تتجه سوق المواد الغذائية العالمية صوب تحقيق قفزة هائلة خلال السنوات القليلة المقبلة، مما يضعها ضمن أسرع القطاعات الاقتصادية نمواً، ولأن الأرقام لا تكذب ولا تتجمل، فقد ارتفعت قيمة السوق إلى 6 تريليونات دولار في عام 2023، فيما ينتظر نمو القطاع بمعدل سنوي مركب 6.1 % من الآن وحتى نهاية العقد الحالي، ليصل حجم السوق إلى 8.5 تريليونات دولار بحلول 2030، ويرتكز هذا النمو على صعود العلامات التجارية الخاصة، وزيادة الإنفاق الاستهلاكي على الغذاء، وتزايد انتشار قنوات ومنصات الإنترنت، والتجارة الإلكترونية، والتوسع الحضري الذي يشكل عاملاً حاسماً لطبقة هائلة من المستهلكين العالميين، وانضمام المزيد منهم للطبقة المتوسطة التي تدعم الطلب القوي على الوجبات الجاهزة، والأطعمة المعبأة، وخيارات تناول الطعام سريعة التحضير. رغم التوقعات الواعدة، إلا أن الأمر لا يخلو من عقبات، أبرزها اشتعال المنافسة، وارتفاع تكاليف التشغيل، وزيادة رسوم الشحن البحري، وشبح تعطل سلاسل التوريد مع تحول مسار سفن الشحن من البحر الأحمر، الذي أصبح منطقة حرب في عرف شركات الشحن الكبرى، ومع ذلك، فإنه توجد فرص واعدة في القطاع المزدهر، فعلى سبيل المثال، هناك تحول ملحوظ نحو تسوق البقالة عبر الإنترنت، وهو اتجاه سيستمر في عام 2024 وما بعده، وعلاوة على ذلك، هناك تركيز متزايد من جانب المستهلكين على الصحة والعافية، إلى جانب التحول نحو ممارسات الاستهلاك المستدامة والأخلاقية، والواقع أن هذه الاتجاهات لا تعكس تفضيلات المستهلكين المتغيرة فحسب، بل توفر أيضاً لتجار المواد الغذائية بالتجزئة فرصة لإعادة التقييم والتموضع، وتحقيق المزيد من الأرباح. من الذكاء الاصطناعي إلى تقنيات الواقع المعزز وحتى أنظمة الدفع بدون أمين الصندوق، تلعب الاستثمارات التكنولوجية دوراً حاسماً في تشكيل مستقبل تجارة التجزئة في قطاع الأغذية العالمي، حيث يتم الاستفادة من التكنولوجيا في تعزيز نمو السوق، وتحسين الكفاءة التشغيلية، وتلبية الاحتياجات المتطورة للمستهلكين، وعلى سبيل المثال، يجسد دمج تكنولوجيا الأتمتة في تجهيز الدواجن كيف يمكن للابتكارات أن تعالج التحديات التشغيلية، مثل نقص العمالة، مع تعزيز جودة المنتج والإنتاجية في ذات الوقت، وبينما نتجه نحو عام 2030، فإنه من المنتظر أن تشهد تجارة التجزئة للأغذية تحولاً كبيراً، ويؤكد مسار النمو القوي في القطاع الإمكانات الهائلة لتجار التجزئة الذين يمكنهم التنقل ببراعة في ديناميكيات السوق المتطورة، بالإضافة لذلك، فإن الدفع نحو الاستهلاك المستدام والأخلاقي، إلى جانب التقدم التكنولوجي، يمثل فرصة فريدة للصناعة لقيادة جهود الاستدامة العالمية، مع تلبية الاحتياجات الدقيقة للمستهلك الحديث. من الواضح أن رحلة سوق بيع المواد الغذائية بالتجزئة نحو عام 2030 لا تتعلق فقط بالنمو، إذ يتعلق الأمر أيضاً بالتحول نحو الابتكار والاستدامة والفهم العميق لرغبات المستهلكين، ولهذا يعد العقد المقبل فرصة ذهبية للتغيير والتحدي والفرص الكبيرة، في ظل صعود منحنى الاستهلاك المستدام والأخلاقي، وظهور مبادرات طموحة مثل مكافحة هدر الطعام، والتعبئة الصديقة للبيئة، ويتجلى الابتكار في سوق التجزئة للأغذية والبقالة، من خلال تكامل التقنيات المتقدمة مثل منصات