آل حيدر: الخليج سيقدم كل شيء أمام النصر في الكأس    أجواء "غائمة" على معظم مناطق المملكة    إلزام موظفي الحكومة بالزي الوطني    "واحة الإعلام".. ابتكار لتغطية المناسبات الكبرى    تحت رعاية خادم الحرمين.. البنك الإسلامي للتنمية يحتفل باليوبيل الذهبي    الرياض.. عاصمة الدبلوماسية العالمية    بمشاركة جهات رسمية واجتماعية.. حملات تشجير وتنظيف الشواطيء    492 ألف برميل وفورات كفاءة الطاقة    «زراعة القصيم» تطلق أسبوع البيئة الخامس «تعرف بيئتك».. اليوم    الرياض.. عاصمة القمم ومَجْمَع الدبلوماسية العالمية    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    "عصابات طائرة " تهاجم البريطانيين    كائن فضائي بمنزل أسرة أمريكية    أمير الرياض يؤدي الصلاة على منصور بن بدر بن سعود    القيادة تهنئ رؤساء تنزانيا وجنوب أفريقيا وسيراليون وتوغو    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    إحالة الشكاوى الكيدية لأصحاب المركبات المتضررة للقضاء    القتل ل «الظفيري».. خان الوطن واستباح الدم والعرض    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    أرباح شركات التأمين تقفز %1211 في 2023    وزير الإعلام ووزير العمل الأرمني يبحثان أوجه التعاون في المجالات الإعلامية    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    برعاية الملك.. وزير التعليم يفتتح مؤتمر «دور الجامعات في تعزيز الانتماء والتعايش»    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    4 مخاطر لاستعمال الأكياس البلاستيكية    وصمة عار حضارية    استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة !    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    تجربة سعودية نوعية    الأخضر 18 يخسر مواجهة تركيا بركلات الترجيح    الهلال.. ماذا بعد آسيا؟    تتويج طائرة الهلال في جدة اليوم.. وهبوط الهداية والوحدة    في الشباك    انطلاق بطولة الروبوت العربية    حكم و«فار» بين الشك والريبة !    الاتحاد يعاود تدريباته استعداداً لمواجهة الهلال في نصف النهائي بكأس الملك    وزير الصناعة الإيطالي: إيطاليا تعتزم استثمار نحو 10 مليارات يورو في الرقائق الإلكترونية    64% شراء السلع والمنتجات عبر الإنترنت    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا عبده خال.. هناك ما يبهج
نشر في الرياض يوم 07 - 03 - 2010

من يقرأ روايات عبده خال سيظن أن وراء كاتب هذه الروايات كائنا انعزاليا، كئيبا، وسوداويا. هذه المشاعر تتسرب للقارئ من خلال موضوعات رواياته، غير أنّ الأمر ليس كذلك، فعبده خال هو الرجل البسيط لكن الصاخب والضاجّ بالحركة والطموح. ومن يعرفه يعتقد بأنه الكائن الفوضوي، غير المنضبط في مواعيده مع الآخرين، لكن هذه الفوضوية يتم ضبطها في حالة الكتابة فلا يمكن أن تصح هذه التهمة على رجل يواصل انجازه السردي دون كلل. إنّ من يرصده وهو يكتب المقالة اليومية ويشارك في أنشطة النادي الأدبية ويتداخل مع الفضائيات في شأن المجتمع سيخيل إليه أنه في حالة شتات، لكنه يفاجئ الجميع بأنّ إصداره السردي متواصل وبعيد كل البعد عن الشتات.
في ظل هذه المقدمة عن الإنسان عبده خال نتساءل عن السارد المختبئ في هذا الجسد النحيل. هذا السارد الفطري الذي ارتشف الحكايات من أفواه العجائز اللائي أحطنه بالود وحقنّ ذاكرته بالمرويات الشفهية القروية، وخلقن في داخله لذة الإصغاء وأمجاد الخيالات.
