وزير الداخلية يُدشن قيادة الإدارة العامة للمجاهدين في مشعر عرفات    الغيص: الأولوية لأمن الطاقة وتوفيرها بأسعار معقولة وتعزيز الاستدامة    بالتعاون مع وزارة الدفاع.. (هنقرستيشن) توزع 147 ألف عبوة ماء وآلاف المظلات الشمسية على حجاج بيت الله الحرام    دعم سعودي لجهود إنهاء الصراع الروسي - الأوكراني    صلاة العيد على أنقاض المنازل    عاتق البلادي يحصي آثار أم القرى    د. السعدي وسالف الذكريات    الكتابة العلاجية    ارتفاع إيجارات المساكن المحرك الرئيس لمعدل التضخم ب10.5 %    أمير الرياض يستقبل المهنئين بعيد الأضحى المبارك    صندوق الاستثمارات العامة و«أرديان» يعرضان شراء 37.6 % من مطار هيثرو    «حرس الحدود» بجازان يحبط تهريب 160 كيلوغراماً من نبات القات    الأمير خالد الفيصل يهنئ خادم الحرمين وولي العهد بحلول عيد الأضحى المبارك    أمير الكويت يهنئ الأمير محمد بن سلمان بعيد الأضحى المبارك    القيادة تهنئ رئيس جنوب أفريقيا بإعادة انتخابه مدة رئاسية جديدة    أمراء المناطق والمحافظون يتقدمون المصلين في صلاة عيد الأضحى    كيف تقبل «مبابي» القرار    إضاءات ومجسمات جمالية تزين المنطقة الشرقية    «الداخلية» : اكتمال عمليات نقل الحجاج في رحلة المشاعر المقدسة بنجاح    معسكرات الخدمة العامة تغرس روح العمل التطوعي في الشباب    اليويفا يبدأ إجراءات تأديبية ضد ألبانيا بعد اقتحام مشجعيها للملعب أمام إيطاليا    أمريكا.. توقعات بزيادة استهلاك الكهرباء ومشكلات في النقل بالقطارات    وكيل إمارة منطقة الباحة يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المصلين    السجن والغرامة والترحيل ل18 مخالفًا لأنظمة الحج    الملك: تقبل الله طاعة الحجاج وأدام الأمن لوطننا    5.61 ألف تيرابايت استهلاك البيانات يوم عرفة    سامسونج تكشف عن هواتفها الجديدة في يوليو    التجارة: تصعيد أكثر من 36 مليون سلعة تموينية للحجاج في مشعر منى أول أيام عيد الأضحى    "الصحة" توضح كيفية تجنب الإجهاد العضلي في الحج    حجاج بيت الله الحرام يؤدون طواف الإفاضة وسط منظومة خدمات متميزة    الدفاع المدني يدعو ضيوف الرحمن إلى اتباع تعليمات السلامة في قطار المشاعر    وكيل محافظة بيش يتقدم المصلين لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك ويستقبل المهنئين    محاولة أخيرة من الاتحاد لضم محمد صلاح..وتحديد البديل    وزير الإعلام يرفع التهنئة لخادم الحرمين وولي العهد بعيد الأضحى المبارك    سمو محافظ الخرج يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المصلين    محافظ الطائف يؤدي صلاة عيد الأضحى في مصلى الخالدية    رئيس مجلس الشورى يهنئ القيادة الرشيدة بعيد الأضحى المبارك    الرئيس المصري: لمست في الحج حسن التنظيم والخدمات.. شكرا للملك سلمان وولي العهد    "روبوتات المطاعم " هل تهدد وظائف البشر ؟    أمطار رعدية المرتفعات الجنوبية    الكشافة تواصل جهودها بإرشاد الحجاج التائهين في مشعر عرفات    عروض مسرحية وفلكلور شعبي في احتفالات الشرقية بعيد الأضحى    الذكاء الاصطناعي يتحكم بالقرارات الشرائية لحوالي 80 %    الأهلي وصفقات الصيف    «الكانفاس» نجمة الموضة النسائية    القبض على بلوغر إماراتية بعد تصويرها مقطعا في مكان محظور    بياض الحجيج يكسو جبل الرحمة    «الدرون» العين الثاقبة في المناطق الوعرة    اكتشاف النهر المفقود في القطب الجنوبي منذ 34 مليون سنة    توصية متكررة بتحديث متصفح «غوغل»    وزير الخارجية يرأس وفد المملكة في قمة (السّلام في أوكرانيا) بمدينة لوتسيرن السويسرية    أبرز أمراض العيد وكيف يمكن الوقاية منها    5 مخاطر للأشعة فوق البنفسجية    ابتكار علاج جيني يؤخر الشيخوخة    في هذه الحالة.. ممنوع شرب القهوة    وزير الإعلام يتفقد مقار منظومة الإعلام بالمشاعر المقدسة    الرئيس المصري يزور المتحف الدولي للسيرة النبوية    2000 إعلامي من 150 دولة يتنافسون في الأداء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية.. تجربةً وحواراً
نشر في الرياض يوم 21 - 10 - 2010

أنا لا أملك يداً سحرية تقطف الدجوم، وأصابعي التي هي أغصان شجرة مرجانية منسية في قاع البحر الأحمر، لا تورق كزهرة الثلج، في الفضاء الحليبي الرحب، وحروفي منذورة لدمي الذي نزف في مواقع خطواتي على درب الشقاء الطويل، الشقاء الماجد والممجد، لأنه صاغني صياغة حبة الرمل، التي في أععماق خليجنا العربي، تتحول إلى لؤلؤة في جوف محارة عند مية اللون.
