن في تلك الفترة كان هناك تنافس على المستوى العالمي بين الشيوعية وبين الرأسمالية، وهما المعسكران المهيمنان على العالم، وهذه الصراعات أيضاً انعكست على أوضاعنا في المنطقة، فروسيا كانت تؤيد مجموعة من الدول، وأمريكا تؤيد مجموعة من الدول، وذلك على الرغم من أن أمريكا أيضاً حاولت أن تمسك بخط الرجعة مع الدول الثورية، فوضعها مع بلد مثل المملكة كان فيه الكثير من التساؤل مثلما نعيشه اليوم في علاقتنا مع أمريكا!.
جانب من حضور الندوة
السياسة الخارجية
وأشار إلى أن إدارة السياسة الخارجية للمملكة كانت صعبة جداً في ذلك الحين وتطلبت عقلاً عبقرياً إن لم يكن أكثر من ذلك في مواجهة هذه التحديات كلها، والملك فيصل -رحمه الله- استطاع من خلال تفكيره وهمته وسياسته وكلامه وأفعاله أن يواجه هذه التحديات في تلك الحقبة، -وكما ذكر الأخ تركي السديري- فإن حدود المملكة كلها تقريباً كانت مناوشات، والأردن كدولة ضعيفة فإن الملك حسين كان أيضاً يواجه حملات لقلب النظام عنده؛ فهو في فم المدفع كما يقولون لأن أغلب سكان الأردن كانوا فلسطينيين ومازالوا، وأيامها كانت الضفة الغربية جزءاً من الأردن، فالنشاطات الحزبية والعقائدية في الأردن كانت نشطة على كافة الأصعدة، كما أن قيام الثورة في اليمن ربما كان أكثر شيء شكّل عبئاً وتحدياً لأمن المملكة؛ لأن الثورة حينما قامت هناك عام 1962م كان ذلك في أوج الحملة الإعلامية والتشهيرية في المملكة، والتي رعاها الرئيس عبدالناصر، ولكن قبل الثورة في اليمن كانت الجزيرة العربية تعتبر بعيدة عن هذه الأشياء، وعندما قامت الثورة أوتي بهذا الفكر وهذا النشاط وأصبح جزءاً من الجزيرة العربية، وكان الشعار في ذلك الحين عند الثوريين شيئاً مشابهاً من صنعاء إلى الرياض إلى القدس لتحرير فلسطين، وهذه سمعناها أيام صدام حسين بعد احتلاله للكويت.
علّق الرئيس «كيندي» بعد لقائه: «لو كنت أعرفه مسبقاً لتغيّرت سياستي»
حرب اليمن
وتناول الأمير تركي الأوضاع في المملكة وتداعيات تلك المرحلة، وقال:"إن الامكانات كانت ضعيفة جداً؛ فما كان هناك الدخل البترولي الذي توفر بعد ذلك، والوسائل العسكرية للدفاع عن المملكة كانت ضعيفة جداً، وللأسف البعثات المصرية في الخمسينيات كانت المملكة تعتمد عليها في تدريب قواتنا المسلحة سواء الجيش أو الطيران أو غيرها، وبعض من الطلبة السعوديين الذين ابتعثوا للتدريب في مصر أُستخدموا كأدوات من قبل عبدالناصر، والبعض منهم أُغري سواء بالمال أو بالجاه أو المركز للعمل ضد المملكة من داخلها، أي انه كانت هناك حالة انفلات أمني في المملكة، فالتصدي كان صعباً جداً".
وأضاف: "عندما وصلت جيوش عبدالناصر إلى اليمن لدعم الثورة في مقابل الثورة المضادة من قبل الإمام البدر على الحكومة الجمهورية الجديدة؛ حرص الملك فيصل -رحمه الله- على ألاّ يكون هناك تواجد سعودي للعمل داخل اليمن وحتى لا يعطي حجة لعبدالناصر أن السعودية تتدخل في شؤون بلد آخر، وهذا يمكن أن يعطيه مبرراً للتدخل سواء بهجوم عسكري أو تدخل وتبرير لما يمكن أن يعمله في المملكة، هذا كان الشيء الذي اتبعه الملك فيصل -رحمه الله- بصفة مستمرة".
الزملاء من اليمين : حمد العسكر، صالح الزيد، د.فهد الطيّاش، د.عبدالحميد السليمان، د.حمد اللحيدان
وأشار إلى أن الشيء الذي كان يُحكي عن الملك فيصل -وسمعناه من الملك فهد والأمير سلطان ومن آخرين- أنه عندما قامت الثورة في اليمن كان الملك فيصل في نيويورك بالأمم المتحدة يمثّل المملكة في الدورة الاعتيادية للجمعية العامة في خريف عام 1962م، (أيامها الملك سعود -رحمه الله- كان قد كلّف الملك فيصل أن يرأس الحكومة في الرياض بعد فترة استقالته عن الحكم التي سبقت هذا التكليف من عام 1960م -80ه إلى عام 81 هجري التي كان الملك فيصل فيها مستقيلاً، ثم عاد بعد إلى رئاسة الحكومة التي كان الملك سعود قد شكّلها)، والثورة في اليمن عندما قامت لم يعلم أحد أن "الإمام البدر" قد قُتل أم لا؟، والثوار طبعاً قالوا انه قتل وسعوا إلى جلب اعتراف دبلوماسي من كل دول العالم، والاتحاد السوفيتي بالطبع بادر بالاعتراف باليمن، وعبدالناصر الذي هو محرك الثورة من أساسها اعترف هو الآخر، وكانت أمريكا برئاسة "كندي" منسقة مع عبدالناصر وصار بينهما تبادل رسائل؛ على أساس أن السياسة الأمريكية كانت تنظر إلى التعامل مع التوجهات القومية في العالم العربي في ذلك الحين والتي كان يمثلها عبدالناصر.
