السعودية.. دور حيوي وتفكير إستراتيجي    تعديلات واستثناءات في لائحة ضريبة التصرفات العقارية    «الجمارك»: استيراد 93,199 سيارة في 2023    وزير الخارجية: القضية الفلسطينية أولوية تُعبّر عن صوت الأمة الإسلامية وضميرها الحي    يسله وجيسوس يحذران المهددين من «الإنذارات»    بأمر خادم الحرمين.. تعيين 261 عضواً بمرتبة مُلازم تحقيق في النيابة العامة    «المظالم» يخفض مدد التقاضي و«التنفيذ» تتوعد المماطلين    الأرصاد: توقعات بهطول أمطار على أجزاء من منطقة الرياض    «مهندس الكلمة» عاصر تحولات القصيدة وغيَّر أبعاد الأغنية    ميدياثون الحج والعمرة يختتم يومه الثالث "يوم الماراثون"    «MBC FM».. 3 عقود على أول إذاعة سعودية خاصة    لا تظلموا التعصب    معالي الفاسد !    أنقذوا «سلة الحقيقة»    عضوية فلسطين بالأمم المتحدة.. طريق الاستقلال !    القبيلة.. وتعدد الهويات الوطنية    «كاكا» الصباغ صرخة سينمائية مقيمة    الأمم المتحدة تغلق ممر المساعدات إلى دارفور    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    الذهب يتأرجح مع تزايد المخاوف بشأن أسعار الفائدة    تقدير الجهود السعودية لاستقرار السوق العالمية.. المملكة تعزز تعاونها مع أوزبكستان وأذربيجان في الطاقة    70 % نسبة المدفوعات الإلكترونية بقطاع التجزئة    الهلال يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأهلي    رونالدو: لا أركض وراء الأرقام القياسية    الطائي يتعادل مع الخليج سلبياً في دوري روشن    بتنظيم وزارة الرياضة .. "الأحد" إقامة المؤتمر الدوري للقطاع الرياضي    القيادة تعزي رئيس الإمارات وتهنئ رئيس بولندا    مجلس الشؤون الاقتصادية يشيد بالنمو المتسارع للاقتصاد الوطني    أبعاد تنموية    مليون وظيفة في «السياحة» عام 2030    وفاة صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل سعود    منح تصاريح دخول العاصمة المقدسة    ضبط أكثر من 19600 مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    أمر ملكي بتعيين (261) عضوًا بمرتبة مُلازم تحقيق على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    مفاوضات هدنة غزة.. ترقب لنتائج مختلفة    «الأوروبي» يدين هجمات موسكو السيبرانية    "زرقاء اليمامة".. أول أوبرا سعودية تقدم تفسيراً لإحدى أقدم الأساطير    ملتقى الصقارين ينطلق في الرياض بهدف استدامة هواية الصقارة    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    يجنبهم التعرض ل «التنمر».. مختصون: التدخل المبكر ينقذ «قصار القامة»    انطلاق فعاليات «شهر التصلب المتعدد» بمسيرة أرفى    سفير خادم الحرمين في الفلبين يستقبل التوءم السيامي وأسرتهما    طريقة عمل بسكويت النشا الناعم بحشو كريمة التوفي    «ذبلت أنوار الشوارع.. وانطفى ضيّ الحروف»    النملة والهدهد    ضبط مواطن في حائل لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    الديوان الملكي ينعى الأمير بدر بن عبدالمحسن    أمير الجوف يعزي معرّف جماعة الشلهوب بوفاة شقيقه    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    وزير الخارجية: السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة «التعاون الإسلامي» وتطويرها    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليست النساء اللواتي أروي عنهنّ سيئات على الإطلاق، ولا هنّ صالحات، إنهنّ كما هنّ
الروائي اللبناني رشيد الضعيف لثقافة اليوم:
نشر في الرياض يوم 17 - 12 - 2009

يمثل الروائي اللبناني رشيد الضعيف حالة روائية عربية مستقلة ، فهو ينجو من كتابة القضايا الكبيرة .مضامين رواياته تتعاطى مع التفاصيل الصغيرة ، وعناوينها مختارة من الأشياء المهملة واللامتوقعة .أزمات أبطاله شؤونهم البسيطة ، عالمهم ضيق لكنه عميق ، يروي عنهم بشفافية ، لا ينحاز ولا يأنقهم ، لا يبجلهم ،بل يقدم ذواتهم بحياد ، كأنه يترك لعبة الانحياز أو التخلي للقارئ، لغة سرده تأتي مناسبة للعوالم السردية التي يرتادها ، هو الروائي الذي يجاور أبطاله وينتزّه معهم في لعبة سردية ماتعة .. ورشيد الضعيف منجزه السردي حافل بالعديد من الروايات ، لكننا في هذا الحوار ل ثقافة اليوم نتعرف على رؤاه في روايتي ( تصطفل ميريل ستريب ) و ( أوكي مع السلامة ) .