هذا السارد حين كتب رواياته تخلى عن فطريته، تخلى عن عفوية القص، وأخذ من تلك الحكايات مادته الحكائية لينسجها بحالة احترافية سردية. هذا السارد المختبئ الذي نظنه مهملاً ومتوارياً وهو ليس كذلك ، يرصد الوجوه في صمت ، يدون الملاحظات، يستعيد الحكايات وينسج التخيلات السردية لكل رواية سيكتبها. هو ممن يؤمنون بأن الإنسان هو صانع مجده، وقد وجد في السرد مادة هذا المجد، وتحقق له ما أراد مع حصوله على جائزة البوكر للرواية العربية. هذا الكاتب الذي كان الأكثر طموحاً بين أبناء جيله من كتاب القصة، والأكثر مغامرة في تقديم نفسه ساردا محترفاً، بدأ طريقه ب"الموت يمر من هنا" ولا أظنه سينتهي ب "ترمي بشرر".
العناوين:
"حوار على بوابة الأرض" مجموعة قصصية. "لا أحد" مجموعة قصصية أخرى. "ليس هناك ما يبهج" مجموعة قصصية ثالثة. "الموت يمر من هنا" رواية. "مدن تأكل العشب" رواية. "من يغني في هذا الليل" مجموعة قصصية. "الأيام لا تخبئ أحداً" رواية. "الأوغاد يضحكون" مجموعة قصصية. "الطين -ذلك البعيد كان أنا" رواية. "نباح" رواية. "فسوق" رواية. ثم روايته "ترمي بشرر". من سيقرأ عناوين المجموعات القصصية والروايات لعبده خال سيجد أنه كان في بداياته يلجأ إلى شعرية العبارة، لكن تلك الشعرية في اللغة تُخفي وراءها معاني اليأس واللا أمل والسوداوية وقد تعمّد أن يوارب بها المعنى. وتلك العناوين مثقلة بالوقوف على المكان والنفي لحالة ما. فهو ينفي البهجة في ليس هناك ما يبهج وهو يقرر بأن الأيام لا تخبئ أحدا وهو يتساءل عمن سيغني في هذا الليل.
كان في بداياته يكتب العنوان بحزنه أو بالجزء اليائس في داخله أو أنه يعلن موقفاً ما، لكنه في عناوين رواياته الأخيرة تخفف من اللغة الشعرية في صياغة العنوان. ليس ذلك بهدف صياغة عنوان تسويقي، لكنه أصبح أكثر وضوحاً، أكثر حدة، وأكثر اقترابا من التعبير عن همه العابر لكل منجزه السردي. فعبده خال ربما هو الروائي السعودي الوحيد الذي يشتغل على هموم محددة تربط رواياته بخيط سردي يحمل طابع الرهافة ولا يدركه إلا من يترصد تلك الهموم في كل الروايات التي أصدرها.
الاوغاد يضحكون
التكنيك السردي:
وان كان عبده خال نتاج الحكايات الشفهية والفضاءات المفتوحة التي تحرّض على شهوة الحكي فهو، حين يسرد نصه، يكون مولعاً بالتجريب والمغامرة. وهو، وإن تشابهت الثيمة التي يشتغل عليها في كل رواياته، إلا أنه يحمل المغايرة في التكنيك مابين رواية وأخرى. فهو في رواية الموت يمر من هنا يفتتن بالواقعية السحرية لروايات أمريكا الجنوبية ويحاكيها ببصمته ونكهته المحلية. وفي الطين يعلو سقفه التقني في الكتابة ويجرب ويكتب برؤى فلسفية تحت مظلة شغفه بالزمن وتأويله، وفي نباح يرتد للحكاية، ثم يعود في فسوق إلى مغامرة سردية مختلفة وكذلك في ترمي بشرر. لكنه لا يتخلى عن الحكاية فهو شغوف بها وهو يدري بأنها صانعة المجد لكل رواية مدهشة.