الإنترنت، وتجارب التسوق الشخصية القائمة على الذكاء الاصطناعي، وإدارة سلاسل التوريد الذكية، فيما يركز تجار التجزئة على الممارسات المستدامة، وإدخال عبوات صديقة للبيئة، وتقديم مجموعة متنوعة من المنتجات الصحية والمخصصة لتلبية تفضيلات المستهلكين المتغيرة، بالإضافة إلى أن تحليل البيانات والأتمتة يعززان من الكفاءة التشغيلية ومشاركة الزبائن في هذا القطاع الديناميكي. ستؤدي عمليات الاندماج الاستحواذ في القطاع خلال عام 2024 وما بعده، إلى دفع النمو في صناعة الأغذية من خلال تعزيز التواجد في السوق وتوسيع حافظات المنتجات والاستفادة من التآزر التشغيلي، كما تمكن هذه المساعي الشركات من الاستفادة من قواعد عملاء جديدة، وتبسيط سلاسل التوريد، وتعزيز مكانتها التنافسية في مشهد تجزئة ديناميكي غير مسبوق، بينما تلعب اللوائح دوراً كبيراً في تشكيل سوق المواد الغذائية بالتجزئة، مما يؤثر على جوانب مختلفة من الصناعة، وعلى سبيل المثال، تؤثر لوائح الصحة والسلامة على تداول الأغذية وتخزينها ووضع العلامات التجارية عليها، مما يضمن حماية المستهلكين، فيما تعمل الأنظمة البيئية على دفع مبادرات الاستدامة، مما يؤثر على ممارسات التعبئة والتغليف وأسلوب إدارة النفايات الغذائية. استحوذ بند تخزين الطعام على أكبر حصة سوقية تزيد على 18 % في عام 2023، حيث يقوم قرابة 39 % من المستهلكين بطهي الطعام من الصفر، ومن المتوقع أن يزداد الطلب على المواد الغذائية المخزنة عالية الجودة وطويلة الأمد خلال السنوات القادمة، حيث يتسوق المزيد من العملاء محلياً وبتكرار أقل، ومن المتوقع أن يسجل بند المشروبات أسرع معدل نمو في الإيرادات بنسبة 3.5 % خلال عام 2024، وقد تؤدي عادات المستهلكين المتغيرة لاستهلاك المشروبات في المنزل إلى دفع نمو القطاع، وستجبر هذه الاتجاهات المتغيرة الشركات على اكتشاف طرق جديدة لزيادة المبيعات، وعموماً، فقد شهدت صناعة المشروبات مؤخراً زيادة في منتجات الصحة والعافية، بينما تستمر السلع البديلة، مثل المشروبات الطبيعية والعضوية، في اكتساب شعبية معتبرة بين المستهلكين. من جهة أخرى، قادت محلات السوبر ماركت والهايبر ماركت السوق في عام 2023، مستحوذة على أكبر حصة من الإيرادات بنسبة 34.9 %، ويعد وجود عدد كبير من هذه المتاجر العظيمة في جميع أنحاء العالم عاملاً أساسياً لحصتها الكبيرة في السوق، حيث يميل الزبائن إلى التسوق المريح عبر شراء عدد كبير من المواد الغذائية تحت سقف واحد، ولضمان الحفاظ على عادات الشراء لدى الزبائن داخل المتاجر الكبيرة، يبتكر أصحاب المتاجر أنشطة تسويقية وترويجية مميزة، ويزدهر التجار الأذكياء من خلال الاستفادة من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي واستخدام علم البيانات الضخمة في تخزين البضائع بشكل سلس، لتحسين تجربة التسوق وتلبية متطلبات العملاء المتغيرة، وقد ساهم نضج المستهلكين الرقميين، أو العملاء الذين نشأوا مع التقنيات الرقمية، في توسيع مبيعات المواد الغذائية والبقالة عبر الإنترنت، وهؤلاء العملاء متحمسون للغاية ومرتاحون للتكنولوجيا، ولهذا، فإن الشراء عبر الإنترنت أضحت عادة متجذرة لديهم. خلال عام 2023، استحوذ سوق التجزئة للأغذية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ على