أعتقد أن العالم بدأ يقترب من اليوم الذى يحس فيه أن النباتيين كانوا على حق فى الابتعاد عن اللحوم بأنواعها . ففى آسيا بحور من السكان الذين تحرم عليهم ديانتهم أكل ذي روح . وأميل إلى الاعتقاد بصواب هذه العادة ( عدم أكل اللحوم ).. بدليل أن قدامى الأطباء وحتى المعاصرين منهم ينصحون من جاءهم يشكو علة هضمية بأن يتجنب اللحوم لفترة قد تطول . كما أن طب الأعشاب ، قديمه وحديثه ، بنى علمه وممارسته على فكرة الابتعاد عن الدسم ( أى منتج حيوانى ) وسموه " أعشابا " . وهذا برهان كاف . وقرأنا كثيرا عن مشاهير فى الرياضة البدنية وحاملى الأثقال ومتسلّقى الجبال البعض منهم نباتيون.. واعتادت كبريات المطاعم والفنادق العصرية الاحتفاظ بقائمة طعام (مينيو) خاصة بالنباتيين، أي الذين لا يتناولون اللحوم ومنتجات الألبان. وباحتفاظ هذه الفنادق الكبيرة بقائمة خاصة لهذه الشريحة من الناس لا يدل إلا على تزايد الاهتمام بالطعام النباتي. ولو قسمت خارطة العالم، ووزعت أرقاماً إحصائية لإظهار أكلة اللحوم في العالم، لأعطيت "أثرياء العالم الثالث" نصيباً استهلاكياً وافراً. ولو قسمتُ خارطة العالم أيضاً، وأعطيتُ نسباً استهلاكية مقارنة مع نسبة للتبديد والضياع من مادة اللحوم لأعطيت نصيباً وافراً من تلك النسبة ل"أثرياء العالم الثالث" ولظهر أن الضائع وغير المستفاد منه، والمفقود الفائدة، يساوي أكثر من نصف ما يؤكل في الولائم والأفراح ومناسبات التكريم والأعياد، وحتى في بروتوكولات الاتفاقات الدولية ومسوّداتها الأصلية، ومعاهدات "حسن الجوار" لا بد وأن يكون للاتفاقية "ملحق" من ديباجة دسمة قوامها "الذبائح"...! أعترف بأن اللحوم مادة بروتينية بانية للأجسام، وضرورية للعافية ولكن البروتين نفسه يوجد في الحليب والبيض والفول والقمح وغير هذه من المواد ال... لا لحمية. لذا فإنني أعتقد بأن التصاق بعض البشر بأكل اللحوم كان نتيجة قديمة لعدم وجود البديل أو صعوبة استخراجه أو تصنيعه أو معالجته أثناء الصنع بسلسلة من العمليات، فكان "الصيد" عماد التغذية الجيدة قديماً، وكان سحب نعجة من "الحلال" أسهل بكثير من اجراء عملية استخلاص البروتين. ومرّ وقت على الكرم العربي أظهر أن اللحم اللامستفاد منه كان على سبيل الكرم... والفرح أحياناً.. والمرح... والليالي الملاح.. قال امرؤ القيس : فظل العذارى يرتمين بلحمها وشحم كهدّاب الدمقس المفتّلِ