- عنوان روايتك "أوكي مع السلامة" يبدو غريباً نوعاً ما مستدعياً معه العامية المختلطة بلغات وثقافات غربية، وكذلك عناوين بعض رواياتك الأخرى ك«ليرننغ إنغلش»، و«تصطفل ميريل ستريب». بماذا تفسر ميلك إلى اختيار مثل هذه العناوين؟ هل هي لعبة تسويقية أم أنك راغب في الخروج بها عن العناوين ذات اللغة الشاعرية، أم تراك تمنح القارئ شعوراً بأنه سيقرأ رواية ذات روح سردية غير معتادة، وهل تدلّ تلك العناوين على عوالم رواياتك؟
= ليتني أستطيع كتابة رواية بلا عنوان، لأنّ العنوان عادةً ما يكون شرّاً لا بدّ منه. العنوان غالباً ما يكون دعوة من قِبَل المؤلّف إلى قراءة الرواية بطريقة محدّدة. أفضّل أن يكون العنوان اسماً للرواية مميِّزاً لها، لا أن يكون صفةً لها. لأنّ العنوان الذي يصف محتوى الرواية أو يلخّصه هو دعوة إلى قراءتها من وجهة نظر معيّنة واحدة. وأنا مقتنع بأنّ الرواية ملك لقارئها. بل أكثر من ذلك، فإنّ المؤلّف بالذات يصبح قارئاً لروايته بعد أن يكتبها وينشرها. هو ذاته يقرؤها اليوم بطريقة ما وبعد سنة يقرؤها بطريقة مختلفة. وكثيرا ما أطّلع على قراءة لروايتي من قِبَل ناقد ما فأكتشف فيها ما لم أكن أقصده وما لم أكن منتبهاً إليه.ربّما كان اختيار العنوان أصعب لحظة عليّ في عمليّة الكتابة، وبما أنّه لا بدّ للرواية من عنوان، فإنّني دائماً ما تستبدّ بي الحيرة، وأبقى طويلاً أتساءل: هل أسمّيها لأميّزها فقط، أم أعطيها عنواناً يصف ما فيها أو يلخّص ما فيها فأُملي بذلك على القارئ طريقةً لقراءتها؟ ثمّ إنّني أعمد أحياناً إلى اختيار عنوان يربط الرواية بالثقافة الفاعلة في اليوميّ. تلك الثقافة التي لا يُسلّطُ الضوءُ عليها في جامعاتنا، لأنّ الدكاترة يعتبرونها من خواصّ العامّة، بينما هي في الحقيقة جزء أساسيّ من شخصيّتنا المعاصرة.فالمسألة إذن يا صديقي، كما ترى، ليست مسألة تسويق. ولو كانت كذلك لما اخترتُ عنواناً عاميّاً في إحدى رواياتي لا يفهمه إلاّ اللبناني والسوري وقسم من الفلسطينيين، وأقلّ من ذلك من الأردنيين. وإنّني لا أقول ذلك ذمّاً بالتسويق، فهو حقّ للمؤلّف. ولو كانت هناك حاجة أو كان داعٍ لفعلت. ربّما استطعتَ وصف بعض من عناوين رواياتي ب"المُغرية" أو "المستدرِجة" لأنّها ترشدك إلى ذاتك، وتبعدك عن الثقافة التاريخيّة والرسميّة، التي تنتمي إليها عناوينُ معظم الروايات وتشكّل جزءً منها.
