في الحلقة الماضية ذكرنا جزءاً من الحوار الذي تم بين المستشرق البريطاني بيلينكن ووزير المالية عبد الله السليمان في مدينة جدة حينما ذكر له أنه حريص أولاً بصفته وزيراً للمالية لأكثر من اثنين وعشرين سنة أن يرفع إنتاجية المصادر الطبيعية لهذا البلد. وثانياً أن الاهتمام بالجانب الإنشائي وذكر أن الحرب العالمية الثانية أوقفت خططاً ومشاريع مهمة تتعلق بالبنى التحتية. حتى قال: إننا نريد بناء سكك حديدية ومطارات وشبكة مياه لجدة وما زلنا لم نقرر ما هو الأهم الذي يجب أن نبدأ به. لدينا الآن ثلاثة مشروعات ومنها مشروع بناء سكة حديد تربط رأس تنورة بالرياض وتبلغ تكلفته 20 مليون دولار ويستغرق تنفيذه سنتين (تم استكماله سنة 1951م) مضيفاً أنهم وقعوا أيضاً عقداً بمبلغ 250 ألف جنيه إسترليني لتوفير المياه لجدة. وفي هذا السياق أخبره الشيخ عبد الله السليمان كما يقول في كتابه يوميات رحلة من القاهرة إلى الرياض أحد إصدارات دارة الملك عبد العزيز أنه يذهب إلى الرياض لمقابلة الملك عبد العزيز مرات متكررة وأحياناً يبقى هناك عدة أسابيع حيث تتوقع حكومة المملكة هذا العام وصول (مليون وثلاثمائة حاج) منهم حوالي ستين ألف حاج من نجد واليمن ويدفع كل حاج رسوماً للحجر الصحي تعادل جنيهين إسترلينيين للفرد الواحد مقابل العناية الصحية ويعد هذا مصدراً مهماً للدخل. ومصدر الدخل الآخر هو النفط، حيث تبلغ قيمة الطن الواحد من البترول الخام المستخرج من الآبار النفطية السعودية خمسة شلنات والإنتاج مستمر في الزيادة وقد توقع أن يصل دخل المملكة في سنة 1949م خمسة ملايين جنيه إسترليني. وتساءل الشيخ عبد الله حينها: ما السنوات التي يبهجه تذكرها، ثم أجاب: حينما أنظر إلى الخلف. إنها السنوات العشر الأخيرة. لأن الدخل الاقتصادي للمملكة ارتفع وربما يمكننا تحقيق بعض الأهداف. يعود بيلينكن مرة أخرى لوصف شخصية عبد الله السليمان: يحيط بوجهه الصقري إصرار يحسد عليه مشفوع بالدلائل الأبدية للتجارب الخشنة التي عايشها في الأيام الماضية.. لقد جرب الشيخ عبد الله في هذه الدولة المستعصية على الاحتلال الخشونة وعدم معرفة ما سيأتي به الغد. في ذلك اليوم كانت فلسطين ونفاد صبر العرب مع بريطانيا إضافة إلى التدخل الأمريكي المزعج كان موضوع الحديث بعد الغداء. إلا أن هذا النوع من النقاش لم يرق لبيلينكن فخرج إلى الشرفة وشعر حسب قوله وهو يشاهد قطعاناً من الحمير والجمال والشاحنات المزعجة والسيارات الفخمة التي تبدو غريبة على هذا المكان شعر بأن هذا المشهد إنذار لحضارتهم الغربية وبالذات البريطانية المتحمسة كما قال. فالثقة المفرطة بالنفس التي هي جزء من حياتهم البريطانية حسب اعتقاده لا تعني شيئاً إذا ما تذكروا أنه منذ آلاف السنين ازدهرت على هذه الطرقات المتربة وفي هذه الدروب المزدحمة بالذباب حضارة متقدمة وقادرة وآسرة كأي حضارة معاصرة. وتأمل حسب قوله وهو يتنفس الرمل الذي أثارته نعال بعض أفقر المخلوقات التي رآها في حياته. ماذا يمكن أن يحدث لو استمر غباء بعض القادة السياسيين في الشرق والغرب وتحولت أوروبا بسبب ما يصنعه الإنسان إلى أرض قاحلة تشبه المملكة العربية السعودية؟ ولكن الدرس الواضح الذي يمكن أن يتعلم منه الإنسان من التاريخ هو أن البشر لا يتعلمون من التاريخ. بداية إنتاج البترول في المملكة وصول الحجاج عبدالله السليمان سعود المطيري