أمير حائل يدشّن حزمة من المشاريع الجديدة في جامعة حائل    «أونروا»: نزوح 450 ألف شخص من رفح    «اجدان للتطوير العقاري» راعيا بلاتينيا لمعرض "سيريدو 2024" بجدة    ارتفاع صافي أرباح «دله الصحية» بنسبة 26% محققة أكثر من 119 مليون ريال خلال الربع الأول للعام 2024    القيادة المركزية الأمريكية تشارك في مناورات "الأسد المتأهب" في تأكيد لالتزامها بأمن الشرق الأوسط    وصول أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من جمهورية تركيا    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    نائب أمير مكة: منع الحجاج المخالفين ساهم بتجويد الخدمات    تخريج كوكبة من الكوادر الوطنية لسوق العمل    القادسية يحسم لقب دوري يلو    الغموض يحيط بعودة محرز لمنتخب الجزائر    النفط يعاود الارتفاع    فرص للمواهب العلمية ببرنامج كندي    "الجدعان" يبحث الفرص الاقتصادية بمنتدى قطر    «الموارد» تطلق خدمة «حماية أجور» العمالة المنزليَّة في يوليو    «الممر الشرفي» يُشعل ديربي العاصمة    المملكة رائدة الرقمنة والذكاء الاصطناعي    التجديد إلكترونياً لجوازات المواطنين الصالحة حتى (6) أشهر قبل العملية    13 قطاعاً واعداً يعزز الشراكة الاقتصادية بين السعودية وبريطانيا    أمير تبوك: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية والخدمات المقدمة    أمير الباحة يستقبل مدير وأعضاء مكتب رواد كشافة بعد إعادة تشكيله    تغطية أرضيات مشعر منى بالسيراميك.    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    في لقاء مؤجل من الجولة 34 من الدوري الإنجليزي.. مانشستر سيتي يواجه توتنهام لاستعادة الصدارة    ضمن الجولة 32 من دوري" يلو".. العروبة في اختبار البكيرية.. والعربي يواجه الترجي    فابريزيو رومانو يؤكد: 3صفقات عالمية على أعتاب دوري روشن السعودي    بطلتنا «هتان السيف».. نحتاج أكثر من kick off    في الإعادة إفادة..    يدخل"غينيس" للمرة الثانية بالقفز من طائرة    الكويت في الصدارة مجدداً    سرابُ النصرِ وشبحُ الهزيمة    وزير التعليم يزور مدرسة معلمة متوفاة    يستيقظ ويخرج من التابوت" قبل دفنه"    اللجنة الوزارية للسلامة المرورية تنظم ورشة "تحسين نظم بيانات حركة المرور على الطرق"    الداوود يتفقد نطاق بلدية العتيبية الفرعية ويطّلع على أعمال التحسين ومعالجة التشوه البصري    الرزنامة الدراسية !    وزير الخارجية يصل إلى المنامة للمشاركة في الاجتماع التحضيري ل «قمّة البحرين»    ماهية الظن    فخامة الزي السعودي    استعراض الفرص الواعدة لصُناع الأفلام    الكويت.. العملاق النائم ونمور الخليج    آنية لا تُكسر    تركي السديري .. ذكرى إنسانية    «Mbc Talent» تحصد جوائز أفلام السعودية وتقدّم المنح    أمير المنطقة الشرقية في ديوانية الكتاب    نائب أمير مكة: "لاحج بلا تصريح" وستطبق الأنظمة بكل حزم    الصحة.. نعمة نغفل عن شكرها    دور الوقف في التنمية المستدامة    الماء البارد    إزالة انسدادات شريانية بتقنية "القلب النابض"    «سعود الطبية» تنهي معاناة ثلاثينية من ورم نادر    حكاية التطّعيم ضد الحصبة    18 مرفقاً صحياً لخدمة الحجاج في المدينة    ما رسالة أمير حائل لوزير الصحة؟    فهد بن سلطان: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    النزوح الفلسطيني يرتفع مع توغل إسرائيل في رفح    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الثبيتي: سيد البيد
نشر في الرياض يوم 16 - 04 - 2009

(أعددت هذه المداخلة لأمسية في نادي الرياض الأدبي أقيمت قبل أسبوعين وتم فيها، وإن جزئياً، تكريم الشاعر محمد الثبيتي، الذي كان عندئذٍ حاضراً بشخصيته وشعره، غائباً بشخصه ووعيه الجسدي، حين دخل في غيبوبة جاءت الأنباء بأنه تجاوزها بحمد الله. وفي المداخلة ما تتداخل فيه القراءة النقدية المكثفة بالشهادة الشخصية التي أثبتها تقديراً للشاعر ولعلاقتي الشخصية به).
عرفت محمد الثبيتي في أوائل عام 1404 (1984) حين وصلتني منه نسخة من ديوانه الثاني "تهجيت حلماً .. تهجيت وهما". وأتيح لي بعد ذلك أن أحصل على نسخة من ديوانه الأول "عاشقة الزمن الوردي" الذي صدر قبل الثاني بعام واحد. وبمقارنة الديوانين وجدت أني لا أحتاج إلى عدة الناقد أو حسه النقدي لكي أدرك أنني إزاء شاعر يتطور بسرعة خارقة. كان من الواضح أن ثمة انتقالاً من تقليدية الأول ورومانسيته إلى رؤية أكثر حداثة في الثاني، أنني إزاء شاعر يجتاز المسافات بسرعة استثنائيةٍ.
