أتذكر جيداً عندما كنت في مراحل الشباب الأولى وتكوين التجارب واكتساب بعض مهاراتها وجود بعض الأشخاص او بعض الفئات يصنفهم المجتمع المحلي في الرياض خصوصا وفي نجد عموما بعبارة "صفق هواء" او " الطاير في العجة" . طبعا الأمر لا يقتصر عند هذا الوصف فقط وإنما يجد المتعمق في الثقافة الشعبية تصنيفات أكثر دقة في الوصف ومنها ما قولهم " فلان مثل أصقه الكلاب " . ويقصد بهذا الوصف ان الموصوف إنسان لا يتقصى الحقائق وربما لا يعرف كيفية تقصيها وبذلك هو مثل صفق الهواء بكل شيء خفيف قابل للتحريك، او هو مثل الكلب المصاب بالصمم والذي لا يسمع ، فعندما يرى بقية الكلاب تتثاءب فيظن أنها في موجة نباح فيبدأ معزوفة النشاز لوحده . ما دعاني لأكتب هذا الموضوع هو اعتقادي ان شخصية "صفق الهواء" او " اصقه الكلاب " اندثرت مع بقية ما اندثر من ثقافة شعبية ولكنني اكتشفت أنني على خطأ ، لأن هذه الشخصية مع الأسف الشديد تتجدد وتتلون حسب البيئة التي نشأت فيها ولأنها تابعة لا متبوعة . فالأصل تتبع البيئة المحركة لها حتى تتعرف عليها . ففي الأسبوع الماضي فقط ظهرت هذه الفئة بطريقة غير مسبوقة في الترويج لأضرار اخذ لقاح الأنفلونزا المستجدة او ما يعرف "بأنفلونزا الخنازير " بحجة انه تسبب في العديد من الأمراض، او أنه نتاج مؤامرة عالمية وكنت قد تخوفت من هذا التوجه . فصفق الهواء عندما سمعوا الإشاعة تداولوها بلغة العالم ونسوا ان المجتمع السعودي لم يعد ذلك المجتمع من الجهلة الذين لا يوجد فيهم من يفك الحرف نتيجة حرص حكومي متواصل لبناء الإنسان السعودي علميا . ونسوا أيضا ان بالمجتمع السعودي من الخبراء الوطنيين الذين يشار لهم بالبنان على المستوى العالمي في علم الأوبئة ومنهم د. زياد ميمش وكيل وزارة الصحة للطب الوقائي . ونسوا ان اللقاح لا يستورد إلا بعد أن يطبق في بلد المنشأ الذي هم احرص عليه ، وتناسوا ان اللقاح عندما يستورد يتم فحصه محليا للتأكد ان ما وصل هو ذات الدواء بتركيبته العلمية .ومع ذلك نجد أن هناك من استمع "لصفق هواء" على الهواء مباشرة او عبر منتديات التجهيل أو برامج الإثارة .شخصية لا علم لها إلا ما سمعته من هذا المحيط المحدود الأحادي الاتجاه وبدون إعمال للعقل او عودة لأهل العلم . لو نظرنا إلى التجارب العالمية السابقة لو وجدنا أن إحدى الدول ممن تصنف بالدول المتخلفة او النائمة دون ذكر الأسماء قد انتشرت فيها شائعة من إحدى شخصيات صفق الهواء مفادها أن لقاح شلل الأطفال المعتزم إعطاؤه للأطفال يسبب العقم وأشياء أخرى في المستقبل . ولأن روح الجهل والتخلف هي السائدة في تلك البيئة لحقوا بصفق الهواء ولكن لحق بهم الأبناء مع مرض شلل الأطفال بعد أن اصيب به نسبة عالية منهم . لا نريد أن نقع في ذات المأزق ولست هنا أدعو لأخذ اللقاح وإنما أدعو الى تحكيم العقل والعلم وكفى تتبعا لمن جهل او روج الشائعات . فالمشكلة لم تقتصر على المثال السابق وفي ذات الأسبوع ، وانما كان هناك أكثر من صفق هواء تناقل معلومة الاختلاط عند جامعة الملك عبد الله كأنها كفر وانحراف ولم يحرك ما حباه الله به من عقل ليرى الشواهد بعينيه أننا ولله الحمد مجتمع فطرة سوي تسير حياتنا وفق عقيدة صافية وليس مجتمعاً منعزلاً عن العالم ، بل وحتى لا نختلف او ننعزل عن العالم الإسلامي بدعوى الخصوصية كما وصفه الأستاذ تركي السديري . فلو على سبيل المثال دخلنا مركز الأبحاث في مستشفى الملك فيصل التخصصي والذي هو مفخرة علمية وطنية لأكثر من عقد من الزمان فهل ما نجد فيه اختلاط محرم يعكس ما تبحث عنه تلك العقول الغريبة؟ لا اعتقد ذلك ، بل لو دخلنا اصغر مستوصف في حي لوجدنا الطبيب مع الممرضة فأين المشكلة اذاً ؟ جامعة الملك عبدالله هي في نظري النواة نحو عودة بناء مجد الأمة الإسلامية العلمي والذي كنا نتغنى فيه حلماً في كتب المطالعة فحققه لنا خادم الحرمين الملك عبدالله ووضعه بئر ماء علمياً وليس بقعة سراب او وهم . المصيبة في موضوع الجامعة ان صفق الهواء لم يقتصر على الجهلة او مصدات الشائعات محليا وإنما أعلنت عن ميلاد صفق هواء جديد على الساحة الإعلامية المحلية والعالمية . وأما العالمية فنعرف أهداف الفتنة التي تسعى ابواق الشر لدق إسفينها ،أما صفق الهواء المحلي فقد تلون من جديد وتشكل وباء التخلف لديه بلون جديد قد لا ينفع معه اللقاح المنتظر وإنما إعادة التأسيس الثقافي له والمبني على العلم وفلسفة التدبر قبل أن يدركه شلل الفكر . "فمن قعد به العقل ، قام به الجهل ".