أن تقف سيدة سعودية مرتبكة في بلد غربة تحتاج إلى مساعدة فتتلفت يمينا وشمالا لترى سيدة سعودية أخرى يظهر عليها وعلى بعلها سمات (الصلاح) فتسألهما جنيها استرلينيا لتتصل على زوجها، أو أن يقفا معها حتى يصل خصوصا وأنه مبتعث للدراسة مثلهما فيشيحان عنها وينفران منها لأنها في نظرهما فاسقة بعدم تغطية وجهها، أو ربما لأن الزوجة قد خافت على زوجها أن يفتن بها فسحبته بعيدا عن تقديم المساعدة لأختهما في الله؛ إذا لم يكن الدين يحث على مساعدتها أفلا يكون لرباط الوطن دور في مساعدتها، فإن تخلى الدين والوطن فأين الرجولة والأخلاق الفاضلة والشهامة؟ وأن تقع امرأة وأطفالها في مشكلة فتجد نفسها إلى جانب ذلك تمد يد المساعدة لعجوز في ذات المحنة لا تدري كيف تتصرف، وعندما يأتي ابنها لاستلامها بأمان يكون رد الجميل لتلك السيدة أن يبدأ الابن بمعاكستها واستغلال الظرف الذي وضعت فيه هي وأمه؟ وأن يقف موظف الخطوط السعودية في المطار يفرز المسافرين الذين تتأخر رحلاتهم فعندما يصل للنساء يتعامل معهن وكأنهن رجس من عمل الشيطان (وخري يا حرمة...هناك ياحرمة...فارقينا ياحرمة)، وفي مطارات أخرى ينظر للمرأة المسافرة وحدها على أنها ابنة ليل يباح عرضها وتنتهك خصوصيتها من الجميع تقريبا، فهي بين متأفف من حالها يرى في سفرها منفردة معصية تستوجب غضب الله؛ ولذلك فإنه ينأى بنفسه عن تلك المذنبة، وبين مريض يرى فيها فرصة سانحة وفريسة سهلة لغرائزه وعقده وقرفه. المريضات في المستشفيات لا يسلمن من التحرش، والمسافرات لايسلمن من التحرش، والمتسوقات لايسلمن من التحرش، والمشتكيات لايسلمن من التحرش، والباحثات عن وظائف لايسلمن من التحرش، المحجبة والمنقبة، كاشفة الوجه والمبرقعة ومن تغطي وجهها ومن تكشف عن شعرها .. الجميع يتعرضن للتحرش، حتى الطائفات بالكعبة المعظمة يجدن تحرشا إلى درجة يندى لها جبين الإنسان. ونادرا ما تشتكي المرأة من التحرش خوفا من الفضيحة. الكذب أصبح ميزة وعلامة من علامات الفهلوة والشطارة، والخداع أصبح سياسة لابد منها في إدارة شؤون الفرد والمؤسسة، والمماطلة أصبحت سمة في بيئة الأعمال، فلا دين يسدد في وقته ، ولا قرض حسن يعاد بدون مشاكل، ولا إيجار يدفع بدون مماطلة، ولا عمل يؤدى كما ينبغي إلا إذا كنت عليه واقفا ومراقبا، وكأننا نسينا الإحسان الذي هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. التطرف يمينا أو يسارا يتجاوز حدود المعقول، بل وصل الأمر عند البعض إلى مستوى من الإفراط أو التفريط الذي قلما تجده في مجتمعات أخرى. فلماذا وصلنا إلى هذه الدرجة؟ ولماذا لم تتحرك مؤسساتنا لدراسة هذه الأزمة الأخلاقية وتعمل على علاجها في الوقت المناسب؟ أين القرآن والتفسير والتوحيد والفقه التي درسناها على مدى سنوات التعليم العام؟ لماذا لم تؤثر في سلوكنا وتتمثل في أخلاقنا وتعاملنا مع بعضنا البعض ومع الآخرين؟ أين الصلوات التي نحرص على أدائها جماعة، وبدون وضوء أحيانا، ليشهد الناس بأننا نصلي حتى يثنوا علينا وحتى لا نطرد من بيوتنا بسبب عدم الصلاة جماعة؟ أليست الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ لماذا لا تنهانا عن الفواحش الأخلاقية التي نرتكبها في حق الآخرين؟ لأ أعمم ولكنها أعراض لمرض الأخلاق الذي لايجب أن ندس رؤوسنا في التراب ونتجاهله؛ لأن تجاهل المشكلات يضخمها ويفاقم من أضرارها ولا يمكن أن يكون حلًا لها. لابد من سن قوانين صارمة في مسألة التحرش خصوصا وأن بلادنا تحتل المركز الثالث في التحرش بين 24 بلداً. أليس هذا يتناقض تماما مع مجتمع محافظ ومتدين؟