الزملاء من اليمين : د.أحمد الجميعة، هاني وفا، سليمان المسيهيج، علي الشثري
تعليق كيندي
وقال الأمير تركي: حتى في أمريكا كانت النظرة إلى المملكة أنها دولة رجعية، وكانوا يوازنون بين مصالحهم المباشرة الموجودة في المملكة، حيث أنشأ "جون كندي" علاقة مع عبدالناصر محاولة منه لكسب عبدالناصر، وعدم ترك الفرصة للسوفييت لكي يستفردوا بهذه القوة الشعبية القومية في العالم العربي، وحرص الملك فيصل -رحمه الله- على أن يقابل كندي لكي يتفاهم معه، ويرى كيف اتجاهه نحو الثورة الجديدة القائمة، فذهب إلى واشنطن واجتمع مع كندي وأقنعه بألا يعترف على الأقل في الوقت الحالي بالجمهورية حتى تتضح التطورات؛ لأن الأمور كانت لا تزال غامضة في اليمن، وفي الوثائق الأمريكية بعد ذلك كان تعليق الرئيس كندي بعد مقابلة الملك فيصل -رحمه الله-، وقال:"لو كنت أعرف هذا الرجل قبل هذا الوقت ربما كانت سياستي ستختلف عما اتبعناه"، واتضح في النهاية أن الإمام البدر لا يزال حياً يرزق وقادرا على أن يقاوم ونشأت الحرب في اليمن من ذلك الحين.
اهتم بشبكة المواصلات وأنقذ شركة ابن لادن من «التفليس»
الصمت حلاً!
وأضاف: بعد ذلك بدأ الطيران المصري يقصف مدناً سعودية في أبها وجازان ونجران؛ على أساس أن الملكيين في اليمن كانوا ينطلقون من هذه المدن للترهيب والتأثير،ثم كان هناك اجتماع مصغر مع المسؤولين عن القطاعات العسكرية والأمنية لبحث إمكانية الرد على العدوان، حيث طالب البعض بالرد وعدم الصمت، ولكن الملك فيصل كان يدرك عدم كفاية إمكانات قواته المادية والعسكرية للتعامل مع الموقف، كما لم يكن يرغب في توسيع مناطق القصف، وقال: «الدخول في الحرب سهل، لكن الخروج منها صعب، علينا أن نصمت فقط، ومن خلال السياسة يمكن أن نوجد حلاً»، إذاً الملك فيصل كان حريصاً على عدم الدخول في حرب وأزمات، فسارت الأمور وانقلبت الأمور على المصريين؛ لأن الحكم الجمهوري كان هشاً وليس قائماً على مقومات يمنية بقدر ما هو قائم على دعم جيش مصري يوفر له الدعم.. هذا بالنسبة لليمن.
سموه يتلقى هدية من الزميل تركي السديري عبارة عن نسخة من العدد الأول لصحيفة الرياض
أحداث العراق
وتناول الأمير تركي الأحداث في العراق، وقال: كانت الثورة أيضاً بادئة ومفاجئة؛ خصوصاً في دمويتها.. والسحل والقتل الذي تعرض له الملك فيصل الثاني وعائلته كان شيئاً مقززاً، ومخيفاً ومرفوضاً، و"معمر القذافي" غضب على "عبدالكريم قاسم" في طريقته مع المواطنين في العراق، وعبدالكريم قاسم لم يكن ناصرياً مع أن أعضاء في المجلس الثوري في العراق كانوا ناصريين، ومصر هي التي دفعتهم أمثال "عبدالسلام وعبدالرحمن عارف" وغيرهم؛ إذاً كانت هناك توجهات مختلفة في مجلس الثورة العراقي، لكن عبدالكريم في مواجهة هؤلاء تحالف مع الشيوعيين في العراق، وفتح المجال للوصول إلى مراكز السلطة، وبدأت إذاعة بغداد توجه سهامها للمملكة وبدأت تنتقد، كما كانت هناك أزمة في الكويت؛ فأولى المبادرات السياسية لعبدالكريم قاسم هي المطالبة بضم الكويت كمحافظة رقم 19 -كما ذكر صدام فيما بعد- وأنها عراقية عام 1960م، وطبعاً المملكة اضطرت إلى إرسال قوات إلى الكويت لحفظ الأمن، ولأن عبدالناصر -بما أن عبدالكريم قاسم ليس من جماعته- أيضاً بعث بقوات مصرية للوقوف مع الكويت، وبريطانيا كانت ساندت الكويت وأرسلت بوارج حربية إليها لتوفير دعم عسكري ومعنوي للكويتيين.
