المسبار الصيني «تشانغي-6» يهبط على سطح القمر بعد شهر على إطلاقه    عدا مدارس مكة والمدينة.. اختبارات نهاية الفصل الثالث اليوم    أمير تبوك يهنئ نادي الهلال بمناسبة تحقيق كأس خادم الحرمين الشريفين    جامعة بيشة تحتفل بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها    توجيه الدمام ينفذ ورشة تدريبية في الإسعافات الأولية    غرامات وسجن وترحيل.. بدء تطبيق عقوبة «الحج بلا تصريح»    «الشؤون الإسلامية» بالمدينة تفعّل خدمة «فعيل» للاتصال المرئي للإفتاء بجامع الميقات    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات 2025    فيصل بن فرحان يؤكد لبلينكن دعم المملكة وقف إطلاق النار في غزة    الهلال.. ثلاثية تاريخية في موسم استثنائي    مقاطع ريلز التجريبية أحدث ميزات «إنستغرام»    لهو الحيتان يهدد السفن في المحيط الأطلسي أرجعت دراسة ل "اللجنة الدولية لصيد الحيتان"، سبب    «الصهيونية المسيحية» و«الصهيونية اليهودية».. !    سفاح النساء «المتسلسل» في التجمع !    «تراث معماري»    تكريم «السعودي الأول» بجائزة «الممارسات البيئية والحوكمة»    تعاون صناعي وتعديني مع هولندا    تعزيز العلاقات الاقتصادية مع ايطاليا    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة 15 في تاريخه    آرسنال يقطع الطريق على أندية روشن    الإسباني" هييرو" مديراً رياضياً للنصر    الاتحاد يتوّج بكأس المملكة لكرة الطائرة الشاطئية    حجاج الأردن وفلسطين يشيدون بالخدمات المقدمة بمنفذ حالة عمار    روبوتات تلعب كرة القدم!    الدفاع المدني يواصل الإشراف الوقائي في المسجد النبوي    إحباط تهريب 6,5 ملايين حبة كبتاغون في إرسالية "إطارات كبيرة"    «المدينة المنورة» صديقة للتوحد    فرنسا تستعد لاحتفالات إنزال النورماندي    بعضها أغلق أبوابه.. وأخرى تقاوم.. تكاليف التشغيل تشل حركة الصوالين الفنية    اطلاق النسخة الثالثة من برنامج "أيام الفيلم الوثائقي"    البرامج    قصة القرن 21 بلغات العالم    إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة    قيصرية الكتاب: قلب الرياض ينبض بالثقافة    التصميم وتجربة المستخدم    "أسبلة المؤسس" شهود عصر على إطفاء ظمأ قوافل الحجيج منذ 83 عاماً    توزيع 31 ألف كتيب لإرشاد الحجاج بمنفذ البطحاء    فرز وترميز أمتعة الحجاج في مطارات بلدانهم.. الإنسانية السعودية في الحج.. ضيوف الرحمن في طمأنينة ويسر    تركيا: تكاثر ضحايا هجمات الكلاب الشاردة    إصدار 99 مليون وصفة طبية إلكترونية    ورشة عن سلامة المختبرات الطبية في الحج    الليزر لحماية المجوهرات من التزييف    توصيات شوريَّة للإعلان عن مجالات بحوث تعزيز الصحة النفسية    شرطة الرياض تقبض على مقيمَين لترويجهما «الشبو»    النفط يستقر قبيل الاجتماع ويسجل خسارةً أسبوعيةً    بلد آمن ورب كريم    ثروتنا الحيوانية والنباتية    ضبط (5) مقيمين بالرياض إثر مشاجرة جماعية في مكان عام لخلاف بينهم    ترحيل 13 ألف مخالف و37 ألفاً تحت "الإجراءات"    شراكة بين المملكة و"علي بابا" لتسويق التمور    متنزه جدر بالباحة.. قبلة عشاق الطبيعة والسياحة    بَدْء المرحلة الثانية لتوثيق عقود التشغيل والصيانة إلكترونياً    مشروع الطاقة الشمسية في المركز الميداني التوعوي بالأبواء    جامعة الطائف ترتقي 300 مرتبة بتصنيف RUR    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اقتصاد أخضر وتنمية مستدامة
نشر في الرياض يوم 10 - 05 - 2024

مبادرة السعودية الخضراء هي مبادرة طموحة أطلقتها المملكة بهدف تحقيق استدامة بيئية وتحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد أخضر. تهدف المبادرة إلى تحقيق التنمية المستدامة من خلال تنويع مصادر الطاقة وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة، وتعزيز الاستدامة البيئية والحفاظ على الموارد الطبيعية، تشمل مبادرة السعودية الخضراء استراتيجيات ومبادرات متعددة في مجالات مثل: الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة، والتشجيع على استخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة، وتشجيع الزراعة والممارسات الزراعية المستدامة، بفضل جهودها في مجال الحفاظ على البيئة والتنمية الاقتصادية الخضراء، تسعى السعودية الخضراء لأن تكون قائدة في مجال الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة على المستوى الدولي.
