أمير المدينة يرعى حفل تخريج طلاب الجامعة الإسلامية    أمير تبوك يشيد بالخدمات الصحية والمستشفيات العسكرية    «حِمى» أصداء في سماء المملكة    مشوار هلالي مشرف    القادسية يعود لمكانه بين الكبار بعد ثلاثة مواسم    النيابة العامة: السجن 15 سنة لمروّج إمفيتامين    المناهج في المملكة تأتي مواكبة للمعايير العالمية    أمير جازان ينوه بدعم القيادة لقطاع التعليم    كلاكيت عاشر مرة    وغاب البدر    أهمية المبادرة    «أسترازينيكا» تسحب لقاح كورونا لقلة الطلب    احذروا الاحتراق الوظيفي!    تل أبيب تحتج.. أوستن يدافع عن قرار بايدن تعليق شحنة الأسلحة لإسرائيل    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء صربيا بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة برئاسته وأدائه اليمين الدستورية    البدء في تنفيذ 12 مشروعاً مائياً وبيئياً بقيمة 1.5 مليار بالمنطقة الشرقية    هل يعاقب بايدن إسرائيل    المملكة تستضيف المؤتمر الدولي لمستقبل الطيران    رفع كفاءة الشفا الدائري    9 مهام للهيئة السعودية للمياه    سعود بن مشعل يكرم متميزي مبادرة منافس    وكيل محافظة محايل يقف على حريق المفروشات    الفيضانات تغرق مدينة بالبرازيل    «سلمان للإغاثة» ينفذ 3 مشاريع طبية تطوعية في محافظة عدن    ساعة HUAWEI WATCH FIT 3 أصبحت متوفّرة الآن للطلب المسبق    فيليب موريس إنترناشيونال تعلن نتائج الربع الأول من عام 2024.. وتحدّث الدليل الإرشادي لكامل العام    انطلاق المؤتمر الوطني السادس لكليات الحاسب بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل    القبض على شخص لترويجه مادة الحشيش المخدر بالمنطقة الشرقية    محمد بن ناصر يقلّد اللواء الحواس رتبته الجديدة    مركز التحكيم التجاري الخليجي يطلق مبادرة "الأسبوع الخليجي الدولي للتحكيم والقانون"    صالات مخصصة ل"طريق مكة" في 11 مطاراً ب7 دول    تحديثات لأنظمة أبشر يوم الجمعة 10 مايو    طلاب مصنع الكوميديا يبدأون المرحلة التعليمية    وزير التجارة يزور تايلند لبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين    تضمّن خطفه وتصفيته.. أوكرانيا تحبط مخططاً لاغتيال زيلينسكي    ارتفاع المخزونات الأمريكية يهبط بالنفط    «الشورى» يسأل «الأرصاد»: هل تتحمل البنى التحتية الهاطل المطري ؟    الأهلي يفقد ديميرال أمام الشباب    مهما طلّ.. مالكوم «مالو حلّ»    برعاية وزير الإعلام.. تكريم الفائزين في «ميدياثون الحج والعمرة»    محمد عبده اقتربت رحلة تعافيه من السرطان    4 أمور تجبرك على تجنب البطاطا المقلية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يُجري جراحة تصحيحية معقدة لعمليات سمنة سابقة لإنقاذ ثلاثيني من تبعات خطيرة    هزيمة الأهلي لها أكثر من سبب..!    عبدالغني قستي وأدبه    بدر الحروف    الاتحاد يطرح تذاكر مواجهة الاتفاق .. في الجولة 31 من دوري روشن    اختتام دور المجموعات للدوري السعودي الممتاز لكرة قدم الصالات في "الخبر"    المدح المذموم    البدر والأثر.. ومحبة الناس !    