وأشار إلى أن البوق الآخر الذي كان مسلطاً على المملكة هو العراق، وسوريا من خلال ثوراتها المتتالية، والصراعات التي كانت بين الأحزاب المختلفة من بعثي إلى ناصري إلى شيوعي وجميعها كانت تتهجم على المملكة.
مدّ يد العون للعرب في مؤتمر الخرطوم.. و«عبدالناصر» بقي مذهولاً
حرب 67م
وعن حرب 67م، قال الأمير تركي: أذكر قبل الحرب كانت علاقة المملكة مع مصر في أدنى مستوى لها من حيث الدعاية المضادة والشتائم، وغير ذلك، وكان الملك فيصل -رحمه الله- في شهر مايو عام 1967م قد قام بجولة في بعض الدول الأوروبية بدءاً من انجلترا ومروراً ببلجيكا.. وبعد أن تطورت الأمور مرّ بباريس، وأثناء وجوده في انجلترا صادف تصعيد أزمة الحدود بين إسرائيل ومصر، وعندما أعلن عبدالناصر أن الاتفاق الذي حدث عام 56م بعد حرب السويس أن سيناء تكون مجردة من الجيش المصري، وأن يكون هناك مراقبون دوليون على الحدود، أعلن عبدالناصر إلغاء هذا الاتفاق وطرد مراقبي الأمم المتحدة، وأرسل قوات الجيش المصري داخل سيناء على أساس تأخذ مواقع مع حدود إسرائيل، بعد ذلك ثارت الأزمة، واستخدمت الصحافة الحادث سواء في الغرب أو في المنطقة العربية لخدمة أغراضها، وعبدالناصر كان يريد أن يبلغ بأنه صادق في توجهه لتحرير فلسطين؛ لأنه بلغ به السوء في اليمن، وذلك بوجود 70 ألف جندي مصري في اليمن والدعاية المضادة لعبدالناصر، والمملكة كان لها دور في ذلك، لكن الأردن كانت هي البلد التي قامت منها الدعاية، بالاضافة إلى لبنان -رئة الصحافة العربية-.. ولكي يبيّن عبدالناصر انه يستطيع أن يفعل شيئاً في إسرائيل، أرسل هذه القوات نتيجة لخبر صدر عن سوريا أن هناك حشوداً إسرائيلية في الحدود مع سوريا، واكتشفنا بعد ذلك أن الاتحاد السوفيتي كان له يد في ذلك، حيث أكد الروس لعبدالناصر أن هناك تحركات إسرائيلية ضد سوريا، فكان ادخاله للقوات المصرية في سيناء لكي يقول لإسرائيل إذا كان عندك نية ضد سوريا فنحن مستعدون ندعم سوريا، وتطورت الأمور وأعلنت إسرائيل عن نيتها للتصدي لهذا الخطر القادم، بالاضافة إلى ارساله قوات أيضاً إلى سيناء، كما أعلن عبدالناصر إقفال مضيق العقبة، من خلال جزر "تيران وسنافر وسيناء"، مشيراً إلى أن الملك سعود تضامناً مع مصر أتاح للمصريين استخدام جزر تيران وسنافر لوضع قوات مصرية عليها، أو لمنع عبور البواخر الإسرائيلية من مضيق العقبة، وبقيت الجزر في الأيدي المصرية، وهذا الأمر اعتبرته إسرائيل مدعاة لشن حرب.
رئيس التحرير مستقبلاً الأمير تركي الفيصل
وأضاف كان الملك فيصل -رحمه الله- في لندن والعلاقات مع مصر مقطوعة ومتأزمة جداً؛ فسئل في مؤتمر صحفي في لندن من قبل السفراء العرب وقالوا له ماذا عن الوضع؟، فقال لهم إذا كانت هناك نية حرب ضد إسرائيل فنحن مستعدون، لكن أنصح انه إذا كانت هناك نية حرب فيجب أن نكون نحن العرب المبادرين، وألاّ نترك لإسرائيل المبادرة..عبدالناصر رد على الفور عندما سمع هذا الكلام، ماذا عندك الآن يا فيصل حتى تقول هذا الكلام؟، وأعلن عبدالناصر انه حسب ما ورده من روسيا وأمريكا وأوروبا ألاّ يكون هو المبادر في تلك الحرب فهو سيبقي قواته في أماكنها، ويتخذ كافة الاحتياطات، لكن حصلت النكبة وخسر عبدالناصر بعد قيام الحرب بأسبوع.
مؤتمر الخرطوم
وفي مداخلة للزميل "يوسف الكويليت" عن موقف الملك فيصل خلال مؤتمر الخرطوم، حيث كان المشاركون يرون أن الملك فيصل سيشمت بعبدالناصر، وفوجئوا بأنه هو أول من تبرع للمجهود الحربي ب200 مليون ريال، ويقال إن عبدالناصر استغرب ذلك كثيراً..