بعد ذلك جاءت مجموعة "التضاريس" لتعلن عن اجتياز جديد وأن الشاعر الذي يسعى إلى الحداثة صار الآن سيدها، فهاهو شاعر كبير بكل المقاييس، لا بمقاييس الشعر العربي الحديث فحسب وإنما بمقاييس الشعر حيث كان، يجتاز تضاريس الإبداع إلى آفاق جديدة. في "التضاريس" كان واضحاً أننا نقرأ شاعراً رؤيوياً بالمعنى الحقيقي للكلمة، شاعراً يسهم في بناء المشهد الشعري السعودي والخليجي والعربي مثلما يسهم في إثراء الرؤية النقدية لدى الكثير منا، وكان الأبرز بيننا في ذلك د/سعيد السريحي. وأذكر أن محمد حين التقيته في تلك الفترة المبكرة من تعارفنا، وكنا نلتقي في أماكن مختلفة منها منزل الصديق الشاعر عبد الله الزيد، حدثني عن ذلك الناقد الذي لم أكن قد عرفته بعد، أي سعيد السريحي، قائلاً إنه يمتلك رؤية نقدية متميزة. ولم يطل بي الوقت قبل أن أدرك صدق ما قاله محمد، فتعرفت على سعيد ورأيت أنه ومحمد يشكلان توأماً جميلاً كثيراً ما ذكرني، أنا الدارس للشعر الإنجليزي، بتوأمات حفل بها الشعر في أماكن كثيرة منها توأمة الإنجليزيين، الشاعر وردزورث والناقد كوليرج من حيث قدرة الأخير على استبطان شاعرية الأول واتكاء الأول على عمق الأخير وحساسيته النقدية.
غير أن محمد الثبيتي في قصائد تلت "التضاريس"، لعل من أهمها "موقف الرمال، موقف الجناس"، يبرز توأمة من نوع مختلف وبروح ليست غريبة على أجواء "التضاريس" لكنها تكتسب هنا أبعاداً شعرية أكثر نفاذاً وأشد تماسكاً وحرفية. نقرأ:
أنت والنخل طفلان
طفل قضى شاهداً في الرجال
وطفل قضى شاهراً للجمال.
أنت والنخل سيان
قد صرت ديدنهن
وهن يداك
وصرت سماكاً على سمكهن
وهن سماك
وهن شهدن أفول الثريا
وأنت شهدت بزوغ الهلال.
في هذا النص المدهش ليس بعروضه اللغوية فحسب وإنما بما تسفر عنه تلك العروض من صور شعرية موغلة في العمق والجمال معاً يلتحم الشاعر، كما كان يفعل دائماً، بصورة الوطن كما تبرز في مفرداته الطبيعية: النخل والرمال والإنسان والثقافة. السياق الصوفي للقصيدة، كما يبرز منذ البدء، والذي يذكر بالنفري أو ابن عربي، لا يلبث أن يفضي إلى قصيدة تنحاز إلى تفاصيل الوطن بوجوهه المختلفة بعيداً عن أجواء التصوف التقليدية. النخل إحدى تلك التفاصيل التي يرسمها الشاعر بغنائية عذبة وهو يحاور ذاك الذي سماه، في قصائد أخرى، تارة "سيد البيد" وتارة "العراف" وأخرى "القرين". يقول له محاوره:
أنت والنخل طفلان
طفل قضى شاهداً في الرجال
وطفل قضى شاهراً للجمال.
لعبة الجناس الواضحة هنا، والتي ترتكز عليها القصيدة بوصفها إطاراً لغوياً وجمالياً، ترتفع كثيراً عن الدلالة التقليدية للعبة أو للجناس من حيث هو حلية لفظية، لتصير رابطاً بين عنصري الصورة أو طفليها حسب تعبير الشاعر: الإنسان والنخل، بين الرجال والجمال، بين الشاهد والشاهر، إلى آخر التجانسات المدهشة. لكننا سنحتار هنا في أي من الاثنين، الشاعر/الإنسان أم النخل، هو الشاهر في الجمال وأيهما الشاهد في الرجال. وفي تقديري أن الغموض هنا مبرر تماماً لأن الصفة تنطبق عليهما معاً.
"أمضي إلى المعنى/ وامتص الرحيق من الحريق"، ذلك ما يقوله الثبيتي في نفس القصيدة، وفيما يقول يجتمع الشاهد في الرجال والشاهر للجمال، الشاعر المهموم بالدلالات، بما تحيل إليه اللغة في واقع الحياة من حوله، حتى وإن كان الواقع حريقا، والشاعر المطارد بمهمته الصعبة، مهمة البحث عن الرحيق في الحريق. أما نحن قراؤه وأصدقاؤه، من كتب لهم وعنهم، فمهمتنا الآن هي أن ندعو الله أن نراه يواصل مهمته النبيلة والجميلة شاهداً وشاهراً وقبل ذلك شاعراً للمعنى والجمال معاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.