خطورة التغير المناخي
يعد تغير المناخ نتيجة زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة من القضايا المعاصرة وذكر أ. د. محمد السيد حافظ -أستاذ المناخ التطبيقي قسم الجغرافيا، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة الملك سعود-، أن أكبر التحديات التي تمثل خطورة على الإنسان وأنشطته البشرية، ومن أسباب ذلك التأثيرات البيئية منها: الجفاف وندرة المياه والحرائق التي تشهدها الغابات والسيول والفيضانات وتطرف العواصف الرعدية والعواصف الرملية، وتدهور النظم الإيكولوجية. وكذلك التأثيرات الاقتصادية؛ حيث يؤدي تغير المناخ إلى تأثيرات سلبية على الزراعة ومصادر المياه والطاقة، بالإضافة إلى تأثيراته الاجتماعية والصحية منها: الهجرة وانتشار بعض الأمراض. وتأتي الأهمية من الأزمات المناخية والبيئية غير المسبوقة التي نشهدها منها: الأحوال الجوية المتطرفة، والكوارث، وتدهور النظم الإيكولوجية الطبيعية.
خطط مستقبلية
ويضيف د. محمد: "الحكومة السعودية تتخذ العديد من الإجراءات لمواجهة تغير المناخ، وترتكز الإجراءات والرؤى المستقبلية على ثلاثة محاور؛ الأول: رصد الانبعاثات والتغيرات البيئية، ومنها: مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة، والتهديدات تمثل خطرا للنظم البيئية، من خلال محطات الرصد الجوي، ومحطات رصد الملوثات الجوية المنتشرة على كامل أراضي المملكة العربية السعودية، الثاني: التخفيف من حدة مصادر الغازات الدفيئة المنبعثة من مصادر الطاقة العالية الكربون، وتنفيذ تدابير ومبادرات تعزز وتشجع وتساند الإجراءات الرامية إلى تحقيق المنافع المشتركة لإجراءات تخفيف الآثار في مجال كفاءة استهلاك الطاقة، وتقوية البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة وتوسيع نطاق تركيزه، ومثال على ذلك وضع اللائحة العامة لكفاءة استهلاك الطاقة، واللائحة الفنية لإجراءات تسجيل البيانات وإصدار بطاقة كفاءة استهلاك الطاقة في المركبات والإطارات. وقد اهتمت المملكة العربية السعودية بمصادر الطاقة المتجددة بصورة أكبر؛ حيث أبرمت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مذكرتي تفاهم الأولى مع الشركة السعودية للكهرباء وشركة تقنية للطاقة، لإنشاء أول محطة طاقة الشمسية مستقلة في المملكة بسعة 50 ميجاوات في مدينة الأفلاج، والثانية مع الشركة السعودية للكهرباء لإنشاء مركز مشترك للأبحاث والتطوير في قطاع التوزيع التابع للشركة. الأخير: التكيف مع التأثيرات السلبية لتغير المناخ منها: التأثير على موارد المياه العذبة، والتأثير على الأمن الغذائي، والتأثير على النظم البيئية القارية والبحرية. وتركز الحكومة في ذلك على الحلول المستدامة التي تم اتخاذها أو يمكن اتخاذها لمواجهة تلك التأثيرات، وتعزيز الاستدامة في المملكة العربية السعودية. وتتضمن الحلول مبادرة فصل وتخزين واستخدام ثاني أكسيد الكربون والتي ترتكز على خطط وإجراءات لحجز واستخدام الكربون من أجل الاستفادة منه في تصنيع الأسمنت أو تحويله لمنتجات صناعية، مثل: المواد الكيمائية أو صناعات بتروكيميائية أخرى. والجدير بالذكر أن لشركة أرامكو الريادة في الاستخلاص المعزز للنفط على مستوى الشرق الأوسط، ويضمن استخراج النفط بحقن ثاني أكسيد الكربون، وذلك باستخلاصها من محطات الطاقة الكهربائية واحتجازه في باطن الأرض وحقنه في مكامن النفط.