تغريدتك حصانك !    القيادة تعزي رئيس مجلس السيادة السوداني    الأمير خالد بن سلمان يرعى تخريج الدفعة «21 دفاع جوي»    ولي العهد يعزي هاتفياً رئيس دولة الإمارات    انتهاك الإنسانية    وزير الخارجية ونظيره الأردني يبحثان هاتفياً التطورات الأخيرة في قطاع غزة ومدينة رفح الفلسطينية    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    وزير الدفاع يرعى تخريج طلبة الدفاع الجوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزار قباني الشاعر المتمرد.. الشاعر المجنون
الفلز والسمندل
نشر في الرياض يوم 12 - 05 - 2005

لم تدرك الثقافة العربية وهي في فوضى الحداثة الشعرية وتعميماتها، الطابع التمردي لشعر الحب عند نزار قباني، ولا ارتباط شعره بما هو معاش ومحسوس بعيداً عن هذيان التجريد وفوضى الغازه، وإن حاولت حداثتنا تحويل كل ما هو يومي إلى مجرد، وحاولت اضفاء طابع اسطوري على النص الشعري بوساطة الرموز، فإن شعر نزار قباني حول كل ما هو حميمي في حياتنا إلى إسطورة خالدة من: جوارب النساء المخرمة إلى الملابس المرمية على السرير، من رسالة الحب إلى الهاتف، ومن القبلة التائهة إلى القبلة المقصودة، ولذا فقد استحق في ثقافتنا لقب المجنون والتائه والكافر والملعون والمهرج، كما أنه الخارج عن القانون بامتياز.
إن حداثة نزار قباني حداثة مجنونة، حداثة مشردة تبحث عن حب يكشف سراً من أسرار وجودنا وفكرنا، إنها تاريخنا، إنها روحنا وما يهدد روحنا، إنها المختلف في أوضاع الحداثة المتشابهة، وأنكرتها قوانينا الرسمية، انها بحث دائم لدفع هذا الضغط الذي يمارس لتقنين سلطانها على أحلامنا، لقد خلق نزار قباني صدعاً على مستوى العلاقة بين الذات وبين القوانين الاجتماعية والأخلاقية والسياسية، فإن رسمت نماذج أدونيس وأنسي الحاج والسياب وعبدالوهاب البياتي في الخمسينيات قوانين التضاد والاختلاف والصراع والصدمة على المستوى السياسي فإن شعر نزار قباني حقق بشكل عنيف الصدمة الاجتماعية في المجتمع العربي في تلك الحقبة، لقد خلق وظيفة شعرية اشكالية مباشرة أمام الثقافة الاجتماعية، وقد زعزع مفهوم التقنين العاطفي الذي مارسه وعي مجتمع بالكامل وذلك من خلال مسائلته.
لقد اتسمت الحداثة الشعرية العربية بالطابع النقدي، وقد صنع نزار نوعاً من التطابق بين وعي الحداثة الغربية ووعي الواقع الاجتماعي، ومن خلال هذا الوعي المزدوج تعد قصيدة الحب لدى نزار قباني بالتغيير الجذري لموقع المرأة على مسرح الحياة، لقد اتجه النموذج الشعري لقصيدته إلى الموقف النقدي الجذري وهذا ما يبرر الوصلة السياسية في شعره، ذلك لإدراكه التام أن الجسد في حضوره على مسرح الحياة لا يمكنه الانفلات من الطابع الاستهلالي دون نقض البنى السياسية والايديولوجية القائمة بشكل عنيف، لقد أراد نزار قباني تحرير المرأة من أشكال القمع والإرهاب والتقنين التي فرضتها نظم المجتمع، أراد تحريرنا من الخوف والإرهاب والمقاومة الشديدة التي يقوم بها الوعي الاجتماعي على ذات كل واحد منا.
