للأزمة المالية العالمية تداعياتها الكثيرة التي ألقت بظلالها على مختلف أوجه الحياة في العالم كله، ليس في بلد بعينه وإنما على مستوى العالم أجمع،حيث أوشكت العديد من البنوك والشركات الكبرى والمؤسسات على الإفلا س، أو أعلنت إفلاسها، فيما تسارعت ضربات قلوب المستثمرين، في اسواق المال والعقار، حتى توقفت في صدور بعضهم خوفاً من مصير مشؤوم، لا سيما وأن هناك حقيقة لا مجال لدحضها وهي أن رأس المال يبقى جبانا، ويخاف المفاجآت،وإذا كانت الأزمة المالية العالمية قد استطاعت الإطاحة بعمالقة كبار في مجال الصناعة كجنرال موتورز، والمؤسسات المالية مثل بنك ليمان براذرز وغيرهما من المؤسسات التي كانت لعشرات السنين على رأس هرم السلطة المالية في العالم، فإن هذه الازمة لم يقتصر اثرها على الشركات الكبرى والمؤسسات الصناعية العملاقة وإنما تعدت هؤلاء العمالقة لتصل إلى أثرياء العالم العاديين، فقدTop of Form كشف تقرير متخصّص عن انخفاض عدد الأثرياء في الإمارات العام الماضي، بنسبة 12.7٪، مقارنة بالعام 2007 ليصل عددهم إلى ما يزيد قليلاً على 67 ألف مليونير. ويوضح التقرير السنوي المشترك الثالث لمؤسسة «ميريل لينش لإدارة الثروات العالمية»، وشركة «كابجيميني» أن «انخفاض عدد الأثرياء في الإمارات، جاء بنسبة أقل من المعدل العالمي، حيث انخفض عدد أثرياء العالم بنسبة 14.9٪ مقارنة مع العام ،2007 بينما انخفض عدد (كبار الأثرياء) في العالم بنسبة 24.6٪. وصاحب ذلك تقلص ثروات أثرياء العالم بنسبة 19.5٪، لتبلغ 32.8 تريليون دولار أميركي». وأشار التقرير ذاته الذي تم الكشف عن تفاصيله في دبي، إلى أن «عدد أثرياء المملكة انخفض بنسبة 10.9٪ في العام الماضي، مقارنة بالعام الذي سبقه، ليصل إلى 91 ألف مليونير، بينما انخفض عدد الأثرياء في البحرين بنسبة 19.5٪ خلال فترة المقارنة». وعزا التقرير انخفاض عدد الأثرياء في دول الخليج، إلى «انخفاض إجمالي رأسمال السوق والتراجع الحاد في القيم الرأسمالية، والإيجارية للعقارات الخليجية»، متوقعاً «ارتفاع صافي قيمة أصول أثرياء وكبار أثرياء العالم بمعدل سنوي يبلغ 8.1٪، ليصل 48.5 تريليون دولار بحلول العام 2013». إلى هنا يبدو الأمر عاديا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الكثير من هؤلاء الأثرياء لهم صلاتهم وعلاقاتهم المالية بالكثير من المؤسسات العالمية ،لكن ما يبدو نوعا من المفارقة،أنه رغم الازمة المالية الا ان التقرير ذكر عدداً من مجالات استثمار الأثرياء في الكماليات، حيث واصلت المقتنيات الفاخرة مثل السيارات، واليخوت، والطائرات الخاصة وغيرها، الاستئثار بحصة الأسد في الاستثمارات في الكماليات الثمينة العام الماضي، وبلغت نسبتها 27٪ من إجمالي استثمارات الأثرياء على المستوى العالمي. وذلك فيما يمكن وصفه محاولة للبحث عن مجالات استثمار أكثر أمنا غير المتاجرة بالعقارات التي تراجعت بشكل كبير بعد الازمة،إذ يوضح التقرير أن أثرياء العالم زادوا بشكل كبير من قيمة استثماراتهم في المجوهرات والأحجار الكريمة، والساعات الفاخرة، بحيث احتلت هذه الفئة من الاستثمارات المرتبة الثالثة في إجمالي استثماراتهم في المقتنيات الثمينة بنسبة 22٪»وأمام هذا التوجه الكثيف نحو المتاجرة بالمجوهرات او الساعات الفاخرة ، التي يعتقد الكثير من الاثرياء أنها تمثل عامل أمان أو أقل خطورة، نستطيع القول إن هذا الامر يثبت من جديد أن راس المال يبقى جبانا وأن على الحكومات ترشيده، بحيث يكون رديفا للاقتصادات الوطنية ولا سيما عند الازمات، وليس مجرد أرصدة تنمو وتكبر ككرة الثلج يوما بعد يوم من دون موجه وإرشاد،حتى أنه يصح القول هنا أن بعض الاثرياء باتوا لا يحسبون في المعادلة سوى خسائرهم وأرباحهم متناسين عند عمد أو غير عمد أن ثرواتهم مفيدة جدا لهم عندما تكون جزءاً من الناتج الوطني لبلادهم التي عاشوا فيها وربّوا ثرواتهم في ظلها، وألا يكون حالهم فقط هو ساعة ثمينة في اليد خير من كنز عائم قد تجرفه الازمات في لحظة غفلة! *المدير الإقليمي لمكتب دبي