اعتادت الدراما العربية والخليجية بوجه خاص على إظهار الشاب المتدين بصورة متطرفة، تجنح للإرهاب أكثر من جنوحها للفضيلة والقدوة السليمة، ونتج عن ذلك أن صار مجرد التدين مرادفاً لشخصية الرجل الإرهابي فقط، وهذا النسق الدرامي لشخصية المتدين بطبيعة الحال أفرزته الأحداث الأخيرة المتمثلة باستغلال البعض للدين بصورة خاطئة وتسخير المتدينين والملتزمين بالقيام بأعمال إرهابية بدواعي الجهاد ومحاربة الكفار. على النقيض لدينا اجتماعياً نجد من استغل المظهر العام للتدين لتحقيق مصالح خاصة والتدليس بشخصيته على من وثقوا به، والأمثلة كثيرة ومتعددة في هذا المجال والكل يعرف عن قرب عددا من الشخصيات في هذا الجانب، فكانت هذه الشخصية لها من النصيب في التجسيد الدرامي الحي، فالمتدين الإرهابي والمتدين النصّاب -وهم قلّة على أي حال- أصبحا هما الشخصيتين الأكثر حضوراً في الدراما وواقع المجتمع، ولكن هل هذا الأمر هو الحقيقة المجردة، بالطبع لا، لأن الشخصية الملتزمة والمتدينة نجدها حولنا تتعامل باليسر واللين وبسماحة الإسلام وبأخلاقه، وهو ما اعتدنا عليه ولكن الأحداث حولنا سببت حالة من عدم الثقة والمصداقية في العلاقة من هذا الجانب. وهنا وبصراحة لا نلوم تكريس العديد من الأعمال الدرامية لتجسيد هذه النمطية، ورغم ذلك نجد أن التجسيد الحقيقي للشخصية السوية والحقيقية للشاب المتدين بصدق كانت حاضرة درامياً وإن كانت بشكل نادر جداً، حيث لفت انتباهي مؤخراً المسلسل الخليجي "بنات آدم" وتحديداً شخصية الممثل القطري عبدالله عبدالعزيز "سلطان" حيث جسد دور الشاب المتدين بصورة واقعية صادقة ومتزنة، وهذا الدور قلما نراه بهذه الصورة التي شاهدتها مؤخراً!. فمن المعتاد أن المتدين يكون مخالفاً للواقع الذي يعيش فيه، وهذا التصوير جعل النظرة للشخصيات الملتزمة نظرة غير سوية وغير متسقة مع الحياة الاجتماعية الحالية، ولكن في دور سلطان وجدنا النموذج الحقيقي للملتزم من حيث التعايش مع المجتمع بوسطية وبعيداً عن الحدة والشخصية المنفرة والإرهابية، حيث تعامل سلطان كشاب يعيش الواقع الاجتماعي حوله بصورة طبيعية، حتى وهو يتم رفضه من إحدى قريباته كونه فقط شاباً متديناً أو بالأحرى كما وصفته معقد وسيحرمها متعة وبهجة الحياة وكانت أختها تقول لها: "تتزوجين مطوع" بأسلوب ساخر، لأن قاموس حياته لا يضم سوى مفردة واحدة ومتكررة وهي: "حرام وحرام". أثبت الشاب سلطان أن تدينه والتزامه كان نقطة التحول في النسق الدرامي للمسلسل، كان طبيعياً ومعايشاً للواقع حوله بسماحة ولين، حتى وهو يتزوج من امراة يجدها فاقدة لعذريتها لطيشها، نجده يتعامل مع الواقع الذي ابتلي به بأخلاق إسلامية راقية من حيث الستر والتسريح بإحسان بعد وقت محدد، وهذا التعامل الأخلاقي الإسلامي لهذا الشاب انعكس على زوجته بصورة غيرت مجرى حياتها، فتحولت إلى إنسانة محبة للتدين والالتزام بعد أن كانت عكس ذلك قبل ارتباطها بالشاب سلطان. الستر واللين والالتزام الصادق هو ما نحتاجه في حياتنا، فللأسف افتقدنا لهذا الأمر بصورة محزنة، وأصبح التشهير بالفتيات والشباب بطولات للكثيرين، وأصبح البعض يفتقد لخصلة الأمر بالمعروف بالصورة الحقيقية، مما أوجد الكثير من التناقضات الاجتماعية داخل حياتنا، فكانت عدم الثقة خصلة أساسية في تعاملاتنا مع بعضنا البعض، بالفعل نحتاج لأعمال درامية تنمي وتحيي شخصيات نحتاجها، كشخصية سلطان.