وقال الأمير تركي معلقاً: بعد انتهاء حرب 67 م بيومين ذهب الزعماء العرب لمؤتمر الخرطوم، وكان عبدالناصر في ذلك الحين صريحاً جداً، وأقرّ بالهزيمة، وقال نحن في مصر لم يبق في يدنا شيء، قناة السويس قُفلت، وهي المصدر الرئيس لإيرادتنا، وليس لدينا امكانات مادية؛ فإذا لم يصلني ما سيعوضني عن إيراد قناة السويس فأنا سأضطر أوقع الاستسلام لإسرائيل.
وأضاف:الكل في القاعة سكت، وأول من تحدث كان الملك فيصل، وقال: "نشكرك يا فخامة الرئيس على صراحتك في هذا الموضوع، وهذه القضية لا تخصكم وحدكم، إنما تخص كل العرب، وكلنا لازم نتكاتف ونمنع الاستسلام والهزيمة.. كم المبلغ الذي يرد من قناة السويس؟، فقال تقريباً90 مليون جنيه استرليني.. وأنت يا الملك حسين كم مداخيلك من الضفة الغربية فذكر حسين المبلغ.."، وتابع الملك فيصل -رحمه الله-، قائلاً:"نحن من جانبنا في المملكة مستعدون أن نقدم 50 مليون جنيه، -ثم التفت إلى الشيخ صباح سالم الصباح أمير الكويت- وقال أنا اتحدث بالنيابة عن أخي صباح.. الكويت ستقدم 55 مليون جنيه، وعن الاخوان في ليبيا أقول إن المبلغ المتبقي تقدمه ليبيا"، وكان هناك مندوب عن الجزائر تبرع ب10 ملايين جنيه، المهم جُمع المبلغ الذي عوّض مصر والأردن.. واعتمد لسوريا كذلك مبلغ".
وأوضح الأمير تركي: أن أكثر من استغرب موقف الملك فيصل هو عبدالناصر نفسه، حيث كان قبل ذلك يشتم ويسب ويشكك في كل ما يقوله الملك فيصل، ثم يفاجأ بهذا الموقف الشهم من "الصديق اللدود" -إن صح التعبير في ذلك الحين-، ثم تحسنت بعد ذلك العلاقة مع مصر، وسُحبت القوات من اليمن.
الأوضاع الداخلية
وكشف الأمير تركي أوضاع الحركات المدعومة من مصر أو من الدول الاشتراكية أو الشيوعية للعمل ضد المملكة، وقال:"اعتقد عام 68 أو 69 ميلادي أُلقي القبض على مجموعة من الضباط وغير الضباط تآمروا على النظام، وجلهم سجنوا، ولكن لم يعدموا وعفا عنهم الملك خالد بعد ذلك".
التنمية والاقتصاد
وعن الجوانب الداخلية في عهد الملك فيصل؛ أكد الأمير تركي على أن التحديث ليس في التعليم فقط، ولكن أيضاً في المشروعات الإنمائية من ناحية المواصلات، والمستشفيات، والتجارة -كبلد معلن انتماءه للاقتصاد الحر- كان الغرض الحكومة في ذلك الحين وبتأييد الملك فيصل هو تنمية القطاع الخاص، إن كان في الكهرباء أو في بعض المصانع البتروكيماوية.
وقال:"لا أنسى أنه انشئ في تلك الأيام مصنع سافكو للأسمدة، وعمل ترويج لبيع الأسهم من قبل الدولة للمواطنين، وأذكر أننا مازلنا في مرحلة شباب، ولم يتخذ لنا رأي فالوالدة -رحمها الله- استثمرت لنا مبالغ في ذلك المصنع مع غيرنا من المواطنين، وعندما صارت الطفرة في الأسهم قبل كذا سنة أذكر أنني بعت أسهمي في هذا المصنع بسعر خيالي؛ فبُعد نظر الوالدة أدى دوره بعد كل هذه الفترة".
البعثات الدراسية
وأضاف: ميزانية المملكة في ذلك الحين ربما لا تتعدى بليوني ريال، وعندما تقارنها بما وصلت إليه فيما بعد كانت ميزانية لا تعني شيئاً، والبلد فعلاً كان فقيراً في موارده المالية، وفقيراً في كفاءاته البشرية، فالبعثات للمملكة إلى الخارج كانت مهمة؛ وأكبرها كان في مصر، وهناك أيضاً عدد لا بأس به في بيروت، ودمشق، وأمريكا، وهؤلاء الطلبة حينما عادوا إلى الوطن ملأوا شواغر كبيرة كانت في الجهاز الحكومي أو في التجارة الخاصة، والشيء المهم كان هو تطوير العملية التعليمية فجلب عدد كبير من المعلمين من مصر.