- كما أن عالم الصغار يحتاج إلى فطنة وإدراك من الروائي لكتابته فإن عالم الكبار في السن أيضاً يحتاج من الروائي فطنة في تقديمه. إنه العمر الملتبس بالضعف والعجز والذكريات والخوف من الموت، وفي روايتك قدمت الرجل العجوز العاشق.. الرجل الذي أدركه العشق متأخراً. لم يكن دون جواناً بل عشق امرأته بطريقة صافية منحته حب الحياة من جديد . كتابة الحب في الشيخوخة كيف تراه وكيف تم تدوينه في روايتك؟
= أتّفق معك بأنّ "أوكي مع السلامة" تروي انتباه "بطلها" إلى أنّه يشيخ، وإلى أنّه كبر في السنّ وأنّ لذلك عواقب. وكانت علاقته بهذه المرأة التي تصغره بعشرين عاماً ثمّ هجرُها له الصدمةَ التي تولّد منها هذا الانتباه. انتبه "البطل" إلى أنّه لا يستطيع أن يُطيل في عمره ما يشاء، وانتبه إلى أنّه لا يستطيع أن يعيش في الستّين من عمره ما لم يعشه وهو شابّ. وانتبه إلى أنّ ممارسة الجنس ليست بالضرورة أمراً سهلاً حين تكون الشريكة على هذا القدر من الثقافة والوعي والتجربة، وانتبه إلى أنّ والدته التي بدأت تفقد ذاكرتها لا تكبره إلاّ بستة عشر عاماً، وإلى أنّه لا يستطيع تعلّم الإنكليزيّة (ليستردّ حبيبته) بسرعة فتى وحيويّته، وبأنّ الرغبة والإرادة لا تكفيان.أوافقك تماماً على أنّ الشيخوخة التي أحسّ بها "بطل" هذه الرواية هي الموضوع. ولذلك فإنّ سلوكه مع حبيبته قبل الهجر وبعده هو نمط وجود شيخوخته: هكذا هي بداية شيخوخته! هكذا تتشكّل! أمّا ما يقال عن "جرأتها" و "فجاجة" بعض المشاهد فيها فما هو إلاّ كلامُ مكبوتٍ أو جاهل، أو غافل عن أمور هذه الدنيا.
- لم أفسر شغف بطل الرواية بتعلم الانجليزية على أنه جاء بسبب طغيان الإنكليزية كلغة عالمية، بل فسرت الأمر بأنه يريد التناغم مع محبوبته. أن يشاركها التفاصيل الصغيرة كالاستمتاع بمشاهدة الفيلم الأجنبي ..هل هذا التفسير صحيح ؟
= نعم صحيح. روايتي هذه ليست رواية قضايا، أيّ أنّها لا تتناول قضيّةً وتعالجها. وهي لذلك لا تعالج قضيّة انتشار الإنكليزيّة في العالم وانحسار اللغات القوميّة الأخرى وتراجع استعمال هذه اللغات حتى من قبل أصحابها. بل تروي "أوكي مع السلامة" حالةً خاصّة، بعينها، هي حالة هذا الكاتب الستّيني الذي أغرم بامرأة تجيد الإنكليزية وتعيشها، لأنّها أمضت سنوات دراستها في المدارس والجامعات الإنكليزية وفي لندن بالذات، وعملت في أمريكا، وكانت تعشق السينما الأميركيّة وتشاهد الأفلام بدون ترجمة، لأنّها كانت تعتبر ترجمة المحكيّة الأميركيّة إلى الفصحى العربيّة إضاعةً لكثير من المعنى، وحين هجرته ولم "يبلع" ذلك الهجرَ ولم "يهضمْه" ظلّ يأمل في استردادها، وفكّر في أنّ الوسيلة لذلك هي في تعلّم الإنكليزيّة ليعود إلى مشاهدة الأفلام الأميركيّة التي كانت تحبّها في لغتها الأصليّة، وفي أن يدرس جيّداً هذه الأفلام وأن يدرك معانيها، لأنّها في اعتقاده تشكّل محتوى وعي صديقته، فإذا فهمها استطاع فهم وجدان صديقته واستطاع بالتالي العمل على استردادها. لكنّ العلم في الكبر ليس كالعلم في الصغر.
