من يظن أن القوات السعودية ذاهبة إلى القضاء على التنظيم الحوثي كلياً، فهو مخطئ. ما يعني السعودية أولاً، هو حماية حدودها، وتأمين مواطنيها والمقيمين، وهو ما يشير فعلاً إلى انتهاء الحرب على الحوثيين مع خروج جميع المتسللين، من دون الحاجة الفعلية إلى إبعادهم عشرة كيلومترات عن الحدود. واليوم أخليت مساحة واسعة على الحدود، ولا وجود سوى للقوات المسلحة، التي لن تبقى طويلاً، وموعد رحيلها قد اقترب. ليس بالضرورة خلال أسبوع أو أسبوعين. لكن الهدف من حضورها والبقاء طوال الأسابيع الثلاثة الماضية بدأ يحقق نتائجه؛ طردت عناصر التنظيم، وفرغت القرى من سكانها، ونظفت الخنادق من الأسلحة المخبأة. وعشرات القرى الصغيرة، المتناثرة بغير انتظام، على الشريط الحدودي لن تعود كما كانت؛ فالوضع العشوائي لكثير منها، وتداخلها مع الحدود اليمنية، اعاق السلطات الأمنية المختصة، وهي ممثلة بجهاز حرس الحدود، من السيطرة التامة على الشريط الحدودي، وكان ذلك سببا رئيسا في سهولة تنقل المتسللين، ومنح القدرة للمهربين على ممارسة نشاطهم في ظروف مثالية، لا يمكن أن يجدوها على حدود أخرى، مثل العراقية أو الأردنية. والفارق بين الحدود اليمينة عن غيرها، توضحه للجميع الجغرافيا الصعبة، فمقابل التضاريس الوعرة في الجنوب، أرض منسبطة في الشمال والشرق. فرجال حرس الحدود لا يواجهون صعوبة في السيطرة على ألف كلم مع العراق والأردن، بفضل التقنية الحديثة، لكن الحال جنوباً صعبة جداً، وتعيقهم الجبال الشرسة، واسوأ الأمور؛ تداخل القرى وتشابه السكان في كل شيء؛ المظهر والملبس واللهجة. وما يبدو الآن، أن مصير الآلاف البسيطة من سكان القرى الحدودية المفرغة، قد بدأ يتضح. لا عودة إلى ما كانوا عليه. فتلك القرى الفقيرة، والمحرومة من أبسط مفاهيم التنمية، ستزال تماماً من مكانها، وستمسح الأرض، لتكون منطقة مفتوحة، تعيق عمل المتسللين والمهربين. ومصير السكان المبعدين عن قراهم لا يصعب التنبؤ به؛ فمخيمات إيواء النازحين مسألة مؤقتة لا ينبغي أن تستمر أكثر من شهر، والمسؤولية قائمة لتأمين المساكن المناسبة داخل مدن منطقة جازان لفترة محدودة، إلى حين إقامة قرى حديثة لمواطنين يستحقون من الوطن الشيء الكثير. ولا يعني ذلك توقف الاشتباكات، فالتنظيم المسلح اتخذ قرار بدء المعركة، ولم يحدد أهدافاً أو موعداً لوقفها، ولذا ستستمر العمليات المتقطعة زمنياً إلى فترة طويلة، وهذه المرة في مساحات مفتوحة لا تسمح للمتسللين بالتخفي وسط القرى العشوائية. ولعل الهدف القائم حالياً هو إخلاء كيلومترات إلى الداخل السعودي بلا سكان، وتركها مسرحاً لرجال حرس الحدود.