انه الألم الذي باركه الفريد دي موسيه، والعشق الذي نفذ إلى سره شاعرنا المتنبي، والقلق المميت، والمحيي، الذي لازمني في الحب كما في الكتابة، فأبقاني معلقاً في فضاء الأمل والخيبة، لكنه، القلق، تبارك ثلاثاً، جعلني اضطرب، مثل النورس في ريح العاصفة المجنونة، ومنذ وسمتني النار، في جبيني المتقد، ظلت جذوتها تشع وتخبو، بين رماد ورماد، بعضه للتوهج، للاحتراق، وبعضه للشروق فجراً، وللغروب غسقاً، وأنا أغذ السير في طريق، لا أدري أهو طويل أم يطول، لكنه، في كل حال، طريق المعاناة التي اكتويت بها، ظناً مني انها أخير الدواء، فإذا بي مع الركب في تيه العمر، فلا نكوص، ولا وصول، ولا ري لظمأ السراب الذي فديته، وافتديه، دون ان أبلغه، ودون أن أمل من الترحال في طلبه، ودون أن يمل هو من الابتعاد، كلما أحسست انني دنوت منه.
هكذا ترون، ان بعض القول لا يحكي فيضمر، مع انه ليس ثمة في حياتي المضطربة، بين رجاء وقنوط، أي اضمار، فسيرتي ورقة بيضاء وكلماتها غير المسطورة، تناديكم، ألا تتبعوني على خيط الهاجرة، أو شعب الجليد، فهناك الموت الذي ينفذ عبر المسام، ويبقى تأرجحاً بين سكرة حب، وسكرة هجر، سكرة يقظة، وسكرة احتضار، ثم لا فناء، بل احساس به يلازمني وأنا امرق من أحداق التجارب، تجربة بعد أخرى.
سأفترض انكم قرأتموني، أو ان بعضكم، مشكوراً، قرأني، لذلك لا أفصل في معاناتي وتجاربي، وان كنت أدعوكم، إذا ما أردتم ا تكونوا مبدعين حقيقيين، ان تتذوقوا ثمرة الخير والشر، فالشجرة المباركة التي أغرت حواء وآدم بأكل تفاحتها، قد كانت البدء، ولن تكون النهاية، فليس ثمة نهاية، ان رحلة التجارب، تنبت لكم، كل يوم، ألف عوسجة ملتهبة، وألف حسرة مدمرة، وألف اغراء بفرحة القلب، فكونوا في المجربين، وفي الغالبين، وفي الواثبين على الأذى، حتى لو لم يكن لكم من هذه الوثبة سوى ارضاء العلي، وكسب الخبرة، التي بغيرها، مدماة، مفجعة، مسندسة، مخصبة، لن تبلغوا ما تريدون من اشعال شموع الابداع، على اسم الحرف، الكلمة، اللوحة، الازميل، القوس، الوتر، اشكالاً للعطاء، تزهو، تثمر، حين هي منعقدة، منضفرة على وعد الازهار والاثمار، وهما تاج الشوك وتاج الغار، ولابد لرأس المبدع أن يتوج بهما معاً، وإلا أضاع العمر في ثنايا غمامة صيف، تمطر ولا تمطر، لا لأنها عقيمة، بل لأنها لم تكتسب تجربة، تحولها إلى ماء، كما تحول في الاعجوبة، الماء إلى خمر.