شبكة المواصلات
وأشار إلى أن الملك فيصل كان مؤمناً ايماناً مطلقاً في شبكة المواصلات بأنها ستكون هي الخدمة والبنية الأساسية لخدمة المجتمع، وأنها ستربط المملكة كلها، فكان يحرص على مشروع مثل مشروع جبل (كرا) في الهدا على أساس انه سيختصر المسافة بين المنطقة الشرقية ونجد مع مكة وجدة بساعات؛ لأن الطرق الأخرى مثل طريق الزيما والسيل الكبير كانت غير معبدة في ذلك الوقت، فكانت أحياناً تأخذ أربع إلى خمس ساعات، بينما طريق الهدا يمكن أن يأخذ ساعة وربع الساعة في الانتقال من الطائف إلى مكة، وكان يذهب بنفسه لكي يطلع على سير العمل في هذا المشروع رغم إمكانات المملكة المحدودة، وكان "محمد بن لادن" هو الذي كُلف بهذا المشروع، وتقريباً كادت شركة بن لادن تفلّس؛ نتيجة هذا المشروع، ولكن حرص الملك فيصل على انجاح هذا المشروع مدّ شركة بن لادن بمساعدات، وعفى الشركة عن الجزاءات التي وقعوا عليها في مشروع "كرا" أثناء العقد.
وقال عمل الملك فيصل على تطوير وبناء الخطوط الجوية العربية السعودية، وبناء المطارات في أنحاء مختلفة من المملكة؛ لتوفير التواصل بين المواطنين وتوصيل خدمة الحكومة للمواطن في مكانه بدلاً من الانتقال، وبعد حرب 67 تغيّرت الأوضاع؛ لأنها بلاشك كانت نكبة على العالم العربي في حجم الخسائر، لكنها أيضاً أدت إلى تحجيم إن لم يكن إيقاف الطموحات والمد الناصري آنذاك.
دعوة التضامن الإسلامي
وفي سؤال للزميل "هاني وفا" حول علاقة "المد الثوري" في المنطقة خلال الستينيات ميلادية ودعوة الملك فيصل للتضامن الإسلامي لمجابهة هذا المد، أوضح الأمير تركي: عندما زار الملك فيصل -رحمه الله- عام 84 أو 85ه الصومال، وأيامها كانت هناك حكومة في الصومال، ورئيس الوزراء كان اسمه "عبدالرشيد علي شارماركي"، وأثناء الحفل الرسمي تقدّم رئيس وزراء الصومال ودعا الملك فيصل للقيام بتجميع الدول الإسلامية في إطار التضامن.. ورد عليه الملك فيصل: "أشكر لك هذه المبادرة وسأطرح هذا الموضوع على اخواني العرب في المؤتمر القادم" -كان هناك مخطط لمؤتمر قمة عربي يعقد في المغرب-، وبالفعل طرح الملك فيصل على القادة ووافقوا على أن يكلف الملك فيصل بزيارة الدول الإسلامية؛ لينشد ويطلب منهم التضامن مع اخوانهم العرب في ذلك الحين، وفعلاً لما ترك هذا المؤتمر خُطط لزيارات بدأت بإيران، حيث بايع شاه إيران الملك فيصل بأن يقود التضامن الإسلامي، وتبع ذلك زيارات لافريقيا، وبدأت تتبلور فكرة التضامن الإسلامي.
وتابع الأمير تركي:"الرئيس عبدالناصر رأى في هذه الدعوة بديلاً إن لم يكن منافساً لما هو يدعو إليه بالنسبة للقومية العربية؛ على الرغم من أنه في مؤتمر الرباط وافق على تكليف الملك فيصل، وبدأت الصحافة المصرية وخصوصاً محمد حسنين هيكل في الحديث عن حلف إسلامي مضاد للتوجه القومي.. فهذه كانت بداية الدعوة للتضامن الإسلامي، وعندما حُرق المسجد الأقصى كان ذلك بداية الشرارة التي اطلقت الدعوة لمؤتمر قمة إسلامي وغيرها من الاجراءات التي اتخذت بعد ذلك".
وأشار -حسب معلوماته- إلى أنه لم تكن هناك مواقف رسمية ممانعة للتضامن الإسلامي من الحكومات الغربية، ولم يقف على ما يثبت ضد ذلك من وثائق، خاصة انه في ذلك الحين توجد كتلتان الغربية والشرقية، وأي تطور في التضامن الإسلامي كان ينظر إليه من قبل الجهات الغربية الرسمية أن هذا مناوئ للشيوعية، فلا اعتقد انه كان هناك ممانعة، موضحاً أن هناك معارضة في الإعلام الغربي، حيث كان لديهم توجس من مثل هذا التطور، وكان الصهاينة وراء ذلك؛ لأن أي تضامن بين المسلمين يعتبره الإسرائيليون مهدداً لهم، خصوصاً أن حليفهم في المنطقة "شاه إيران" أعلن مبايعته للملك فيصل للدعوة للتضامن الإسلامي، وبعد زيارات الملك فيصل للدول الافريقية وما حدث من ردود فعل من إسرائيل تجاه الدول الافريقية تأكد للإسرائيليين أن هذا النشاط مناوئ لهم..