الحصة الأكبر من الإيرادات العالمية وذلك بنسبة 36.6 %، ويعد انتشار محلات السوبر ماركت في الدول النامية عاملاً رئيساً ومهيمناً في هذه المنطقة، ويعود نمو هذا النوع من المتاجر الكبيرة إلى عدة عوامل تشمل التحضر وارتفاع الدخل المتاح، والاستثمار الأجنبي المباشر، وتنويع المنتجات، والاستثمارات المحلية، وتحديث أنظمة المشتريات لتقليل تكاليف العرض، كما ساعد زيادة استخدام الهواتف الذكية وتغلغل النطاق العريض، في نمو مبيعات الأغذية عبر الإنترنت، وعلى سبيل المثال، فقد بلغت قيمة سوق التجزئة للأغذية والبقالة في الهند، أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، 719.4 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو القطاع في الهند بمعدل سنوي مركب قدره 4 % حتى عام 2030. في المقابل، بلغت قيمة سوق التجزئة للأغذية والبقالة في أميركا الشمالية 1.872 تريليون دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو القطاع بمعدل سنوي مركب قدره 2.4 % حتى عام 2030، ويعود السبب الرئيس وراء نمو السوق في هذه المنطقة الحيوية من العالم إلى النمو الكبير في تجارة المواد الغذائية بالتجزئة في الولاياتالمتحدة وكندا، من جهة أخرى، وفي منطقة ذهبية أخرى من العالم، وصلت قيمة سوق التجزئة للأغذية والبقالة في أوروبا إلى نحو 3 تريليونات دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو القطاع الأوروبي بمعدل سنوي مركب قدره 2.8 % خلال السنوات القادمة. طبقاً للأرقام، فإن مبيعات التجزئة في فرنساوألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة مرشحة للتحليق عند مستوى 2.5 تريليون دولار بحلول عام 2030، ارتفاعاً من 2.1 تريليون دولار في عام 2023، وتعتبر ألمانيا أكبر سوق أوروبي في قطاع الأغذية والبقالة، إذ من المتوقع أن يصل إجمالي المبيعات في ألمانيا إلى 680 مليار دولار بحلول عام 2030، ارتفاعًا من 585 مليار دولار في عام 2023، وفي المملكة المتحدة، سيصل إجمالي مبيعات التجزئة إلى 624 مليار دولار في عام 2030، ارتفاعاً 527 مليار دولار في عام 2023، أما في فرنسا، فإنه من المتوقع أن يصل إجمالي مبيعات التجزئة إلى 610 مليارات دولار في عام 2030، ارتفاعاً من 521 مليار دولار في عام 2023. أما في دول الخليج، فقد وصل حجم قطاع الأغذية والمشروبات إلى 94 مليار دولار في 2023، ومن المتوقع أن ينمو القطاع بنحو 6 % سنوياً ليتجاوز 128 مليار دولار بحلول عام 2030، أما في السعودية فقد حقق سوق التجزئة للأغذية والبقالة إيرادات بنحو 28 مليار دولار في عام 2023، وتستورد السعودية منتجات غذائية سنوية بقيمة 20 مليار دولار، وتوفر السوق السعودية فرصاً استثمارية واعدة بفعل زيادة الاستثمار في صناعة الأغذية مع نمو عدد السكان، وانتعاش قطاع السياحة والضيافة، حيث يحتاج السياح إلى خيارات مختلفة من الطعام أثناء إقامتهم، مما يخلق زيادة في الطلب على المطاعم والمقاهي ومنافذ بيع المواد الغذائية بالتجزئة، بالإضافة إلى ذلك، تنفذ السعودية مبادرات طموحة لدعم القطاع، بما في ذلك استثمارات التنمية الزراعية، وتطوير البنية التحتية لتصنيع الأغذية، وبرامج الأمن الغذائي، حيث يتوقع استقطاب استثمارات بنحو 20 مليار دولار في قطاع الأغذية حتى عام 2035.
