علم المعادن أو العدانة هو العلم الذي يدرس الوحدات المتجانسة التركيب الكيميائي وذات البناء الذري المميز والتي تتكون بعمليات طبيعية غير عضوية. وعلم المعادن من أهم فروع الجيولوجية أو علم الأرض وهو علم واسع وشامل لدراسة الأرض واستجلاء مكوناتها ودراسة النواحي الفلسفية والعلمية والتطبيقية لتطورها وتطور كائناتها بالإضافة إلى دراسة المصادر الطبيعية الاقتصادية مثل البترول والماء والموارد المعدنية، ويحفل التراث العربي الإسلامي بكثير من الأسس العلمية والفلسفية لعلم المعادن، ويعتقد المؤرخ المشهور جورج سارتون في كتابه «مقدمة تاريخ العلوم» أن عطارد بن محمد الحسيب (عاش في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجري) هو مؤلف أقدم كتاب عربي في علم المعادن، وقد ألف عطارد كتاب «منافع الأحجار» لدراسة الأحجار الكريمة وقد أشار إليه أيضاً الرازي في كتابه الموسوعي «الحاوي»، كما أن الفيلسوف أبا يوسف يعقوب ابن إسحق الكندي (المتوفى سنة 246 ه) كان من أوائل العلماء العرب المسلمين الذين كتبوا عن المعادن والأحجار الكريمة في كتابه المفقود «الجواهر والاشباه» ويعتقد الكندي أن لفظ معدن مشتق من عدن بمعنى استقر وأقام، أما الطبيب والكيميائي أبوبكر محمد بن زكريا الرازي (236-311 ه) فقد قسم المواد إلى ثلاثة أقسام: نباتية وحيوانية ومعدنية، ثم قسم المعادن إلى ستة أقسام: الأرواح والأجسام والأحجار والزاجات والبوارق والأملاح، فالأرواح عبارة عن مواد سهلة التطاير تتسامى أو تتبخر بسهولة بتأثير الحرارة كالكبريت وملح النشادر، والأجسام هي الفلزات مثل الذهب والفضة والنحاس .. الخ، والزاجات عبارة عن مواد تشبه الزجاج ذات ألوان مختلفة ومن أمثلتها الزاج الأخضر (كبريتات الحديدوز) والزاج الأزرق (كبريتات النحاس) والبوارق مثل النطرون أو (كبريتات الصوديوم الطبيعية) والبوراكس والأملاح مثل ملح الطعام والملح المر والقلي (كربونات البوتاسيوم وكربونات الصوديوم)، أما الشيخ الرئيس ابن سينا (المتوفى سنة 428 ه) فقد قسم المواد المعدنية إلى أربعة أقسام رئيسة هي: الأحجار - الذائبات - الكباريت والأملاح. ويعتبر ابن سينا بحق المؤسس الأول لعلم الأرض أو الجيولوجية عند العرب، أما البيروني وهو أبو الريحان محمد بن أحمد الخوارزمي (المتوفى سنة 440ه) فهو يعتبر من أكبر العلماء العرب المسلمين الذين كتبوا وأسهموا بشكل واضح في علم المعادن، وقد اشتمل كتابه «الجماهر في معرفة الجواهر « على وصف عدد كبير من المعادن والأحجار الكريمة، وقد لجأ البيروني إلى التجارب العلمية في وصف المعادن، وقد تمكن من تحديد الثقل النوعي بدقة لثمانية عشر حجراً كريماً ومعدنا. وجاء بعد البيروني عالم المعادن العربي المسلم شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشي (المتوفى في القاهرة سنة551ه)، وقد ألف كتاب «أزهار الأفكار في جواهر الأحجار» في سنة 641 ه ويمثل في نظري قمة التطور في المعرفة المعدنية عند العرب، وقد صنف في كتابه الآنف الذكر خمسة وعشرين نوعاً من المعادن والأحجار الكريمة، وقد اشتمل وصفه على كيفية نشأة المعدن وتركيبه وخواصه وجيده ورديئه وفوائده وثمنه بطريقة تتماشى مع الروح العلمية العصرية في أسلوب العرض، وقد ظهرت مؤخراً نسخة من كتاب «أزهار الأفكار في جواهر الأحجار» محققة ومشروحة بواسطة الدكتور محمد يوسف حسن والدكتور محمد بسيوني خفاجي، ونشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفي النصف الأول من القرن الثامن الهجري ألف ابن الأكفاني وهو محمد بن إبراهيم بن مساعد السنجاري في كتابه «نخب الذخائر في أحوال الجواهر» ووصف فيه أربعة عشر حجرا من الأحجار الكريمة والمعادن. ويظهر من قراءتي في التراث العربي الإسلامي بالنسبة لعلم المعادن أن العلماء العرب قد اهتموا بالتجربة والمشاهدة وتسجيل الملاحظات بشكل ملفت للنظر، ويمكن الرجوع إلى مخططاتهم في ذلك العصر وخاصة العالم العربي المسلم جابر بن حيان رائد التجربة العملية. والواقع أن العلماء العرب قد عرفوا كثيراً من الخواص الطبيعية للمعادن مثل الثقل النوعي وانعكاس الضوء والبريق والشفافية والتشقق، كما أنهم حددوا الصلادة النسبية بين الياقوت والألماس بطريقة تذكّرنا بمقياس عالم المعادن الألماني موس (مقياس الصلادة النسبي) والمعمول به حالياً، كما أنهم أجروا بعض التجارب الكيميائية على المعادن والأحجار الكريمة مثل معالجتها بالأحماض، وكذلك التسخين في النار، إننا مدعوون في هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى إلى إبراز دور العلماء المسلمين في تطور العلوم والمعرفة البشرية من أجل مستقبل علمي أفضل.