المضطهدون العرب
وفي سؤال آخر للزميل "تركي السديري" عن احتواء الملك فيصل للعرب المضطهدين في بلدانهم، أوضح الأمير تركي أن المملكة استضافت كافة الفئات التي كانت تضطهد في بلدانها من العالم العربي، وليس من مبدأ عقائدي بقدر ما هو مبدأ إنساني؛ فعندما واجه الإخوان المسلمون الحملة الشرسة ضدهم، وأُعدم من أُعدم، وسُجن من سُجن، وشُرد من شُرد، رحبت المملكة بهم، ووفرت لهم مصادر رزق في الوظائف الرسمية سواء في التعليم أو في غيره، وكذلك في سوريا؛ فكلما تصاعدت الثورات كانت تزيد اضطهادها لما يعتبرونهم اليمين وخصوصاً المتدينين، وفتحت أبواب المملكة لهؤلاء لكي يأتوا كلاجئين.. ولكن فتح أبواب المملكة لم يقتصر على هؤلاء فقط، حيث كان أي إنسان مضطهد في مصر أو سوريا أو العراق أو الجزائر يجد ملجأ في المملكة أياً كان توجهه الديني، فكانت النظرة إنسانية فقط، وقد عمل الكثيرون في التعليم في كليات الشريعة والمدارس الثانوية الأهلية والحكومية..
أمضى 15 سنة بدون سكن في جدة.. ورفض
«قصر الحمراء»..و«زري المشلح» أسّود دون تغيير!
أكد الأمير تركي على أن الزهد كان أحد عناوين الملك فيصل -رحمه الله-، مستشهداً بحادثتين في هذا المجال، وقال:كان -رحمه الله- نائب الملك على وقت الملك عبدالعزيز في الحجاز، وبعدما تطورت البلاد، وانتقل عمله إلى مكة -التي كانت عاصمة الحجاز في ذلك الحين ولا تزال-، وصار يقضي وقتاً طويلاً في جدة، ومقابلات الضيوف الأجانب بعدما كان وزيراً للخارجية، إلى جانب استقبال الزوار -الذين كان أغلبهم يأتون بالبواخر في ذلك الوقت مثل الحجيج-، وغير ذلك من النشاطات التي كان يمارسها، وبقي حوالي 15 سنة على هذا العمل، وليس لديه منزل في جدة، حيث كان يسكن في منزل إيجار لأحد تجار جدة، وتم إشعار الشيخ "عبدالله السليمان" -وزير المالية- أن الملك فيصل -رحمه الله- ليس له بيت في جدة مع انه يقضي وقتاً طويلاً فيها، فجاء "عبدالله السليمان" للملك فيصل، وسأله: "هل فعلاً ما عندك منزل؟"، فقال:"أبداً ولم أفكر في ذلك، فالنيابة العامة أجّرت لي بيتاً وأنا ولله الحمد مرتاح"، وعندما جاء الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في فترة الحج؛ بُلّغ أن "الأمير فيصل" ليس له منزل في جدة، فأمر جلالته أن يُشترى له البيت الذي أصبح بعد ذلك قصر الملك فيصل في "البغدادية"، وقد كان بيتاً حديثاً بنته "عائلة زينل".
وأضاف: أن الحادثة الثانية تتعلق بقصر الحمراء بجدة، وهذا القصر بُني أصلاً للملك فيصل -رحمه الله- من ماله الخاص، والذين كانوا يتولون البناء أتوا بحرفيين بنائين من مصر لزخرفة القصر من الداخل، وفعلاً أبدعوا في الزخرفة ب"البوية"، بحيث إنها خرجت كتحفة معمارية من ناحية الديكور والنقوش داخل القصر، ومكث العمل بالقصر خمس سنوات تقريباً، وعندما انتهى البناء في القصر ذهب الملك فيصل - رحمه الله - لكي يرى القصر قبل الانتقال إليه، فدخل الملك فيصل المدخل، ثم وقف هناك وطالع الزخرفة التي نُفذت، واستدار وهو خارج، والوالدة -رحمها الله - كانت معه، وقال لها:"إذا كنت ترغبي في السكن في هذا البيت فاسكني، أما أنا فلن أسكن هذا البيت؛ بسبب هذه الزخرفة، ثم خرج ولم يدخل هذا القصر مرة أخرى"، وشرع في حينها في إنشاء بيت آخر له بجانب قصر الحمراء.
وقدّم الأمير تركي مثالاً آخر لزهده -رحمه الله- من ناحية الملابس، وقال: كان لا يحب "الفخفخة"، وتحديداً في شراء "البشوت"، فقد كانت له مواسم معينة، وأحياناً تمر سنين دون أن يغيّر المشلح إلى أن يسوّد الزري، وطبعاً الوالدة - رحمها الله - كانت تصرّ عليه وتقول له: "ترى ما يجوز أنت ملك!"، فيرد عليها:"طيب أنا مرتاح كذا..الناس تعرفني لأني فلان، ولست لأن لبسي كذا، أو أن مكان سكني كذا، أو أن هيئتي كذا".
السديري: الملك فيصل تجاوز الحصار و«النزعات الثورية»..ومارس
«التجديد الحضاري» دون تعقيد!