- عاشت الرواية العربية مرحلة من الكتابة العمومية عن المجتمع وعن الشعارات وعن ادعاء كشف المستور ، أنت تؤمن بكتابة الحالة الفردية ، بكتابة التفاصيل البسيطة التي تؤسس لدرامية حميمية. هل هذه الحالة في تصورك أشد تعقيداً وتحتاج قدرة عالية من الالتفات إلى صغائر الأشياء . ألا تشعر أن الحالة كانت أكثر سهولة للروائي العربي في كتابة الرواية ؟
= من الصعب عليّ أن أحدّد موقعي كروائي من الرواية العربيّة عامّةً، ولكنّني أستطيع القول بلا كثير من المخاطرة، أنّ هناك ميلاً عارماً في الرواية العربيّة مبنيٌّ على الاعتقاد أنّ على الكاتب التزام قضايا الوطن أو المجتمع أو الطبقة أو المرأة أو ما إلى ذلك. وهناك اعتقاد عارم بأنّ هناك مواضيع على الأدب الالتفات إليها دون غيرها. فمثلاً لام البعض الكاتب سهيل إدريس على الكلام في مذكّراته على علاقة والده بأحد الفتيان، باعتبار أنّ هذا "البوح" لا يجوز في مكان عام كالكتاب. أمّا أنا فقد كرّمتُه بالإشارة إليه في روايتي "أنسي السيّارة". أنا شخصيّاً لا تستهويني كثيراً الكتابة في المواضيع الأدبيّة المحدّدة سلفاً بأنّها جديرة. بل أكثر من ذلك، أنا لا أعتبر نفسي "أديبا" بل أنا صاحب مهنة. ومهنتي هي كتابة الرواية. وتستهويني كتابة الحالات الخاصّة التي يخجل من الكلام عليها الكتّاب المحترمون. كتّاب الأمكنة العامّة. كتّاب الاستعراض والساحات المليئة بالجماهير الهاتفة للأديب المعبّر عن قضاياها. لكنّني أضيف أنّ هذه الحالات الخاصّة، التي لم أسعَ إلى أن تكون تمثيليّةً للرجل عامّة أو للمرأة عامّة هي في الوقت نفسه شبيهة بملايين الحالات المعيشة في مجتمعاتنا وفي كل المجتمعات. "شخصيّاتي" ليست تمثيليّة ولكنّها تشبه الملايين من الناس، والملايين من الناس تشبهها.نعم أنا أكتب عن أشياء "صغيرة" لا ترتقي إلى مستوى قضايا المجتمع ولا إلى مستوى قضايا الوطن، وأنا سعيد بذلك. نعم! إنّه الخيار الصعب!
- اختيار صيغة المتكلم في أسلوب بناء الرواية على لسان البطل. هل هو الخيار الأمثل لكي تكتب الرواية بهذه الحميمية وبالتفاصيل الصغيرة؟
= لديّ دائماً إجابتان على السؤال المتعلّق باعتمادي صيغة المتكلّم في كتابتي. الأولى هي أنني وجدت نفسي عفواً أكتب بهذه الطريقة. وجدت نفسي عفواً أرتاح بهذه الطريقة. لم أقرّر ذلك بعد درس وتمحيص. ولم يكن ذلك بناء على موقف نظري أو عقائدي أو فكري. لكنني بكلّ بساطة وجدتُ نفسي شاعراً بحريّة جميلة وأنا أستعمل الأنا في السرد والرواية. أحسست بأنّ ذلك يساعدني على أن أتصوّر نفسي في جلد الشخصيّة التي أكتب عنها، وأن أضع نفسي في المكان الذي هو فيه وفي الزمان والحالة، وأن أتصوّر السلوك الذي يمكن أن يسلكه في الحالات التي كان يجد نفسه فيها. وجدت نفسي هكذا أكثر أمانةً للشخصيّة التي أحييها، وناظراً إلى الأمور بعينيها ومن وجهة نظرها لا بعينيّ ولا من وجهة نظري. وجدت نفسي أكثر ديمقراطيّةً إن جاز التعبير. أمّا الإجابة الثانية فهي أنّني حين أبتعد مسافةً عمّا أكتب، وحين أفكّر فيه أجد أنّ استعمال الأنا قد تكون ردّاً على الإيديولوجيات المُذيبة للفرد. الإيديولوجيّات جميعاً ومن كل الاتجاهات الغيبيّة والماديّة. الإيديولوجيّات التي تقول بأن الفرد يجب أن يكون في خدمة القضيّة العامة. ووجدت أن الأنا تشير إلى الفرد الذي يجب أن تكون القضايا في خدمته لا العكس، ولذلك تكلّمت كثيراً على الخوف و"مجدّتُه". الخوف بمعنى الذكاء. الخوف بمعنى أنّ للفرد قيمة وأهميّة، ومن واجبه وعيها والانتباه إليها. الخوف هو أن نعيش لأوطاننا ولقضايانا ولمجتمعنا، لا أن نموت من أجلها. أفهم أن يُعمد إلى الموت من أجل قضيّة في آخر المطاف، ولكنّنا استسهلنا الموت وربّما "سخّفناه" أحياناً.الأنا، الفرد، الخوف بمعنى الذكاء، الحياة، هذه المفاهيم يذكّرني بعضها ببعض.هذا ما يمكنني قوله في هذه المسألة. أما كتابة الحميم والتفاصيل الصغيرة فأظنّ أنّ الأنا ليست بالضرورة مساعداً ولا عائقاً، كما أن ضمير الغائب ليس مساعداً ولا عائقاً. هذا بشكل عام. أمّا في ما يخصّني فالأنا لا شكّ مساعِدة لي على الغوص في الحميم والتفاصيل الصغيرة كما ذكرتَ. هذا ميل شخصي.
