75 ملياراً حصاد اليوم الثاني ل"مستقبل الطيران"    "EFFIE" تختار موسم الرياض مقراً إقليمياً لجوائزها    أدوات جديدة لتطوير برمجيات الذكاء الاصطناعي    "إكس" تُطوِّر زرًا للتحقق من الذكاء الاصطناعي    مناطيد العُلا تتزين ب"النمر العربي والحِجر وخيبر"    الداخلية تستعرض تقنيات الذكاء في الحج    وصول البعثة الاولى الى المدينة المنورة لأداء فريضة الحج    تسعيني ينال الثانوية قبل وفاته بأيام    السعودية تستثمر في «إنتاج أبطال» سعوديين بدل «التجنيس»    700 ألف صك صدرت عبر البورصة العقارية    القتل للإرهابي «آل جوهر».. هدد الأمن الوطني    تعديل في تنظيم هيئة تنفيذ اتفاقيات حظر الأسلحة الكيميائية    أمراء المناطق يناقشون توفير أفضل البرامج والخدمات للمواطنين    «السعودية للطاقة» الأقل تكلفة لإنتاج الكهرباء من «المتجددة»    منى زكي تجسّد دور «أم كلثوم».. وحفيدها يعترض !    600 متخصص و160 ورقة علمية في مؤتمر الطب المخبري    مجلس الطيران العالمي    بتوجيه خالد الفيصل.. نائب أمير مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    أنواع من الشاي الأشهر حول العالم    احذر.. قد يأتيك السرطان من داخل سيارتك !    تلوث الهواء يزيد خطر الإصابة بالخرف !    مجلس تراحم الباحة يعقد اجتماعه الأول لعام 2024 .    الأخضر تحت 17 لرفع الأثقال يشارك في بطولة العالم بالبيرو    عقد ضخم ينتظر حارس ليفربول والثقافة السعودية تحفز نجم ال" ميلان" للانتقال إلى روشن    الهلال يستعيد سالم قبل النهائي المرتقب    لجنة شورية تناقش حقوق المستهلك    نائب أمير الرياض يرعى حفل التخرج بمدارس الملك فيصل    اطلع على برامج التدريب التقني.. أمير القصيم ينوه بدور«الشورى»    برعاية وزير الداخلية.. تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي لمجندات الدفعة السادسة في معهد التدريب النسوي    فرضية في طريق الهجرة استعداداً لموسم الحج    لدى ترؤسه جلسة مجلس الوزراء.. ولي العهد يطمئن الجميع على صحة خادم الحرمين    ولي العهد‬⁩ يطمئن الجميع على صحة ⁧‫الملك سلمان    أمير المدينة يستقبل المشايخ ومديري الإدارات الحكومية المدنية والعسكرية    دبابات الاحتلال تحاصر مستشفيات شمال غزة    السعودية.. إنجازات وطموحات رائدة نحو الفضاء    تويتر ينتقل نهائياً إلى«إكس دوت كوم»    ترجمة الهوية    أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-2    اطلاق برامج دعوية لخدمة ضيوف الرحمن    الرؤية والتحول التاريخي ( 3 – 4)    تطوير مناطق صناعية ولوجستية    الدولة واهتمامها بخدمة ضيوف الرحمن    مذكرة تفاهم لتوفير مياه زمزم لحجاج الداخل    بتوجيه من أمير مكة.. الأمير سعود بن مشعل يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    سيدات الشباب يتوجن بلقب بطولة الصالات في نسختها الثانية    نقل مباراة الهلال والطائي من ملعب المملكة أرينا إلى ملعب نادي الشباب    الرائد .. تذاكر مباراتنا أمام الأهلي متاحة الآن    هديتي تفاحة    لمرضى الروماتيزم في الحج .. مختص: تناولوا الأدوية في مواعيدها    نائب أمير المنطقة الشرقية يشهد حفل تخريج طلاب كليات الأصالة    أشيعوا بهجة الأمكنة    غرور الهلاليين وتواضع الأهلاويين    ماذا بعد وفاة الرئيس الإيراني ؟    