تداخل الزميل "تركي السديري" متحدثاً عن أبرز الأحداث التي مرت في حياة الملك فيصل - رحمه الله -، ومنها: الحصار السياسي والعسكري الذي تعرضت له المملكة في شكل لم يحدث أن مر في التاريخ السعودي أبداً، عندما كان عبدالناصر في مصر، وكان عبدالكريم قاسم في العراق، والثوار الذين كانوا في قرية من قرى عُمان، واليمن أيضاً في بداية النظام الجمهوري، وقال:"إن الوضع كان صعباً لم يمر بأي دولة عربية، فجميع الحدود كانت (حدود خصومات)، واستطاع أن يصمد"، مشيراً إلى أن في تلك الأيام كانت الثورية العربية في تألقها، فالذي يريد أن يعتز يقول أنا بعثي، وآخر يقول أنا شيوعي، وثالث يقول أنا قومي عربي.. فالملك فيصل -رحمه الله- استطاع أن ينجح في ثلاثة مسارات، هي: كبح نوعية العدوان، والقبض على الكثير من الشباب وسجنهم ولكن لم يُعدم واحد أو يغتال، وكلها كانت عقوبات بأوقات محددة وأطلق سراحهم جميعهم، والأمر الثالث أيضاً هو أن الملك فيصل على الرغم من انشغاله بهذه المسؤوليات الكبيرة، إلاّ أنه استحدث الحياة الاجتماعية بشكل جديد، فقد كان التلفزيون ينقل لنا "مناسبات فنية" تحدث في القاهرة ولبنان، وكان في أندية الهلال والشباب والنصر والأهلي مساء كل خميس عرض سينمائي معلن، وليس سرياً، حيث تقطع تذكرة، وإذا لم تقطع تذكرة فلن يسمح لك بالدخول، وهذا يعني أن الأمر رسمي، إلى جانب تحول في كثير من شؤون الحياة، ومن بينها تعليم البنات، حيث فُتحت المدارس، مؤكداً على أن عدة منطلقات في حياة المملكة أحدثها الملك فيصل، وبعضها حماها الملك فيصل - رحمه الله -.
الموقف من قطع البترول !
أوضح الأمير تركي الفيصل أنه بعد خسارة «عبدالناصر» والعرب عموماً في حرب 1967 مع إسرائيل، وحصول الهزيمة بعد أسبوع من قيام الحرب، قرّر العرب أن يقطعوا البترول عن أمريكا وبريطانيا.
وقال:إن الملك فيصل غضب من ممثليه في الاجتماع الأمير مساعد بن عبدالرحمن -وزير المالية- و»أحمد زكي يماني» وزير البترول؛ وذلك بعدما سمع بيان وزراء المالية والبترول العرب؛ فأمر بحضور الوزيرين إليه رأساً من المطار، وفعلاً جاءا إليه في الديوان، وقال الملك فيصل للأمير مساعد من الذي فوضك في قرار قطع البترول؟.. طبعاً دُهش الأمير مساعد، وكان جوابه أن الرأي العام العربي هو قطع البترول عن أمريكا وبريطانيا، ولذلك لم نر أن نشذ.. فقال الملك: «كان لابد أن تسألني أولاً»، وأمرهما بإصدار قرار بتحفظ المملكة العربية السعودية على قرار قطع البترول، مبرراً أن الملك فيصل كان ينظر إلى ما سيرد في القريب العاجل في توفير مساعدات للدول التي خسرت أراضي في تلك الحرب.
عملت نادلاً ب«البخشيش» في واشنطن..!
تساءل الزميل "تركي السديري" خلال الندوة عن حقيقة ما يثار من معلومات ومواقف عن أبناء الملك فيصل حينما كانوا يدرسون في الخارج، وتحديداً أنهم كانوا يعملون لتغطية مصاريفهم؛ نتيجة لمحدودية النفقات وقتها.
وأجاب الأمير تركي "فوراً": أنا واحد منهم "يا تركي"..، وقال: عندما كنّا في الدراسة بالولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينيات الهجرية والستينيات الميلادية، وأيامها كان الطالب السعودي يأخذ من البعثة 220 دولاراً في الشهر، ونحن كأبناء للملك فيصل -وغيري من الاخوان يدرسون حينها في الولايات المتحدة-كان يصلنا 120 دولاراً في الشهر أقل ب100 دولار عن الآخرين، واكتشفنا بعد فترة أن ال100 دولار التي لم تكن تردنا كان المسؤول عنّا، وعن البعثات في الولايات المتحدة السفير "جميل البارودي" المندوب الدائم للمملكة في الأمم المتحدة يضعها في حساب بنكي استثماري لنا، وما كنّا نعلم بذلك، والمائة والعشرون دولاراً في ذلك الحين مبلغ زهيد جداً بالنسبة لشراء الكتب، والأكل وغيرها من متطلبات الحياة في جامعة أمريكية.