آثار تغير المناخ
تختلف توقعات تغير المناخ في المستقبل طبقاً للتقنيات المستخدمة في وضع السيناريوهات اختلافاً كبيراً خاصة على مستوى النطاقات الإقليمية، وعليه يحتاج واضعو السياسات إلى تقليل أوجه عدم اليقين الخاصة بتغير المناخ العالمي لدعم واتخاذ القرار. ولكن يظل التعامل مع آثار تغير المناخ ليس مشكلة المملكة العربية السعودية وحدها، وإنما مشكلة دول العالم برُمتها؛ يتطلب ذلك التنفيذ الفعال لسياسات تغير المناخ بمشاركة جميع أفراد المجتمع، مما يسمح بمعالجة انبعاثات غازات الدفيئة من منظورات مختلفة. ويشكل هذا النهج الحاسم لأصحاب المصلحة المتعددين جزءاً لا يتجزأ من النجاح المتوقع، إذا تم التصميم والتنفيذ بكفاءة. كما تمثل المبادرات عملية توسيع مستوى "المسؤولية المشتركة" و"مشاركة المسؤولية" في جميع قطاعات الاقتصاد المختلفة، وجميع فئات المجتمع. ومن الضروري الأخذ في الاعتبار الاتفاقات الدولية والمبادرات الوطنية، ولا سيما الاتفاقات البيئية المتفاوض عليها، وما بها من قيم وقيود خاصة في المساعدة على الحد من تغير المناخ.
استراتيجية المملكة في مواجهة التغير المناخي
وتحدث أ. د. محمد عن استراتيجة المملكة، حيث شاركت المملكة العربية السعودية في مؤتمر باريس 2015، وأكدت التزامها العمل مع المجتمع الدولي للحد من الغازات الدفيئة، وتعزيز سبل التكيف مع انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ووقعت على الاتفاق، وجددت التزاماتها تجاه قضية تغير المناخ في مؤتمر تغير المناخ COP22 في مراكش بالمملكة المغربية. وتم وضع الرؤية البيئية للمملكة العربية السعودية في إطار رؤية المملكة 2030 لتعزيز الاستجابة من خلال المشاركة الدولية لمواجهة أخطار تغير المناخ والاحترار العالمي، من خلال اتخاذ التدابير والإجراءات وتفعيل البرامج لتجنب انبعاثات الغازات المسببة للاحترار العالمي، من خلال اللجنة الوطنية لآلية التنمية النظيفة التابعة لوزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية. وعليه تتبنى المملكة العربية السعودية استراتيجية شاملة في مواجهة التغير المناخي، وتعد المبادرات النوعية في المملكة العربية السعودية، خارطة طريق لحماية البيئة ومواجهة تحديات التغير المناخي، والتي من شأنها أن تسهم في تحقيق المستهدفات الطموحة لرؤية 2030، ومنها: تنفيذ استراتيجية إدارة السواحل المصممة للحد من تآكل السواحل وزيادة المناطق البحرية الممتصة للكربون، والمحافظة على البيئات الطبيعية، ومعالجة ما ينطوي عليه التغير المناخي من تهديدات للبيئة البحرية، ومساندة برنامج زراعة شجيرات المانجروف على سواحل المملكة العربية السعودية، وبرنامج إعادة تأهيل الشعاب المرجانية وتعزيزها على طول الساحل الشمالي للخليج العربي، وحماية المحميات الطبيعية وصدور أمر ملكي بإنشاء مجلس للمحميات الملكية، ومبادرة السعودية الخضراء.