أمير الرياض يستقبل ابن عياف وسفير كازاخستان    «تلبيس الطواقي»..!    إصدار 700 ألف صك عبر البورصة العقارية    نائب وزير الخارجية يقدم واجب العزاء والمواساة في وفاة رئيس إيران    أمير القصيم يستقبل ووفداً من أعضاء مجلس الشورى ونائب المحافظ لخدمات المساندة بالتدريب التقني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعر والرسم
نشر في الرياض يوم 01 - 10 - 2009

إن انتقال البشرية من التواصل بالبصري إشارة ورسماً إلى التواصل باللغة تحدثاً وكتابة أضعف الاهتمام بالرسم. وقد ظل الرسم مهمشاً مقارنة مع اللسانيات بسبب القيمة التي منحها الإنسان للكلام، فالتاريخ المعيش للنوع الإنساني يقترح: «في البدء كان الرسم»، فيما يصرح التاريخ المكتوب: «في البدء كانت الكلمة»، إنها تمركزية منطقية حول الخطاب: فاللغة تمجد اللغة. ولم تمجد الإنسانية اللغة إلا لاستيعابها الإرث الإنساني العظيم من الرسم المنتج في حقبة ما قبل اللغة بالاعتماد على «عين الخيال» من خلال التجسيد على مستوى البصيرة. ومن هنا فإن انتصارنا للهامشي/ الرسم يؤكد لنا أن بحث علاقة الشعر بالرسم في حقيقته بحث في وعن البصري في المسموع.
إن فن الشعر وثيق الصلة بفن الرسم، وقد أشار الفارابي إلى العلاقة بين الشعر والرسم محدداً موضع كل منهما إذ يرى أن بين صناعتي الشعر والتزويق مناسبة فهما مختلفان في مادة الصناعة ومتفقان في صورتهما، ذلك أن موضع الأولى الأقاويل، وموضع الأخرى الأصباغ، وأن بين كليهما فرقاً، إلا أن فعليهما جميعاً التشبيه، وغرضيهما إيقاع المحاكيات في أوهام الناس وحواسهم فهو يقابل بين الشعر/ الأقاويل وبين الرسم/ الأصباغ في إقامة التشبيه مركزاً على الجانب البصري الذي يجعل من كليهما أقرب إلى الحس من خلال المحاكاة. ومن زاوية المحاكاة يدلف ابن سينا إلى تشخيص العلاقة بين الشعر والرسم فيرى أن الشعراء يجرون مجرى الرسام، فكل واحد منهم محاك وحينما يطلب من الشاعر أن يكون كالرسام فإنه يصور كل شيء يحسه وحتى الكسلان والغضبان وفي هذا تحديد لنقطة الالتقاء المهمة بين الشعر والرسم والتي تتمثل في الجانب النفسي المعنوي فالشاعر مصور يقوم بنقل الأشياء كما هي عليه أو من خلال رؤيته الخاصة لذا غالباً ما تمتزج حالته النفسية بخلفية الصورة التي يرسمها. ويمثل عبدالقاهر الجرجاني حسن المعنى المنظوم بحسن اللوحة المرسومة إذ يقول وإنما سبيل هذه المعاني سبيل الأصباغ التي تعمل منها الصورة والنقوش، فكما أنك ترى الرَّجل قد تهدَّى في الأصباغ التي عمل منها الصورة والنقش في ثوبه الذي نَسجَ، إلى ضرب من التخير والتدبر في أنفس الأصباغ، وفي مواقعها ومقاديرها وكيفية مزجه لها وترتيبه إياها، إلى ما لم يتهدّ إليه صاحبه، فجاء نقشه من أجل ذلك أعجب، وصورته أغرب، وكذلك حال الشعر والشاعر في توضيحهما معاني النحو ووجوهه. فالمعاني المكونة للصورة الشعرية تعادل الأصباغ المكونة للوحة التشكيلية، ويعادل تسلسل ونظم معاني الصورة تواؤم وتناغم أصباغ اللوحة.
