أثارت رسالة خادم الحرمين الشريفين ، إلى المبتعثين ، الكثير من الآمال.. لأن المملكة قيادة وحكومة وشعبا ، تنظر إلى (100 ) ألف مبتعث في أنحاء العالم ، بوصفهم عتاد المستقبل والنخبة الوطنية القادمة .. لذلك فإن نجاحهم وتميزهم في دراستهم العلمية ، هو ما يرجوه كل الوطن .. فالوطن يتطلع إلى هؤلاء الطلبة ، باعتبارهم عنوان المرحلة القادمة ، وهم نواة انخراط المملكة في مرحلة جديدة على صعيد البناء والتنمية .. فإصراركم على التفوق والتميز ، هو ما ننتظره منكم جميعا .. وقد عبر خادم الحرمين الشريفين عن هذا التطلع بقوله : (لا شك بأنكم تدركون بأن الأمم لا تعلو إلا بسواعد أبنائها ، وتعلمون بأن العلم هو المدخل الواسع والأداة الفاعلة في مسيرة التنمية .. لذلك فإن المسؤولية الملقاة على عاتق كل مبتعث ومبتعثة تحتم عليه أن يسعى بعزم لا يعرف الكلل ولا الملل لتحصيل العلم ، فأنتم بعد الله جل جلاله عتاد المستقبل لا نقبل فيه بغير الصدارة لوطن أعطانا الكثير ، وينتظر منا جميعا ثمرة ذلك العطاء لرفعة شأنه بين الأم).. وعديدة هي الصعوبات التي تواجه الطالب المبتعث ، وبالذات في مراحل غربته الأولى . وتعد الفترة الأولى من أصعب وأخطر المراحل في حياة الطالب . إذ في هذه الفترة يختبر الطالب من خلال سلوكه وعلاقاته بالقيم والمبادئ التي تمسك بها في مجتمعه الأصلي.. إذ في فترة الاغتراب والانخراط في محيط اجتماعي جديد ، تعرض قيم الطالب ومثله على المحك .. من الضروري العمل على تظهير القيم والمبادئ الإسلامية والإنسانية ، التي تحث على التفكير وإعمال العقل والإبداع ، وتشجع على العلم والتعلم . لأن هذا التظهير هو الذي يطرد من فضائنا الاجتماعي كل الموانع والكوابح التي تحول دون التقدم وامتلاك ناصية العلم والطلبة دائما هم متفاوتون ، سواء على مستوى الوعي أو الإدراك لأهمية الابتعاث وأهمية اغتنام هذه الفرصة وكذلك هم متفاوتون في الاستعدادات النفسية والعقلية .. ولعل أهم الامتحانات التي تواجه الطالب المبتعث هو امتحان الاختيار .. وهو أساس الاختبار البشري وسر وجود الإنسان على هذه الأرض وسر منحه العقل .. وهي من أهم الأسئلة التي تلحّ على ذهن الطالب .. هل يتمسك بقيمه ومبادئه ، التي قد لا يدرك كل مضامينها ، أم يتخلى عنها ويمارس ما يحلو له بعيدا هم أعين الرقباء والأقرباء ؟! هنا تأتي مقولة ( الاختيار ) لكي تكون حجر الزاوية لكل هذه الأمور .. صحيح أن الطالب المغترب بإمكانه أن يمارس أي شيء بدون رقابة اجتماعية .. ولكن الله سبحانه وتعالى هو المراقب والمحاسب سواء كنا بين أهلنا أو في الغربة .. إن هذه المسألة هي التي ينبغي أن تحضر لدى الطالب المغترب .. فالمطلوب ليس العزلة والانكفاء والتقوقع ، وإنما أن يعيش الشاب كل حياته في نطاق الالتزام، وفي سياق أن المهم دائما أن لا يقوم بعمل يغضب الرب سبحانه وتعالى .. فالالتزام القيمي ، والديني ، لا يعنيان العزلة والتقوقع والهروب من المحيط العلمي والاجتماعي .. وإنما يعنيان أن يعيش الإنسان كل حياته في أروقة الجامعة وبين أصدقائه ومحيطه الاجتماعي بدون عقد وتردد ، ويعمل على القبض على كل أسباب الفهم والاستيعاب والتميز في الدراسة والتحصيل العلمي .. إننا كمجتمع نتطلع إليكم ، بوصفكم علماء الغد ونخب المجتمع القادمة ، فلا تفوتوا هذه الفرصة السانحة عليكم وعلى مجتمعكم .. إننا نتطلع إلى نجاحكم وتميزكم الدراسي والعلمي ، ونطمح أن تعودوا إلينا علماء ، ونجباء ، قادرين على خدمة أنفسكم ومجتمعكم من موقع التخصص والقدرة العلمية المتميزة . ومن الضروري أن نتذكر دائما أن التنافس اليوم بين الأمم والشعوب ، لا يحسم بمستوى استهلاك سلع الحضارة ، وإنما بمدى مشاركة هذه الأمم في المنجزات العلمية والحضارية . وكل هذا بطبيعة الحال بحاجة إلى ثقافة تحترم المنجز العلمي ، وتحترم التخصصات العلمية ، وتفسح لهم المجال للبروز والتأثير في الفضاء الاجتماعي . وإننا اليوم ومن مواقعنا المختلفة ، مطالبون لإعادة الاعتبار إلى العلم ، وتوفير كل عوامل الاحترام والتقدير إلى كل العلماء والمبدعين .. فالاحترام ينبغي أن لا يكون منحصرا في علماء الدين ، والوجاهة الاجتماعية ينبغي أن لا تكون خاصة برجال الدين . وإنما من الضروري أن نوفر الاحترام والتقدير إلى كل العلماء والمبدعين سواء كانوا علماء دين أو اجتماع أو فلسفة أو فيزياء أو رياضيات أو ما أشبه ذلك. ومن الضروري أن لا نخاف من العلم ومنجزاته ، فالإسلام لم يأت من أجل تقييد العقول ، وإنما جاء من أجل إثارة العقول .. وقيم الدين لا تقتل الإبداع ، وإنما تحفز على إعمال العقل والتفكير .. لهذا فإن تحرير المجال الاجتماعي من الخوف من العلم والإبداع ، من الشروط الأساسية التي تساهم في تقدم الأمم والمجتمعات .. فلنفسح المجال للعلماء للبحث والإبداع ، ولنوفر لهم كل مستلزماتهما . وبدون ذلك لن نتمكن من القبض على أسباب التقدم أو استيعاب أسرار المنجز العلمي الحديث .. ومن الضروري العمل على تظهير القيم والمبادئ الإسلامية والإنسانية ، التي تحث على التفكير وإعمال العقل والإبداع ، وتشجع على العلم والتعلم . لأن هذا التظهير هو الذي يطرد من فضائنا الاجتماعي كل الموانع والكوابح التي تحول دون التقدم وامتلاك ناصية العلم .. ولنتذكر دائما : أن العلم هو جذر الحضارة ، فلا حضارة بلا علم ، وهو جسر العبور نحو التقدم ، حيث لا تقدم بدون علم ومعرفة .. لهذا كله آن الأوان بالنسبة لنا جميعا إلى إعادة الاعتبار إلى العلم ، والمساهمة في توفير كل الظروف والشروط المؤدية إلى سيادة العلم ومركزيته في الفضاء الاجتماعي والثقافي ..