أفكار كثيرة تشغلني، وأسئلة كثيرة تحيط بي مثلي مثل أي واحد منكم، أحيانا لا أجد إجابة لها و أحيانا أجد إجابتها في كتاب أو في بحث منسي في صفحات مجلة أو في محاضرة يلقيها أحدهم أو في برنامج تلفزيوني أو من خلال نتيجة تخبرني بها إحدى الباحثات معي في المعمل نحاول أن نناقشها سوية في محاولة للفهم قد نكتشف مرة أننا تقدمنا خطوة ونكتشف مرات أن علينا أن نعود ونبدأ من جديد. ومما يثير الاهتمام هو طريقة التفكير لدينا، هذه الطريقة التي تحدد ردات فعلنا وهضمنا للأمور التي نواجهها، سواء أكانت مواقف اجتماعية أم مشاكل شخصية أم مسألة رياضيات نحاول حلها أو نتيجة معملية نحاول فك رموزها أو حتى تصرف غريب لا نعرف له سببا منطقيا أو مقنعا. في بدايات تصادقي مع أنابيب الاختبار، والمحاليل الكيميائية والخلايا التي كنت أطالعها تحت المجهر، كنت أقفز فرحة بأي نتيجة أراها أمامي ظنا مني أن هذه هي النتيجة النهائية القاطعة، وحين كان يطلب مني إعادة التجربة كنت أعيدها على مضض لأنني مستعجلة، أفكر في نشر النتائج ، وقتها كنت أظن أن الصبر مجرد كليشيه يردده الكبار في السن، ومع كل إعادة كان من يشرفون علي يلقنوني الصبر بالمعلقة، فتعلمت وقتها أول درس في مجال الأبحاث وهو محاولة إثبات صحة النتائج التي تتوصل إليها بطريقة أخرى. تعلمت وقتها أن النتائج الأولية قد تكون خادعة وأنها قد تقودك إلى الاستنتاج الخاطئ، وتعلمت وقتها الفرق بين البحث الجيد وبين البحث السيئ الذي يحركه الاستعجال والفكر التنافسي مما قد يدفع صاحبه للخطأ. وعرفت لماذا كان من حولي ممن هم أكثر تجربة و علما لا تصيبهم الدهشة ولا حالة الإعجاب بما يقدمونه لأنهم ينظرون لأعمالهم بعين فاحصة ناقدة تسأل، لماذا وكيف وماذا لو؟. تعلمت وقتها طريقة النقد الذاتي، ووضع كل نتيجة تحت المساءلة حتى يتم التأكد منها، فالجودة هي المعيار في البحث العلمي وهي التي تعطيه المصداقية. يفترض أن البحث العلمي يعلمك كيف تنظر للنتائج التي أمامك بعين مجردة ومن دون انحياز مسبق، يعلمك أن تترك النتيجة والتجربة أن تعبر عن نفسها بدون أن تحاول ثنيها لليمين أو الشمال. البحث العلمي يعلمنا أن الحماس والتسرع والثقة في غير محلها تخدعنا وتضللنا في معظم الأحيان.