الشخصيات:
في روايات عبده خال نجد أنّ الشخصية الذكورية ناضجة كشخصية السوداي، درويش، أبو حية، الجبلي ، يحيى الغريب. وأتصور أن الشخصيات في الروايات الأولى لعبده خال أكثر نضوجا من الروايات الأخيرة، ربما لأنه انصرف في الروايات الأخيرة للاشتغال على التكنيك. كذلك فهو يبرع في رسم الشخصية النسائية التي تجيء في مقام "الأم" كأم يحيى الغريب أو العجوز نوار بينما يخفت رسم الشخصية عندما يتعلق الأمر بشخصية الأنثى الشابة. ونلاحظ أن الشخصيات النسائية الشابة تتشابه وليست بعمق الشخصيات النسائية الكبيرة في السن. ربما سر هذا التشابه هو الوقوع في نموذج الأنثى المتسلطة عاطفيا، فنجد شخصية مها في رواية "الأيّام لا تخبىء أحداً" وشخصية وفاء في "نباح" ثم جليلة بطلة "فسوق" وكذلك بطلة رواية ترمي بشرر. وربما ولعه وقربه من نموذج الأم التي تحمل تأثيراً شخصياً في حياته جعله يبرع في رسمها. وغالباً ما تحتشد روايات عبده خال بالشخصيات، لكنه قادر أن يمنح كل شخصية صوتها الخاص، لذا نجد أنّ للكثير من تلك الشخصيات أقوالاً وأفعالاً تعلق بالذاكرة. وكلما كانت الشخصية قروية أصبح الكاتب أكثر حميمة في بناء ملامحها. وكلما كانت الشخصية من تشكلات الحارة كلما أجاد في تقديمها بكل خصائصها النفسية، لكنه يكون أقل إجادة في رسم الشخصية الارستقراطية، ربما لعامل مهم هو أن رواياته تشتغل غالبا على الطبقة الكادحة والمهمشة، وإن الهم الطبقي يتضح جليا في كل رواياته.
الطين
القارئ وعبده خال:
يجب ألاّ تأخذك الدهشة عندما تسمع قارئاً يقول: لم أستطع إكمال قراءة رواية لعبده خال .. وليس غريبا أن تجد قارئاً مفتوناً بمنجزه السردي فهذا التباين هو التباين المنطقي الذي يُحدثه المبدع الحقيقي وعبده خال كذلك. فله قارئه المحب والشغوف ثم، في المقابل، هناك القارئ المتملل وغالبا ما أرصد أن سبب هذا الملل من القارئ يرجع، إما للغة أو لطبيعة موضوع الرواية. لكن عبده خال وبحسب هذه المسيرة السردية استطاع أن يستحوذ على رصيد جيد من القراء. تستطيع أن تتلمس هذا الإعجاب في تواقيع أعضاء المنتديات الإلكترونية المأخوذة من رواياته. والأمر الملفت أن روايات عبده خال هي أكثر قرباً للناقد العربي، وستجد أنه اقتراب حقيقي وليس من باب المساندة للمنتج السعودي. وقد يكون القارئ العربي ميالاً إلى تقنياته السردية وكذلك إلى موضوعاته التي تقرأ خارجيا بطريقة مختلفة عن القراءة للقارئ من الداخل.
ما بعد البوكر
عندما يقال ان رواية "ترمي بشرر" هي الحلقة الأضعف في روايات عبده خال فهذا الرأي لم يعد مهماً الآن، فالرواية حصدت الجائزة التي ينتظرها كل روائي عربي. لكن الأمر المهم هو ألاّ يتعاطى عبده خال مع فوزه بالجائزة على أنه رد على كل المشككين في ضعف وترمي بشرر.
إنّ فوز عبده خال بهذه الجائزة وهو في هذا العمر وحصده لها وهو قادم من منجز محدود التراكم.. كل هذه المعطيات تجعل المسؤولية تتضاعف، فهو الآن يعيش لحظة نشوة وطمأنينة، لذا فإن لديه فرصة الكتابة بهدوء وصفاء في القادم من الأيام دون ضغوط إلا ضغوط التفوق والانتصار لموهبته السردية وترسيخها. وإذا ما انحاز للفنان في داخله - وهو قادر على ذلك- وإذا ما استشعر الفرح الجماعي لفوزه بالجائزة فإنه سيكتب وهو على يقين بأن هناك ما يبهج وأنه عندما صاغ العنوان الرديف لرواية الطين ( ذلك البعيد أنا ) .. يدرك أنه الآن اقترب من ذاكرة المجتمع .. انه الآن أصبح بطلنا الثقافي الذي نفخر بمنجزه وبفوزه بجائزة البوكر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.