لقد خلق نزار نوعاً من التصدع الكياني في وضع الفرد كذات قابلة للانفصال عن الشروط التي حكمت وجوده من الناحية السوسيوثقافية، وأعاد تصوير هذه العلاقة وأخضعها إلى النقد والتحليل، ومما لا شك فيه أن شعريته منحت المرأة وجوداً كاملاً، وأصبحت حياة المرأة والرجل ضمن شروط الحب والعاطفة معاشة بكل تفاصيلها وجزئياتها، لقد حاول نزار من خلال الاستعارة الكلي زعزعة سلطة المجرد وذلك بالتفاصيل اليومية، التفاصيل التافهة التي تحيط بنا، لقد كان شعره نوعاً من التحول المعرفي الذي تمثل لا في طرح السؤال على ما هو موجود، بل في محاولة تجديد شروط هذا الموجود، لقد كان نوعاً من التصدع الانطولوجي، نوعاً من التمزق الذي صوره نزار في كيان المجتمع بعد خضوعه للتحضر المديني، لذلك استحقت كتبه الطرد والنبذ والتهميش والاحراق. لأن جيل الآباء كان يدرك القوة التي تنطوي عليها القصيدة وذلك بتوافقها مع هذا التحديث الذي اجتاحهم يوماً بعد يوم، وإن وافقوا على الارتكاز وقبول علامات المدينة الذائعة آنذاك: الأكل بالشوكات والمدى، وارتداء البناطيل والكرفتات والفيونكات وركوب السيارات الفارهة إلا أنهم كانت لديهم الرغبة في أن تبقى كتبه مطرودة لأنها تسقط ثبات الحياة التي استمرت بجعل المرأة ضمن شروطها قروناً من الزمان.
في الواقع إن المحمولات التاريخية تتقاطع على جسد المرأة في شعر نزار قباني، لأنه حاول أن يفجر في كلمة (جسد) قوة ايحائية، فهذه المفردات توسع مجال الدلالة لتمس الذاكرة مساً عنيفاً، وتتحول بفضل اثارتها الحسية إلى مجال ساحر قادر بقوته أن يخلق قطيعة مع المرجعية الأخلاقية التي حولت الجسد إلى مخبوء متوتراً وعادياً، فقد تلعب الكلمة هنا بفضل المجال التنظيمي التي تشتمل عليه دور الأسطورة المعاصرة، الأسطورة القادرة على بعث التجربة والكشف عنها، وهذا يعني اسقاط صفة المطلق عن أخلاق العبودية، فالانفصال عن التفكير الجمعي لأخلاق الحب الذي كرسته قرون من العبودية العثمانية والمملوكية: أخلاق الحريم والسراي والبغاء والرقيق الأبيض هي حداثة أخلاقية، فالأخلاق الجديدة بفضل تاريخيتها وبفضل تعاليها على الثوابت التي تآكلت عند حتميتها، تشكل من هذا المنظور الحداثة بمعناها الحصري، الحداثة بمعناها الهائل للحضور الإنساني انها حركة ازاحة وخلخلة، حركة انزياح للمعنى ومحور القيم، انها حداثة مفارقة لما هو كائن، وموجودة طالما هذا الموجود تعطل وتآكل وتفتت، إن لغة الحب هي لغة التجربة الخالصة الإنسانية هي اللحظة الكلية التي تستوعب صورة العالم بكل اطلاقها وشمولها، لقد جعل نزار في شعره للرغبة فضاء وحيزاً، وللجسد فضاء وحيزاً، وجعل للتعبير الإنساني وصروحه فضاء وحيزاً، ونقل لغة الحب من اسراريتها ومنعها وتابوها، إلى ما هو يومي ومعاش، إلى ما هو إنساني وتجربة إنسانية، انها رؤية تتحرك في اتجاهات مختلفة، إنها محاولة للايغال في المتصور النقدي لأن مشروع الحداثة يقوم على المراجعة الدائمة، انه حركة دائمة، ولا ينفصل النقد عن هذه الحركة المؤثرة التي لها قوة السريان والانتشار، إنها القوة التي تهدد المحاكاة وتهدد الاستيهامات والنماذج الراسخة، انها أخلاق جديدة تضع نفسها بديلاً عن أخلاق المحاكاة والتشابه، إنها إعادة إنتاج الأخلاق والتربية التي أصبحت ذات قوة طوطمية، إنها إطاحة للتقليد والاتباع، إنها إطاحة بالأوثان الأخلاقية والشعرية التي اكتسبت صفة القداسة، ولذالك اتهم شعر نزار بالجنون والهرطقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.