كل الطرق تؤدي إلى محطة القطار .. لكنني اعتدت ، في هذه البلدة الريفية ، أن أسلك درباً يمر بي من بائعة الزهور .! قد أشتري وردا وقد لا أشتري ، ولا تهمني أيضا بائعة الزهور .. ولن يسوؤها هذا (الغريب) ، يمر هذا اليوم دون أن يشتري باقة من الزهور . أستحضر(السعادة) ، في لحظة (السأم) ، فجاءت .. صحيح أنها (أي السعادة) قدمت رِجلا وأخّرت أخرى .. تمنّعت .. تدللت .. لكنها أتت.! لم يأت بها عفريت من الجن .. وليس عندي (مصباح) علاء الدين ، فأنا منذ الصغر ما كنت متحمساً للحصول عليه .. ولم يسبق لي أن رأيت (عفريتا من الجن) ، أما معرفتي بعفاريت (الإنس) فهي سطحية لا تسمح بتبادل المنافع .! دعوت السعادة فأتت .. أدركت أنها لم تكن أبدا بعيدة عني .! أحيانا نبحث عنها بعيدا .. نركض ونلهث ونجهد قلوبنا ، ثم نكتشف أنها في متناول أيدينا .. تماما مثلما تبحث يا صاحبي عن النظارة وهي فوق عينيك ، أو تبحث عن الشجرة وأنت تتفيأ ظلّها.! * * * كان صباحاً نضّاحا بالتوق ، عرّج بي فيه (التلفريك ) إلى مرتفع شاهق .. وعجبت كيف أمكنني أن أعصف بآخر فلول (فوبيا الأماكن المرتفعة) ، الذي ظل يسكن طفولتي ، ويعبث بأخيلتها . جبان هذا الخوف .. إنها المرة الأولى التي أكتشف فيها ذلك .! كنت (مسكوناً) لكنني ، في لحظة التوق تلك ، ركلت (المحتل) على قفاه .. تحوّل صدري إلى سرادق كبير ، يموج ببهجة المهج ، فوجدتني أدور في فلك غيمة بيضاء تسبح فيها الأرواح .! * * * ما كانت السعادة نجمة تقطف ، في سماء تزخر بالنجوم ، يكفيك منها أن تغمر وجدانك بألقها .. وستشير بوصلة قلبك إليها ، لتأخذك بلا وكالة فضاء إلى منازل القمر .! * * * في كلّ مكان يا صاحبي هناك ما ننجذب إليه .. بعيوننا وينعكس علينا .. مثل المرآة التي تلتقط الضوء والأشكال والالوان .. لا تغمض عينيك عن الموجود فهو لا يجعله غير موجود .. أن تعترف بوجوده لكي تضيف إليه شيئا منك .. خطوطك وألوانك وذائقتك .. فأنت لا تستطيع أن تلغي ما حولك .. لكن تستطيع أن تغير إحساسك به .. أن تستخرج منه ما يعجبك .. وهذا ما يفعله الرسام والشاعر والموسيقي والنحات وبائعة الزهور .. وهكذا وجدتني أسلك هذا اليوم درب بائعة الزهور .. وقد أمر بالحداد يوما ، أو ورشة الخراطة .. فبمثلها وبضدها تنجذب أشياؤنا الجميلة .!