الرؤية والمبادرة السعودية الخضراء
وأكد أ. د. محمد، أن مسيرة البناء والتطوير نحو «رؤية 2030» التي أُطلقت في عام 2016، تتواصل مستهدفة تحقيق نقلة نوعية في عدة مجالات، من بينها: حماية البيئة والاستجابة لظاهرة للتغير المناخي. ذلك وتٌعد من أفضل الحلول المتاحة لمشكلات المناخ زيادة المسطحات الخضراء وإعادة تشجير مناطق جديدة على نطاقٍ واسع؛ حيث يؤكد العلماء أن غرس الأشجار جزء مهم من المنظومة البيئية، ويسهم في التقليل من الاحترار العالمي، كما يساعد بشكل كبير في تعزيز الاتزان البيئي من خلال خفض الانبعاثات، وضخ الأكسجين، وامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى تقليل تلوث المياه والهواء، والحدّ من التصحر وتعرية التربة، والحفاظ على المناخ الأرضي المعتدل وتبريد المدن. وعلى هذا الأساس أطلق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 23 أكتوبر 2021 النسخة الأولى للمنتدى السنوي لمبادرة السعودية الخضراء في الرياض، التي من شأنها غرس أكثر من (450) مليون شجرة، وإعادة تأهيل (8) ملايين هكتار من الأراضي المتدهورة، مما يزيد من إجمالي المناطق المحمية في المملكة لأكثر من (20 %) من إجمالي مساحتها. ويمكن مشروع الرياض الخضراء الإدارة المتكاملة للنفايات وإعادة تدويرها في مدينة الرياض. كما تُواجه السعودية التصحر البيئي بعدد من المبادرات الكبرى التي تهدف إلى تنمية الغطاء النباتي، أهمها «السعودية الخضراء» التي تهدف إلى غرس 10 مليارات شجرة في أنحاء المملكة، لتغطي 40 مليون هكتار ستسهم في الحد من الظاهرة بشكل جذري، و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"؛ إضافة إلى دعم عدد من الابتكارات والحلول التي تساعد في مكافحة تغير المناخ وتخفيض الانبعاثات الكربونية بمقدار (278) مليون طن سنوياً بحلول عام (2030)، منها: اتخاذ إجراءات لتعزيز التحكم في ظاهرة التصحر، ومساندة الإجراءات التي تعزز المحافظة على استقرار حركة الرمال حول المدن والطرق، مع زيادة طاقة المناطق الممتصة من خلال التشجير، ومنع الاحتطاب الجائر، ومنع الرعي الجائر، وحماية الغطاء النباتي.
الاقتصاد الأخضر
وأشار أ. د. محمد أن الاستثمارات في تنمية الاقتصاد الأخضر جزء لا يتجزأ من الجهود الدولية لمواجهة التغير المناخي وتحقيق التنمية المستدامة؛ حيث يتيح للمستثمرين دعم المبادرات الخضراء من خلال صناديق الاستثمار والمساهمة في تمويل المشاريع البيئية. ذلك واستهداف المملكة العربية السعودية للوصول إلى الحياد الصفري بحلول 2060 يتطلب تعبئة استثمارات من القطاعين الحكومي والخاص، ويسهم صندوق الاستثمارات العامة السعودي في مشاريع متعددة الأوجه، وفريدة من نوعها من حيث النطاق والطموح، وسيكون لها دور مهم في تنمية الاقتصاد المحلي وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
ذلك وتستند تطبيق البرمجيات المتاحة على دراسة وتحليل الأثر الاقتصادي، والتي يمكن من خلالها تصنيف أدوات انبعاثات غازات الدفيئة ضمن القطاعات الاقتصادية، مثل: استراتيجيات تطبيق البرمجيات في الحد من تأثيرات التغير المناخي ومنها: استراتيجية الوقود البديل، وبرامج الفحص الدوري للمركبات، وتخطيط استخدام الأرض واستخدام أنظمة التكنولوجيا الذكية التي تستخدم لتحسين جودة الحياة، وتحقيق توازن الأبعاد الاقتصادية والتكنولوجية والعامل الإنساني، وفي هذا الشأن احتلت أربع مدن في المملكة العربية السعودية –الرياض ومكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة– مرتبة عالية في قائمة مؤشر المدينة الذكية IMD (SCI) لعام 2023. وبناء عليه تعد الوظائف الخضراء هي أحد الأهداف الرئيسة، مما يخلق حوافز لزيادة الاستثمار وتعزيز التنمية المستدامة من خلال إعادة التدوير، وزيادة المسطحات الخضراء، وتقليل آثار الكربون، وفي قلب هذه الطرق يوجد نهج الإدارة البيئية التي يمكن دمجها مع التدابير الي تحد أو تقلل من آثار تغير المناخ.
