معايدات ال (SMS ) ليست تقليدا عصيا وجدنا عليه آباءنا، ولم يرثوها هم من أسلافهم لتنشب أظافرها في تلابيبنا ولا فكاك، كما هذه العشرات من العادات والتقاليد التي نشتمها صبح مساء، ومع هذا نعض عليها بالنواجذ والقواطع والأضراس، وليست هي البديل الموضوعي لشحنات مشاعرنا التي لا نعرف أين ننفقها، حتى نصبها في هذه الأوعية الأثيرية لأهلنا وأقاربنا وأصحابنا ومعارفنا، وربما أنصاف معارفنا.. حتما ليست هي أيّاً من هذا، لسبب بسيط وهو أننا لم نعرف الهاتف النقال قبل أكثر من عشر سنوات، لكن ولأننا اعتدنا ثقافة التنميط، فقد وظفنا هذه البدعة الالكترونية لنعلّب فيها مشاعرنا، بعد أن فرغنا من تعليب كل شيء في حياتنا ببلاستيك (الغلاد)، وصولا إلى مشاعرنا ورسائل الجوال!. لست رجعيا كما قد توهمكم هذه المقدمة، ولست ضد استخدام التقنية كل التقنية في كافة مجالات الحياة، لكني فقط ضد هذا الاستخدام البشع الذي ينهب من العيد أسمى معانيه، حينما يتقاذف الأهل والأقارب والجيران والخلان المعايدة عبر رسائل الجوال، فيما لا يفصلهم عن بعضهم أحيانا سوى 20سم هو كل عرض طوبة جدار السور! أفهم بمرارة أن يتصل الابن أو الفتاة بالموبايل من غرفهم في الدور الثاني بوالدتهما في المطبخ ليسأل أو تسأل عن الغداء قبل أن يركب رقم مطعم الوجبات السريعة.. فهذا رزق الهبل على المجانين، الذي يزيد من تكرش شركات الاتصالات، والتي لو خفضت تعرفة مكالماتها إلى مادون الهللة فستجني البلايين من شعوب لا تجيد غير الثرثرة، لكني لا أفهم ولا أريد.. كيف نقبل بتحنيط مشاعرنا بالعيد إزاء من يُفترض أننا نحبهم لنلقمهم إياها كالسعوط بكثير من الملل، وهم يقرؤونها بنفس مشاعر السأم المثقل بعبء الرد البليد، والعبارات المكررة كقالب جبس!.. بلا مكابرة كلنا هكذا. تداعت في ذاكرتي هذه الخواطر، وأنا أقرأ رسالة جاءتني من الصديق منيف الحربي الكاتب في الشرق الأوسط والشاعر أولا.. إقرأوا ماذا قال منيف، وسامحني يا منيف على ما أردته بوحا بين صديقين، فكلنا وكلهم ذلك الرجل.. يقول منيف بالنص : (منذ أيام وأنا أمسح الرسائل ليمتلىء صندوق الوارد بالتهاني من جديد.. لست متشائما لكني لم أستطع مغالبة الأسى، والتهنئة تتحول إلى عبء نسارع للتخلص منه في وقت باكر وقبل الأوان؟، أنا بصدق ممتن لكل من تذكرني وتجشم عناء الإرسال.. لكني لا أحب أن أكون عبئا بأي شكل، وبالذات في مناسبة كالعيد.. لماذا نتعمد إفراغ المناسبة من دفئها وتقديمها باردة كالثلج؟، أثق بصدق مشاعرهم لكني محبط من هذه الآلية الجامدة التي تنقلها دون نبض، وبتوقيت ميت.. فهل أنا على خطأ؟). سأنهي مقالتي وأدع لكم حق الرد على صديقي وصديقكم.