- بطل روايتك كان شفافاً مع ذاته ومع والده وكذلك مع أخته اللعوب. هل نسمّيه الرجل المتصالح مع الأشياء؟
= ليس بالضرورة أن يكون شفّافاً حتّى يرى ما يراه، وبخاصّة أنّ القضيّة هي بينه وبين نفسه، وقد علّمتْه التجربة أنّ الحياة تشبه نفسَها أكثر بكثير مما تشبه ما يقال عنها، وأنها كذلك في كلّ زمان ومكان. فليس ما يراه إذن غريباً أو عجيباً، بل هو العادي بكلّ بساطة. والمسألة عنده ليست أخلاقيّة لأنّه ليس من البساطة والسذاجة بحيث إنّه يريد أن يُملي على الحياة أخلاقاً تَعلَّمها، بل المسألة عنده شخصيّة. لقد جرح في كرامته ووُضع فجأةً في مواجهة شيخوخته التي كان غافلاً عنها. هو لا يلوم أخته وأمّه على سلوكهما الأخلاقي بل يلومهما على معاملتهما له. هو يعرف عن علاقات أخته من زمان، وكان يعتبر أنّ هذا من شأنها، أمّا حين وَجّهت إليه اللوم، وحين لم تكن مساعِدةً له في محنته، فقد غضب منها.
- إلى حد كبير نجد أن هناك تشابهاً بين بطل رواية "تصطفل ميريل ستريب" وبطل "أوكي مع السلامة". وبرغم الفارق في المستوى التعليمي بين الشخصيتين، إلا أنّ لهما ذات الرؤية تجاه المرأة و الحب – هل تعمدت تكريس هذا النموذج الذكوري الملتبسة مواقفه مع المرأة لكنه يجيد التعبير عنها؟
= لا أتفق معك في هذا الرأي، فالاثنان مختلفان من ناحية رؤيتهما للمرأة ومن ناحية علاقتهما بها. ف"رشّود" في رواية "تصطفل ميريل ستريب" غيور يريد أن يتملّك زوجته جسداً ونفساً وماضياً ومستقبلاً، ويريدها أن تكون ظلّه. أمّا شخصيّة "أوكي مع السلامة" فهي مختلفة تماماً، فهو عارف بعلاقات صديقته، وقد كانت متزوّجة ولها ابنة، وقد أخبرته بكلّ علاقاتها السابقة. هو يريد منها الإخلاص في حبّها له، وفي أن يكون هذا الحبّ دائماً مستمرّاً لا ينقطع.
- المرأة في رواية "تصطفل ميريل ستريب" وكذلك بطلة "أوكي مع السلامة" هما نموذج لامرأة تجيد التخلي عن الرجل، ولكليهما القدرة على جعل الرجل ينتحب ويتداعى ، هذا النموذج في روايتين ليس هو نموذج المرأة القاسي وليس أيضا نموذج المرأة اللعوب بشكل مطلق .. هل نقول إن رشيد الضعيف يكتب نموذج المرأة التي تتعامل برؤية أنصاف الأشياء وتتقن المواربة ولا تؤمن بحكاية التعلق الأبدي؟
= صحيح! تبدو المرأة في الروايتين "قويّة" وأقوى من الرجل. لأن الرجل في الروايتين يظنّ نفسه هو الموضوع. وهذا هو المشترك ما بين الشخصيتين. على هذا المستوى يتشابه الرجلان إلى حدّ ما. وأظن أنّ هذه الخاصيّة يشترك فيها الكثير من الرجال، لأنّ الرجل عامّة لا يريد أن يعرف أنّ المرأة تغيّرت، ولا يريد أن يُقرّ بهذا التغيّر. إنّ موقف الرجل هذا يكلّفه الكثير من الألم والشعور بالصدمة والمفاجأة. لا يريد الرجل عامّة أن يرى أنّ المرأة في بلداننا شديدة الانتباه إلى ما تحقّقه المرأة في العالم أجمع، وفي الغرب الأوروبي والأمريكي بشكل خاص، من مكتسبات. إنّها منتبهة إلى هذه المكتسبات وناصتة إليها أكثر بكثير ممّا يتصوّره الرجل. وهي تتأثّر بها. إنّ الأفكار والقيم الحداثية