إن الشعر العربي الحديث جسد العلاقة بين الشعر والرسم من خلال التجاور الإبداعي للفنين في مدونة واحدة؛ فقد كتب بعض الشعراء نصوصاً شعرية بناء على رسم معين وقدموا النصين نص الشعر ونص الرسم مع بعضهما لتوليد دلالة بصرية. وقد أبدع أول تجربة من هذا النوع في الشعر العربي الحديث أحمد زكي أبو شادي الذي نشر في مجلة أبولو بين (سبتمبر 1932م وأكتوبر 1934م) نماذج منه وضعها في باب مستقل سماه «شعر التصوير»، والغريب أن أبا شادي هو الذي انفرد بكتابة هذا النوع من الشعر ولم يشاركه فيه غير شاعرين اثنين هما إسماعيل سري الدهشان الذي كتب قصيدة بعنوان الصائدة المتجردة أمام صورة فوتوغرافية لحسناء تقف إلى ركبتيها في مياه البحر، وأحمد مخيمر وقد قدم أبو شادي من هذا الشعر التصويري سبع عشرة قصيدة أرفق بها الصور نفسها. ثم توالت التجارب بعد ذلك، من أبرزها تجربة الشاعر العراقي قحطان المدفعي، وأدونيس، وكمال أبوديب، وقاسم حداد، وعلي الشرقاوي، والمنصف المزغني، وعلاء عبدالهادي وآخرون، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: لم يتجاور الرسم والشعر في مدونة الشعر العربي الحديث؟
إن الإجابة عن هذا السؤال البسيط ظاهرة تقودنا إلى الغوص في أعماق التاريخ البشري حيث البدايات الأولى للكتابة في ما يعرف بالكتابة التصويرية التي تعني نقل صورة الشيء أي شكل المادة كما هي رسماً تقريباً على نحو ما يوجد في النقوش القديمة في جدران الكهوف والمدافن والمعابد، وأعتقد أن تجاور الرسم والشعر يمثل صورة من صور حضور الكتابة التصويرية التي لما تزل مرقومة على أديم اللاشعور الجمعي ولم يكن فن الشعر المجال الوحيد لتمظهراتها، بل إنني أعتقد أنها ظاهرة بشكل أساسي وضروري في الواقع الإنساني المعيش حتى يوم الناس وهذا ليس أدل على ظهورها الضروري من ما نجده الآن من تجاوزات للرسم واللغة في الأختام والأوراق الرسمية التابعة للمصالح الحكومية والشركات والمؤسسات، فهي تجمع بين الشعار (الرسم والاسم) اللغة في تجاور بين الكتابتين التصويرية والأبجدية. وقد قصد الشاعر والرسام من خلال التشكيل بالرسم إلى تجسير الفجوة بين الشعر والرسم الفني على المستوى الجماهيري العام وإبراز ما بين الفنين من تصاهر وتمازج، إذ يشترك الفنان فيما يوقظانه في نفس المتلقي من مشاعر وأحاسيس وأفكار وذلك من خلال ما يقدمانه من صور سعياً إلى بلوغ الشعرية: المطلب الأسمى والمشترك الأبرز بين الفنون، فشعرية النص تكمن في نظم ألفاظه وما تختزنه تلك الألفاظ من مجازات، في حين أن شعرية الرسم تكمن في لغة التكوين: الألوان والخطوط والكتل وانتظامها داخل اللوحة كما هو الحال في المفردات.
ولا يختلف الفنان إلا في المادة وحاسة التلقي السمع x البصر وقد فرز هذا الاختلاف اختلافاً أوسع يمكن أن أسميه إقليمية الشعر وعالمية الرسم؛ بمعنى أن لغة الشعر يفهمها الناطقون بها لا غير، أما الرسم فقادر على التواصل مع كل ذي بصر، وهذه نقطة لصالح الرسم على الشعر. ومن هنا فإن التجاور بين الشعر والرسم يتوسل وثوقية إيصال الدلالة إلى المتلقي بفعالية عبر تقديمه إطارين دلاليين أحدهما سمعي والآخر بصري مثلما يشم المحب رسم القلب الدال على المحبة إلى جانب اسم محبوبته تحقيقاً للوثوقية والمصداقية وإمعاناً في إيصال الدلالة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.