تحديات بيئية
من جانبه، يعرِّف د. علي بن سعيد الغامدي -أستاذ علم المناخ والمخاطر المناخية المشارك بجامعة الملك سعود- التغير المناخي بأنه يُعد من أبرز التحديات البيئية لما يشكله من ضغط كبير على البيئة، والاقتصاد والرفاهية الاجتماعية في أنحاء متعددة من العالم. تمتد تداعيات التغيرات المناخية إلى ما هو أبعد من ارتفاع درجات الحرارة، فهي تمس العديد من أوجه الحياة البشرية، فتغير أنماط الطقس وارتفاع درجات الحرارة يقللان من هطول الأمطار مع ازدياد في معدلات التبخر، مما يؤثر ليس على مصادر المياه وتوافرها للبيئات الطبيعية فقط بل يشكل ضغطاً على استخدام المياه للأغراض المنزلية والصناعية والزراعية. تسعى المملكة لمواجهة هذه التحديات من خلال استراتيجيات مبتكرة في الشمولية والتداخل، مثل: الاستراتيجية الوطنية للمياه، الزراعة والأمن الغذائي، بالإضافة إلى برامج حصاد مياه الأمطار ومعالجة مياه الصرف الصحي والاستمطار. من جانب آخر، يؤدي التغير المناخي إلى زيادة الضغط على قطاع الطاقة، حيث تسبب موجات الحرارة الشديدة في زيادة الطلب على الطاقة للتبريد وتقليل كفاءة العمليات التشغيلية، في هذا الجانب نرى اليوم استراتيجية منظومة الطاقة المتكاملة وما تتضمنه من برامج مثل برنامج كفاءة الطاقة وبرامج الطاقة البديلة.
لمستقبل مستدام
وذكر د. الغامدي أن المملكة تتعامل مع قضية التغير المناخي على أنها فرصة من فرص التحول لتنويع الاقتصاد وحماية البيئة وضمان استدامة المستقبل من خلال تنفيذ استراتيجيات ومبادرات شاملة ترتكز على ثلاث ركائز رئيسة هي: خفض الانبعاثات، وتعزيز قدرات التكيف، والحفاظ على ممكنات النمو لمستقبل مستدام. تظهر هذه الركائز في جميع الاستراتيجيات والبرامج الوطنية ذات العلاقة انطلاقاً من منظور استراتيجي للتوازن بين العمل البيئي والمتطلبات الاقتصادية والاجتماعي لنمو والتقدم. على سبيل المثال نجد أن الاستراتيجية الوطنية للمياه والاستراتيجية الوطنية للزراعية واستراتيجية الأمن الغذائي واستراتيجية منظومة الطاقة تأخذ البعد البيئي في عين الاعتبار -ومن ذلك جانب التغير المناخي- وتعمل بشكل متناغم لتحقيق الركائز الثلاث. في هذا الصدد أطلقت المملكة مبادرة السعودية الخضراء كمظلة توحد جهود المملكة لمكافحة تغير المناخ في إطار عمل استراتيجي منظم على المستوى الوطني.
اليوم هناك أكثر من 80 مبادرة لتعزيز جهود حماية البيئة والتنمية المستدامة كبرامج استصلاح الأراضي، وحماية المناطق البرية والبحرية، والتقاط الكربون واستخدامه، والاقتصاد الدائري للكربون، وخفض الانبعاثات الكربونية، ومعالجة وإدارة النفايات باستثمارات تتجاوز 705 مليارات ريال سعودي. هذه الجوانب ذات ارتباط وثيق مع رؤية السعودية 2030 والتي ترتكز على مبدأ الاستدامة والحفاظ على البيئة، وهذا ما نشاهد انعكاسه في كل مشاريع وبرامج الرؤية كمشاريع البحر الأحمر والرياض الخضراء وعدد من برنامج التحول الوطني.