وأضاف:"مرت عليّ أنا أزمة احتجت فيها لمبلغ مالي، وكان لي زميل أشاطره السكن في شقة بواشنطن، وكان هذا الزميل يعمل نادلاً في مطعم، وصادف أن الأزمة المالية التي واجهتها أتت في فترة سيغيب فيها زميلي؛ بسبب ظرف عائلي خاص به وسيغادر واشنطن لمدة اسبوعين على الأقل، فقال لي: "أنا مسافر، ومدير المطعم يريد نادلاً في مكاني، فقلت له أنا مستعد أقوم بهذا العمل، وبالفعل أخبر مدير المطعم فوافق، وقضيت الأسبوعين في تقديم الوجبات، وما كان هناك (غسيل صحون!) والحمد لله، والشيء اللافت أنه ليس لي مرتب مقابل هذا العمل، وإنما الاعتماد على (البخشيش) من الزبائن، فكنت أحرص على أن أقدم خدمة ممتازة للزبائن؛ لكي آخذ (البخشيش)، فمر الأسبوعان وانحلت أزمتي"، مؤكداً على أن هذه كانت نظرة الملك فيصل - رحمه الله - الاعتماد على النفس، وليس الغير، مشيراً إلى أن ذلك ليس فقط بالنسبة لنا كأبنائه، وإنما أيضاً لغيرنا من الذين لهم صلة بالملك فيصل سواء كانوا شباباً أو غير شباب.
وعلّق الزميل "تركي السديري" قائلاً:"هذا الأسلوب الفكري للملك فيصل - رحمه الله - هو الذي جعلنا نفهم الآن كيف أن أبناء الملك فيصل لهم خصوصية وعي، وخصوصية مفاهيم تختلف عن الكثيرين".
«سيارة الأميرة».. وعتب الملك على «كريزلار» ابنه!
تناول الزميل تركي السديري خلال الندوة جوانب من الزهد و"التقشف" في شخصية الملك فيصل، مستشهداً بحوار صحفي أجراه الزميل "د. عبدالعزيز النهاري" مع "عبدالله كامل" مدير عام ديوان رئاسة مجلس الوزراء.
ومن ضمن ما سأله الجانب الشخصي في حياة الملك فيصل، فرد عليه قائلاً: "كان الملك فيصل - رحمه الله - منصفاً ومتقشفاً، ويهمه أن يدير أمور الآخرين أكثر من أموره التي تتعلق به شخصياً، أو تقترب به".
كما استشهد الزميل "السديري" بقصة إحدى بنات الملك فيصل حين قدّمت خطاباً تطلب فيه سيارة، حيث أخذ السكرتير الخطاب وعرضه مع الأوراق، وعاد الخطاب كما هو وليس فيه شرح مع أن الطلب كان بسيطاً؛ ويقول السكرتير إنني عرضت عليه الخطاب أكثر من مرة فلم يشرح عليه، وجاءت هي بنفسها وكلمتني بأنها قدمت الطلب منذ مدة ولم يتم الرد عليه، فقال لها عرضته ولم يأتيني الشرح.. فقالت: ضع الورقة أمامه، وقل له هذه بنتك فلانة تطلب كذا وكذا.. فقال عملت نفس الشيء، فالتفت إليّ وقال: "قل لها إذا أبوها غيّر سيارته هي تغيّر سيارتها".. هذا موقف في منتهى الغرابة من ملك وليس من إنسان عادي، يدير إدارة أو مدير مركز.. هذا من ملك المملكة.. وكلها تحت إدارته ويده.. وهذا بلاشك شاهد نزاهة، وشاهد ابتعاد عن أي استغلال للمنصب.
وعلّق الأمير تركي على ما ذكره الزميل "السديري" قائلاً: لاشك أن الزهد كان متأصلاً في شخصية الملك فيصل - رحمه الله -، وأتذكر حينما طلبت منه سيارة كنت فعلاً لا أملك سيارة، وأيام ما كنا ندرس في الخارج كانت فترة الصيف مهمة بالنسبة لنا، وفي جيلنا كان الخروج بسيارة لشاب في مقتبل العمر مهم جداً بالنسبة له وبين أقرانه، وبالتالي كانت عنواناً لنجوميته.. فطلبت منه سيارة فوافق - رحمه الله -، وفي تلك الفترة كان دائماً يركب سيارة "كريزلار نيو أوركر"، وكل أربع أو خمس سنوات يُبدل له الموديل، فذهبت إلى وكيل سيارات "كريزلار" - وأعتقد ان وكيلها وقتها كان العيسائي-، فرأيت سيارة "كريزلار نيو أوركر" وأعجبتني؛ فاشتريتها بناءً على موافقة "المرحوم"، وعندما وصلته الفاتورة بالحساب، ناداني وقال لي: "لماذا السيارة "نيو أوركر" التي اشتريتها أغلى من السيارة "النيو أوركر" التي عندي؟"، فقلت: "أنا لا أدري، ربما أن هذه السيارة التي وجدتها في المعرض أميز من سيارتك" فقال: "لماذا تشتري سيارة أغلى وأميز؟، لماذا لم تشتر سيارة مثل سيارتي؟"، فعاتبني بسبب أنني اشتريت شيئاً أغلى، وأعتبرها مبالغة في "الفخفخة"، والبحث عن المميزات للسيارة، وقال لي:"لا تتعودها مرة ثانية إذا كنت تبغى شيئاً فاشتر مثل سيارتي"..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.