مطر! مطر! مطر! هذا هو غيث السماء ومنحتها، وتجربة، تجربة، تجربة، هذه نعمى الابداع ومكافأته، اذن جربوا، عانوا، ترحلوا، اقيموا، وبكلمة، عيشوا بين الناس وفي صفحات الكتب، فالمعرفة لا تتحصل إلا منهما معاً، ومن تلك الملاحظات الدقيقة، المتميزة، المفردة، التي تلتقطها عين واحدة، من زوايا مختلفة، وتحتفظ بها الذاكرة، وتحفظها، قولة تشيكوف، في دولاب المأكولات، فأنتم لا تعرفون متى تحتاجونها، ومتى تستيقظ هي في ذواتكم المبدعة، فترتفع من قاع البئر المهجور في نفوسكم، إلى أسنة أقلامكم، التي تسرمون بها تجاربكم قصائد وقصصاً وروايات.
هذا ما فعلته أنا، أو هذا ما أرادت لي الحياة أن أفعله، وقد ألقيت بنفسي في بحر التجارب الجائش، وما أزال هناك، أغامر، احيا، أتألم، ابحث عن الألم أقف على حافة الخطر، أعيش الحياة، لأن العيش شيء جميل يا أصدقائي، كما قال ناظم حكمت، ولأنه كذلك، فقد خلق العيش لذات نفسه، فالحياة جديرة بأن نحياها كرمى لها، لا لأن نذهب إليها، وفي جيوبنا فخاخ لاصطياد أجناسنا الأدبية، وأشكالنا الفنية هذه الطرائد تأتي تاليا. طيور التجارب تحط يوماً على دوحة الذاكرة، وتبني أعشاشها، بين أصابع الكف، وتنطلق في فضاءات التأمل، وتحوم في آفاق التفكير، وتنضج في دواخلنا، نضوجاً صحياً، متناغماً، وحين تكتمل عدتها من النضج والتخمر، تصبح نبيذاً معتقاً، نشرب منه، ونسقي الآخر، القارئ، شراباً عذباً، يتطلبه، ويبحث عنه، ويجد صورته فيه، وهمومه في خطوطه ومشاكله في صبواته، ثم لا تجاوز في ضربات الريشة التي نرسم بها، وبالكلمات التي ننقشها، بوحاً هو النجوى في قصيدة، وتوقا هو مدعي الشوق في قصة، وما لما هو الكون في رواية، ومنظراً جميلاً هو المدى اللامتنماهي في لوحة، ونغماً حلواً، منساباً، موحياً، هو الايحاء في لحن ينداح نغمات إلى اتساع ابداً، وهو الطرب في أغنية تحلق بنا عالياً، وهو الدانوب الأزرق يحملنا على اجنحة النشوة كما في معزوفة شتراوس، أو فانتازيا مخملية ارجوانية كما في قوس شوبان.
قلت انني اعفيكم من تفاصيل سيرة حياتي، المعيشة والمكتوبة على السواء، فانتم تعرفونها، أو ستعرفونها، لكنني أحذركم من محاكاتها، ليكن لكم صوتكم الخاص، وأسلوبكم المفرد، وكلمتكم المتميزة، التي تنقبون عنها، كما قال بابلونيرودا، عبر فجوة في الجليد، فعْل الصياد في المياه المتجلدة، فهو يفتح ثغرة فيها، ويلقي بصنارته، وينتظر اصطياد السمكة، هذه التي هي هنا الكلمة. وكما أن الأسماك لا تلتقط طعم الصنانير بسهولة، فكذلك الكلمات لا تستجيب لطالبيها بسهولة.
انها، أحياناً، تبتعد تنأى، تحرن، تعاكس، تشاكس، وفي هذه الحال علينا أن نصبر عليها، ونصابر لأجلها، فعل الصياد الماهر، لأنه ليس هناك إلا كلمة واحدة، لتأدية معنى واحد. ابحثوا اذن عن هذه الكلمة، عنها بالذات وليس عن غيرها، وستجدونها، تبتكرونها، تشتقونها، تلتقطونها من صندوق الحروف، فعل عمال المطابع في الماضي، أو تضربونها على آلة التنضيد فعل المنضدين في الوقت الراهن، وعندما تتحصل الكلمات الملائمة لكم، تكونون قد امسكتم بمفردة مبتكرة، لصورة مبتكرة، فليس اقتل للأدب من الكلمات الجاهزة، والصور الجاهزة، والرؤى المتهرئة، والأحداث المتكررة، والتشبيهات المسبوقة، والنعوت الملحوقة، وكل ما يجعل القطعة الأدبية نسيجاً بساطياً عفت رسماته ونقوشه وشاهت منمنماته لفرط ما وطأتها قدم الزمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.