مبادرات طموحة
وأشار د. الغامدي أنه في المقابل تعمل المملكة العربية السعودية بشكل حثيث على الصعيد الدولي ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر من أكبر الشواهد. فهذه المبادرة تقدم نموذج عمل إقليمي تقوده المملكة للحد من تأثيرات تغير المناخ على المنطقة من خلال العمل المشترك مع دول الجوار لبناء بنية تحتية مشتركة تهدف إلى مواجهة التحديات المناخية وحماية البيئة مع توفير فرص اقتصادية للمنطقة بشكل مستدام. هذا الجهد ينطلق من رؤية المملكة بأن تداعيات التغير المناخي ذات طابع عالمي ولا تخضع للحدود الجغرافية وقد تقود إلى تدهور في سبل العيش وفرص العمل في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن هنا تنبع الحاجة إلى إطار عمل تعاوني يوحد الجهود في كامل المنطقة من أجل خلق أثر إيجابي على البيئة مع تعزيز التنويع الاقتصادي، وتوفير فرص العمل، وتحفيز الاستثمارات.
كل هذا يعكس التزام المملكة بمكافحة التغير المناخي من خلال دمج الأبعاد البيئية في جميع جوانب السياسات الوطنية، وهو نهج يمثل جزءاً من سعي المملكة لتحقيق الأهداف العالمية وتعزيز مكانتها كقائد فعال في الحفاظ على البيئة على مستوى العالم. بالإضافة إلى ذلك، تسهم هذه الاستراتيجيات في تحسين جودة الحياة وتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال خلق فرص عمل جديدة في القطاعات الخضراء وتعزيز الاستقرار البيئي والاجتماعي. لذلك استراتيجيات التنمية المستدامة في المملكة لا تقتصر على الحد من التأثيرات السلبية للأنشطة البشرية على البيئة وما يصحبها من تغيرات فقط، ولكنها تشمل أيضاً الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والابتكارات لتحقيق أعلى مستويات الكفاءة والفعالية، حيث تشكل مبادرات مثل استخدام تكنولوجيا التقاط الكربون واستخدامه والاقتصاد الدائري للكربون مثالًا على الجهود الرامية للتخفيف من الأثر الكربوني ودعم النمو الاقتصادي المستدام. بهذه الرؤية تعمل المملكة على تدمج المسؤولية البيئية مع النمو الاقتصادي مما يشكل موازنة بين الاستدامة والتقدم لضمان مستقبل أكثر خضرة وازدهاراً للأجيال القادمة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.
مبادرات عالمية
وبدوره ذكر د. علي عبدالله الدوسري -رئيس الجمعية الجغرافية السعودية قسم الجغرافيا، جامعة الملك سعود- أن المملكة تساهم بجهود ريادية عن طريق خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وإزالة الكربون من الغلاف الجوي، واحتجاز الكربون وتخزينه. وتشير الدراسات والأبحاث العالمية إلى جهود المملكة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة من إنتاج ومعالجة ونقل وتكرير النفط الخام. كما قدمت المملكة مجموعة مبادرات عالمية من خلال مبادرة الشرق الأوسط الخضراء والسعودية الخضراء لاستهداف التقاط الكربون من خلال العمليات الطبيعية عن طريق غرس الأشجار وحماية البيئة والتكيف مع التغيرات المناخية.
تحديات
تتمثل خطورة التغير المناخي على الأمن البشري والسلامة من التهديدات المزمنة للبشرية، مثل: الجوع والمرض والاضطرابات المفاجئة والمتطرفة للظواهر الطبيعية. ويتزايد الاهتمام بالتغيرات المناخية لما تحدثه من خسائر مباشرة وغير مباشرة للمكونات الطبيعية للحياة البشرية وتهديد الأمن الغذائي والمائي وتفاقم العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية القائمة، يواجه المجتمع البشري والحياة الطبيعية تحديات مستقبلية جديدة يمكن تلخيصها في تزايد حالات الجفاف والعواصف وموجات الحرارة وارتفاع مستويات سطح البحر وذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع درجة حرارة المحيطات، لما تحدثه من تدمير بسبل عيش الإنسان وبيئته.