تعبُر إلى مجتمعاتنا كثيراً عن طريق المرأة. وكذلك السلوك الحداثي. فهل أنّ الرجل منتبه إلى أنّ المرأة تملأ كليّات الآداب بكلّ فروع الاختصاصات فيها، وهل يعلم أنّ الفنون والآداب والعلوم الإنسانيّة هي التي تحوّل المجتمعات أكثر بكثير ممّا تفعله الهندسة والطب وما إلى ذلك... الآداب والفنون عامّة أكثر مساهمةَ في وعينا لذاتنا، وأكثر قدرة على تحوّل هذا الوعي من حال إلى حال. أليس الرجل هو الذي ما يزال غافلاً عن واقع أنّ المرأة حين تتعلّم لغةً أجنبيّة، إنكليزيّة أو فرنسيّة مثلاً، فإنّ هذا يُدخل تحوّلاً في وعيها لذاتها وللعالم؟ وهل يجهل الرجل أنّ المرأة تعمل وأنّه يترتّب على ذلك نتائج خطيرة.لا يريد الرجل أن يعرف كلّ ذلك، لذلك يضعف موضوعيّاً تجاه المرأة. وهذا لا شكّ ما تبيّنه "تصطفل ميريل ستريب" بشكل خاص، وتبيّنه "أوكي مع السلامة" أيضاً.
- لا أجدك ميالا لتدوين مآسي الحروب على لبنان في رواياتك، أعني لا يوجد في سردك تلك الولولة ولا النحيب ، نصك ينجو من الحالة البكائية ، أنت تذهب للإنسان بتفاصيله اليومية والعاطفية ، هذا البعد هو أقرب لجعل ملامح الإنسان تبدو واضحة بكل المآزق التي يعيشها . هل ترى هذه الرؤية هي المناسبة لتعاطي مع الحالة الروائية في رصد آثار الحرب سردياً؟
= أعتقد بأنّ الحرب لا تضيف إلى الإنسان شيئاً في العمق، ولا تُنقص منه شيئاً، بل تعرّيه وحسب، وتكشف عن إحدى مكوّناته التي هي الشرّ والرغبة في الأذى والقتل. الحرب تضاعف الرغبة في الأذى ولا توجدها، لأنّ هذه الرغبة تظهر في السلم كما تظهر في الحرب وأكثر. خذ العلاقات بين الزوجين مثلاً، وبين كل شريك وشريك. أليست العلاقات العاطفيّة حرباً لا ترحم. كلّ علاقة بين إنسان وإنسان قد تتحوّل إلى ما هو أقسى من الحرب. الأمّ بالذات قد تتحوّل إلى قنبلة تقتل من حولها بمن في ذلك أولادها. لكنّ الحرب لحظة يتكثّف فيها الأذى والموت. لذلك فإنّني أتعاطى مع الحرب كنشاط إنساني وحسب، وأحاول التغلّب على التشكّي بالكشف والسعي إلى الفهم.
- لو رصدنا النماذج النسائية في روايتي ”تصطفل ميريل ستريب" و "أوكي مع السلامة" لوجدنا أنهن النساء السيئات – حتى الأمهات يحملن الحالة السلبية. بماذا تفسر هذا الأمر ؟
= لا! ليست النساء اللواتي أروي عنهنّ سيئات على الإطلاق، ولا هنّ صالحات، إنهنّ كما هنّ. فأنا لا أحكم عليهنّ. ثمّ إنني كما ذكرت لك سابقاً لا أرسم شخصيّات لتكون "نماذج" تمثيليّة للمرأة أو للرجل. بل أكتب شخصيّات بعينها وحالات بعينها، منفردة، لا تمثّل أحداً إلاّ ذاتها، ولكنّها لا شكّ تشبه، بما هي بشر يعيشون في أمكنة وأزمنة محدّدة، الملايين من البشر بل مئات الملايين. إنّها تشبه ولا تمثّل، والفرق بين الاثنين هائل.هذا هو العالم، من هذه الزاوية، منذ ما تكوّن الكون، العالم يشبه ذاته ولا يشبه ما نظنّ أنّه هو.أحاول دائماً وأنا أقول ما أقول أن أبتعد مسافةً عن الأشياء والأخلاق، بدون أسى ولا تشفّ ولا مباركة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.