تأثير الطقس وتغير المناخ في حياتنا اليومية
وأوضح د. الدوسري، أن التغيرات في المناخ وزيادة الظواهر الجوية المتطرفة تُعدُّ من بين الأسباب الكامنة وراء الارتفاع العالمي في معدلات الجوع وسوء التغذية. إذ قد يتم تدمير مصايد الأسماك والمحاصيل والماشية أو تصبح أقل إنتاجيةً، ومع ازدياد حمضية المحيطات، أصبحت الموارد البحرية التي تغذي مليارات البشر معرضةً للخطر. ومع ارتفاع تركيزات الغازات الدفيئة، ترتفع درجة حرارة سطح الأرض ودرجة حرارة المحيطات. ومع هذا التزايد في درجات الحرارة تزداد درجة حدوث وانتشار الأمراض المرتبطة بالحرارة، والحرائق، وتزداد حدة العواصف وتكرارها، ومع تزايد كمية التبخر يساهم في تفاقم هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، وتشتد الأعاصير والزوابع المدمرة للمنازل والمنشآت والوفيات والخسائر الاقتصادية الفادحة. كما يؤثر شدة الجفاف في تفاقم العواصف الغبارية ونقص المياه الضروري لمناشط الحياة ومن أهمها الزراعة وتهديد منظومة سلاسل الغذاء، وتشكيل مخاطر فقدان الأنواع الأحيائية وانحسار الموائل الطبيعية للحياة الفطرية وكذلك تدهور المراعي والثروة الحيوانية، ويمتد تأثير التغيرات المناخية إلى تعثر سبل العيش للإنسان مما يدفعه إلى الهجرة من الريف إلى المدن أو الهجرة الدولية نتيجة لحالات الجفاف أو الفيضانات وشح المياه.
استراتيجيات هادفة
تنطلق استراتيجية المملكة وفقاً للاتجاهات الدولية والاتفاقات العالمية وتفعيل استراتيجية اقتصاد الكربون الدائري التي أقرها قادة مجموعة العشرين وذلك للتخفيف (Mitigation) من آثار تغير المناخ والتكيف (Adaptation) والمحافظة (Conservation) مع خطط قابلة للتنفيذ وأهداف مدروسة تعزز التحول نحو اقتصاد مستدام وفقًا لرؤية المملكة 2030.
حماية المحميات الطبيعية
ووفقًا لما ذكرة د. علي الدوسري: "إن المملكة تتميز بدور ريادي نحو الحفاظ على البيئة والحد من فقدان التنوع البيولوجي في البر والبحر من خلال تنظيم التشريعات لحماية الحياة الفطرية وصون الطبيعة ورفع النسبة المئوية للمناطق المحمية إلى أكثر من 30 ٪ من إجمالي مساحة البلاد بحلول عام 2030، ويمثل إطلاق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، مبادرة السعودية الخضراء حجر الأساس لتفعيل دور كافة فئات المجتمع وتوحيد الجهود نحو تنمية البيئة المستدامة. وتدعم مبادرة السعودية الخضراء تحقيق طموح المملكة نحو الوصول إلى هدف الحياد الصفري بحلول عام 2060م، تتقدم المملكة بخطوات واستراتيجيات عالمية للانتقال نحو الاقتصاد الأخضر من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية، وتشجير المملكة، وحماية المناطق البرية والبحرية.
الاستثمارات في تنمية الاقتصاد الأخضر
وأشار د. علي الدوسري، منذ الإعلان عن مبادرة السعودية الخضراء، تم إطلاق أكثر من 70 برنامجاً مختلفاً لدعم هذه الأهداف ودفع عجلة النمو المستدام. وتستهدف هذه البرامج توليد الطاقة المتجددة وإنتاج الهيدروجين، وغرس الأشجار، واستصلاح الأراضي، وحماية الحياة الفطرية وإعادة توطينها في موائلها الطبيعية، ويعتبر الاستثمار الأخضر (green investing) خطوة مهمة داعمة ومكملة لتحقيق الاقتصاد الأخضر. ويبرز هنا دور الفرد والأسرة والمجتمع في دعم والاستثمار في الشركات التي تدعم أو توفر منتجات وممارسات صديقة للبيئة، كما تتزايد أهمية تمكين هذه الشركات أو المبادرات من الوصول إلى التمويل الأخضر (Green finance) .
مبادرات عديدة نحو هدف واحد الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة
د. علي عبدالله الدوسري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.